الدكتور منذر الفضل-1-مشكلة مياه نهري دجلة والفراتبرزت أزمة المياه في العراق لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي ابان حكم البكر – صدام إثر إنجاز بناء أحد السدود الضخمة في تركيا وتخزين المياه فيه , كما رافقه توتر سياسي في العلاقات بين العراق وسوريا ,
وقد بلغ نقص المياه في نهر الفرات حدا كبيرا بسبب العجز في الميزان المائي والخلل بين العرض والطلب المتزايد على المياه وحدثت فجوة مائية حادة وصلت حد الأزمة. وأتذكر أنني وقفت في تلك الفترة وفي أحد الايام عند ضفاف نهر الفرات في مدينة الكوفة وفوجئت بأن العديد من الصبية يعبرون النهر بين الضفتين ويلعبون على الارض اليابسة التي برزت وسط النهر بشكل واضح للعيان بسبب نقص حاد في منسوب المياه بعد أن كانت مياه نهر الفرات تفيض بالخير العميم وتنعش مناطق العراق من البساتين والمزارع والنخيل والاهوار في الوسط والجنوب.وبدون شك , فأن العراق ورث منذ سقوط حكم صدام وحزبه الفاشي مشكلات عويصة ليس من السهل حلها أو التخفيف من آثارها. فقد خاض النظام السابق حروبا عبثية كارثية ضد الشعب الكردي وضد ايران وضد دولة الكويت ونتج عن ذلك حملات دولية لاسقاط النظام في 9 نيسان 2003. وهذا الانشغال في صنع الاعداء والحروب الداخلية والخارجية أدى الى ضياع حقوق العراق بفعل تجاوزات دول الجوار عليه , وبسبب صرف مبالغ خيالية من جانب ذلك النظام على التسليح بدلا من بناء السدود والمستشفيات وصناعة الكهرباء والزراعة والاستثمارات والتنمية الاقتصادية.يضاف الى ذلك إن الوضع السياسي العراقي الحالي مضطرب , ما يؤثر على ايجاد الحلول السريعة لهذه المشكلات الموروثة , كما إن من المؤسف إن أغلب الشخصيات والاحزاب والحركات السياسية التي ناهضت النظام السابق وتسلمت مقاليد السلطة في العراق اليوم لم تكن أهلا لتحمل المسؤولية التاريخية والدستورية والقانونية في الارتفاع الى مستوى الازمات التي يعاني منها العراق , إذ ما تزال الطبقة السياسية تمارس سلوك وعقلية المعارضة والصراع على المواقع والمغانم , حتى بلغ استياء المواطنين العراقيين حده الاقصى بسبب ذلك , ولانتشار مظاهر سلبية وخطيرة أخرى من فساد مالي واداري بلغ رقما قياسيا , وتدني في الخدمات وانتشار في البطالة وتلوث بيئي وتدهور أمني وغيرها من الأزمات الخانقة. وإذا كان صلب موضوعنا ينصب على قضية المياه فقط , فان الغاية من هذه السطور ليس ايجاد الحلول السحرية لأزمة المياه في العراق بل هو مجرد دق لجرس الانذار للحكومة وللمسؤولين العراقيين لهذه الكارثة التي يواجهها مستقبل العراق وأجياله المغلوبة على أمرها , ولضياع حقوق العراق في مياه نهري دجلة والفرات التي تشاركه فيهما كل من تركيا وسوريا , و لممارسات ايران غير القانونية في التجاوز على حقوق العراق في المياه في الحدود الشرقية.-2-أزمة المياه قضية قانونية وفنية أم وسيلة للضغط السياسي؟يمكن القول بأن أزمة المياه في العراق هي قضية قانونية أولا. وقد استعملت كوسيلة للضغط السياسي ضد العراق في مناسبات متعددة. ففي عام 1969 قام نظام شاه ايران باغراق مساحات واسعة من مدينة البصرة ومنها جامعة البصرة التي أغرقها بالكامل حين أطلق مياه نهر الكارون وتسبب في اضرار بليغة وخسائر مالية وتعطيل للدراسة. وكان الهدف من ذلك الضغط على حكم البعث وايجاد الفرص لالغاء معاهدة عام 1937 التي نظمت حقوق الطرفين في شط العرب. وفعلا فقد ألغيت تلك المعاهدة من جانب واحد وهو الطرف الايراني , ونجح النظام في ايران في الابتزاز السياسي , وترتب على ذلك توقيع اتفاقية الجزائر سيئة الصيت التي وقعها صدام وفرط فيها بالسيادة الوطنية وخرق الدستور حين تنازل عن نصف شط العرب بموجب هذه المعاهدة الموقعة في 6 اذار من عام 1975.ولم تتردد تركيا ولا سوريا في استعمال قضية المياه من خلال التجاوز على حقوق العراق الدولية في المياه كوسيلة للضغط السياسي حين تتوتر العلاقات بين الانظمة الحاكمة , والعراقيون هم دائما الضحية الاولى لهكذا ممارسات وكذلك مزارعهم وبساتينهم , ووضع العراق الاقتصادي عموما. فمن المعروف إن موضوع المياه له صلة وطيدة بالكهرباء والزراعة والطقس والثروة الحيوانية , بل إن المياه تشكل الحياة للبشر والشجر والارض ولكل شئ , وبدونها تتصحر الحياة. أما من الناحية القانونية , فالسؤال المطروح هو: هل إن دجلة والفرات هما من الانهار الوطنية أم ينطبق على كل منهما وصف النهر الدولي؟ وما الفرق بين الوصفين؟ وهل يجوز لكل دولة تمر فيها مياه دجلة والفرات أن تتصرف أو تستحوذ على المياه وتحبسها حسب مصالحها؟تشير العديد من الدراسات الى إن طول نهر الفرات يبلغ 2330 كم , موزع كالاتي: 442 كم منه في تركيا , 675 كم في سوريا , و1213 كم في العراق. وأما نهر دجلة فيبلغ طوله 1718 كم ويتوزع بين تركيا وسوريا والعراق. وهذا يعني أن النهرين المذكورين ينطبق عليهما وصف الانهار الدولية وليس الانهار الوطنية.فالنهر الدولي ل
حقوق العراق الضائعة في مياه دجلة والفرات
نشر في: 28 يوليو, 2010: 06:16 م