TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لابد من إيقاف انحرافات الديمقراطية.. قبل فوات الأوان

لابد من إيقاف انحرافات الديمقراطية.. قبل فوات الأوان

نشر في: 5 فبراير, 2023: 11:03 م

جاك جاريلو*

ترجمة : عدوية الهلالي

لا تتمتع الديمقراطية بجميع الفضائل التي تُنسب إليها عادةً ؛ فلا يزال من الضروري تعريفها بدقة ، لأن «الكلمات غادرة وقد ينتهي بها الأمر إلى تصنيف حقائق مختلفة تمامًا عن تلك التي تمت الاشارة اليها سابقًا».

وهنالك ثلاثة انحرافات للديمقراطية المعاصرة ،يتمثل الأول في الاعتقاد ، كما فعل جان بايشلر ، بأن الديمقراطية هي نظام فطري في البشر، فقد تم العثور على الديمقراطية «الأنثروبولوجية» الطبيعية ليتم تحقيقها بشكل طبيعي».

وبالتالي لن تكون الديمقراطية سوى تحول على مستوى العدد الكبير من العلاقات التي توحد الناس،وقد كان هذا التفاؤل هو تفاؤل الغربيين عندما اختفى عدد من الديكتاتوريات وكان لابد ان تفرض الديمقراطية نفسها بطبيعة الحال.

وقد احتجت الفيلسوفة شانتال ميلون على هذه السذاجة قائلة: “يبدو أن الأمة ليست طبيعة،بل ثقافة”. فمن المسلم به أن الثقافة يمكن تصديرها، هذا يعني أولاً وقبل كل شيء أنه لا يمكننا تصدير الديمقراطية مثلما نقوم بتمرير تطبيق على الكمبيوتر إلى صديق. وهذا يعني إذن أننا يجب أن نبذل جهودًا متواصلة للحفاظ على الديمقراطية في الوطن ، لأننا إذا توقفنا عن رعايتها ، فسوف تعود حتمًا إلى الاستبداد أو الهيروقراطية.

أماالانحراف الثاني فيكمن في الرغبة في توسيع فئات أو” فضائل “الديمقراطية إلى ما لا نهاية.وبما أن الديمقراطية هي الحرية والمساواة ، فيمكن استخدامها في كل مكان: دع أطفال المدارس يصوتون ، دع الجنود ينتخبون الضباط ويتم اختيار رب الاسرة ايضا ،ولابد ان يتم تطبيق الديمقراطية باعتبارها “سيادة الشعب” فقط داخل المجتمع الأوسع ، الذي يُفترض أن جميع أفراده يتمتعون بجرعة مماثلة من العقل .ولكن ،على العكس من ذلك ، ففي المجتمعات الصغيرة ، تكون القرارات بشكل عام مسألة نضج كما في الأسرة أو مهارات كما في الجيش والمدرسة والاعمال ، إلخ.

وفي “الديمقراطيات المتطرفة” المعاصرة ، تعتقد الحرية والمساواة أنه لا توجد حدود جوهرية لهما. ويمثل التيار الحديث ديمقراطية غير منظمة ، حيث يُطالب بالمساواة والحرية لجميع الأقليات مهما كانت ، ومهما كانت مزاياهم ، ومطالباتهم ، وحتى عبثيتهم ، وكل ذلك باسم الديمقراطية.

اما الانحراف الثالث فهو الأخطر بالتأكيد، ويتمثل في تقديم أي سؤال مهم إلى جمهور الناس العاديين. ولكن لماذا يمكن للناس العاديين أن يقرروا أسئلة مهمة؟ويصبح أي اقتراح “تقدمي”ديمقراطيًا..اذن،لم تعد الديمقراطية الحقيقية هي نظام السيادة الشعبية ، بل النظام الذي يقبل الأفكار التقدمية. فعندما كتب فيكتور أوربان في دستوره أن الزواج هو عقد بين رجل وامرأة ، لم يعد يُعتبر في أوروبا ديمقراطيًا لأنه خالف ميل البعض الى المثلية .كما تم اعتبار الحكومة البولندية غير ديمقراطية ، لأنها تمتلك فكرة عن الإجهاض بشكل خاص والأسرة بشكل عام. وهذا لا يتوافق على الإطلاق مع رغبة الشعب التقدمية.

فكيف توصلنا إلى نظريات غريبة تتعارض مع مبادئ التحليل العلمي التي وضعها علماء الاجتماع والفلاسفة والأطباء. حيث يُعتبر رفض التقاليد القديمة هو نظرية علماء الإثنولوجيا في القرنين التاسع عشر والعشرين والذين يفسرون تقدم البشرية بالتطور التلقائي للأعراف وقواعد العدالة في المجتمعات البشرية على مدى آلاف السنين.

ويغزو هذا الجنون الذي نشأ في جامعات أمريكا الشمالية منذ أكثر من خمسة وعشرين عامًا أوروبا حاليا ، ففي غضون بضع سنوات ، تأثر الاتحاد الأوروبي بهذه الطفرة وبخطاب عقلاني زائف تبدو تناقضاته مفاجئة وحتى مقلقة على أقل تقدير...

وتشهد الولايات المتحدة من وقت لآخر حركات اجتماعية مفرطة ،منها الحظر الذي ولد من الحركات النسائية الأمريكية في بداية القرن العشرين ، والمكارثية التي أثارتها الحرب الباردة منذ عام 1950.ثم فضلت القوة الاقتصادية والثقافية للولايات المتحدة تصدير هذه الحركات إلى أوروبا. اذ تمارس مجموعة صغيرة من السكان الأوروبيين ضغطًا قويًا على الصحفيين والكتاب والقادة السياسيين والاجتماعيين والمعلمين والباحثين والقضاة.

فما رأي الفرنسيين في الزواج المثلي وتعليم الجنس في المدرسة وحدود حرية التعبيروالمساواة بين الجنسين؟ لقد فرضت السلطة السياسية هذه الاجراءات بضغط هذه الأقلية النشطة للغاية. وربما يكون هذا سببًا في الامتناع الكبير للناخبين عن التصويت عندما يُطلب منهم التحدث ، أو التصويت لمرشحين متهمين بالتطرف من قبل الأحزاب التي تدعي أنها معتدلة ولكنها ضعيفة فقط. ؟

ويتم تعزيز هذا الانحراف عن العقلانية من خلال الشبكات الاجتماعية التي تنشر الإحصائيات المستخدمة دون أدنى دقة علمية واستدلال والتي هي في أحسن الأحوال شبهات ولكن في كثير من الأحيان أكثر مغالطة.ومن خلال إشباع الرغبات غير المعترف بها لقرائهم ومستمعيهم ، فإنهم يستغلون ضعفهم ، ويعطونهم انطباعًا بأنهم متمسكون بالحقيقة ، لكنهم يحرمونهم من الواقعية والتفكير النقدي. ونجاح هذه الادعاءات يتم تفسيره من خلال الإثارة والعاطفة التي يقدمونها للأفراد.فالأرقام لا تعطي الحقيقة حتى لو كانت دقيقة. كما أن الأحكام ليست نهائية ولا جدال فيها.

ويعتبر التطور الحالي جريمة ضد العقل يرتكبها أناس يدعون أنهم أهل العقل،على حساب شعب خانه عمى وضعف ممثليه.وطالما تفوق السفسطائيون على سقراط ، فلنحاول ايقاف سفسطائيي العصر الحالي قبل فوات الأوان.

* عالم اقتصاد فرنسي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram