TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الثورة المعلوماتية الكبيرة ومخاطرها على الديمقراطية

الثورة المعلوماتية الكبيرة ومخاطرها على الديمقراطية

نشر في: 20 نوفمبر, 2012: 08:00 م

نشأت عمليات تواصل مستمرة بين كل شيء بفضل ثورة المعلومات الهائلة , فقد نشأت بين الناس وبعضهم البعض , وبين الآلات وبعضها البعض , وأيضا بين الآلات والناس , فهنالك الآن سيارات تتحدث للإنترنيت , ومجلات تتحدث للهواتف اللاسلكية , وغيرها من الأشياء التي أفرزت أنماطا جديدة من الحياة لم تكن مألوفة لدينا من قبل , وأشكالا جديدة للعمل , وأجيالا متنوعة من الخدمات , وأيضا ممارسات وظواهر سياسية وأساليب في الحكم لم تكن موجودة ومألوفة من قبل .

لقد طغى على غالبية الناس الآن الاندهاش والإعجاب بهذه الثورة الكبيرة والهائلة على أمل التأمل في أبعاد هذه الثورة وآثارها بحثا عن وجهها الآخر , ولذلك فإننا نتساءل , أليس لهذه الثورة من ثمن يدفع ؟ أو وجه آخر غير مرئي مسكوت عنه ؟

ولكن هناك فئة معينة من المراقبين والدارسين والمحللين لهذه الثورة الكبيرة لم يندهشوا لكل ما يحدث , وقد تناولوا الأمور من مختلف جوانبها , المعلن عنها وغير المعلن , ومن أبرز ما توصل إليه كل هؤلاء كان على عدة مستويات , فعلى مستوى العلاقة بين المجتمعات الإنسانية والشرائح الاجتماعية المختلفة , فإن التزايد المعلوماتي والمعرفي لم تصاحبه مساواة اجتماعية ومعرفية سواء كان ذلك داخل الدولة الواحدة أو بين الدول , بل كان مصحوبا بفجوة معرفية سواء بين الدول النامية والمتقدمة على مستوى العالم أو بين الشرائح الأكثر تعليما وغنى وتقدما وبين الفئات الأكثر فقرا وجهلا داخل الدولة أو المجتمع الواحد , والبعض يصنف هذا الأمر على أنه نوع من العزل العنصري المعلوماتي , والذي يسيء أخلاقيا وأدبيا وكذلك حضاريا إلى مستهلكي هذه الدولة ويحولهم إلى مجتمعات مهمشة عاجزة وفاقدة للفعل , وعليها أن تظل دوما مجالا قابلا للاستغلال من قبل صانعي هذه الثورات .

أما على مستوى البشر , فيؤخذ على هذه الثورة أنها لم تؤد إلى تحقيق نوعية جيدة من الحياة لأغلب البشر , فهي تسرع من جعل الحياة بشكل يجعل المرء يلهث وراءها من دون معنى .

إن تمدد هذه الثورات وتشعبها في مسارات ومستويات شتى وتعمقها في حياة الناس كان مصحوبا بمستويات غير مسبوقة من ممارسات وأفعال هتك الخصوصية للأفراد , فالإنسان يعاني في ظل ثورة المعلومات من انكشاف معلوماتي , لأن بياناته كاملة وتتداول بصورة دائمة ومتكررة طوال الوقت , وهذا الانكشاف كأن يكون انكشافا اجتماعيا أو صحيا أو أمنيا جعله عرضة لمخاطر لم تكن في حسبانه من قبل , فكل تحركاته مرصودة , أو على الأقل قابلة للرصد , وأفعاله محسوبة , أو على الأقل قابلة للحساب والمراقبة , والأمر في هذه النقطة لم يتوقف عند هتك خصوصية الفرد فقط , بل تعدى ذلك إلى غزو ثقافة المجتمعات وتهديد ذاتيتها  وهويتها الشخصية .

إن ثورة المعلومات هذه قد تحمل في أعماقها مخاطر حقيقية على الديمقراطية , كنوع من نمط حياة يسعى العالم إلى نشره بين الشعب الواحد , وبين أسلوب التعامل بين الدول , وأصحاب هذا الرأي يرون أن الثورة المعلوماتية العنيفة هذه أنها صدمت جميع المجالات , وتعمل على تغييرها من الجذور , فهي تعمل على جمع شتات مكونات وقطاعات كثيرة مبعثرة في مركز رئيسي واحد له مراكز فرعية ترتبط جميعها بمنظومة مركزية تتيح للمركز الرئيسي التحكم بقوة في جميع تفاصيل الأفرع الأخرى , وكل هذا يحدث الآن بشكل متسارع على مستوى الشركات والهيئات والوزارات , ويتصاعد ليصيب نظم الحكم نفسها ليجعل جوهرها هو الاستبداد عبر التحكم في المعلومات التفصيلية لكل شيء .

لقد ألحقت هذه الثورة تدميرا كبيرا وغير متوقع بموارد البيئة الطبيعية , ولعل أقلها هو ما تحدثه صناعة الحاسبات من ملوثات بيئية , كما أنه على النقيض من القول بأن الإلكترونيات سوف تقلل من الورق , فإن الطلب على الورق بدأ يزداد .

إن هذه الثورة قامت بجلب مخاطر جديدة وكبيرة جدا على الأمن القومي لكافة الدول والمجتمعات المختلفة , وذلك نتيجة حدوث تقارب بين المعلومات والأمن القومي حتى أصبحا على درجة غير مسبوقة من قبل من الاندماج والتوحد , الأمر الذي جعل من المستحيل على أي مجتمع حماية أمنه القومي بمعناه الشامل , ودون القدرة على امتلاك أدوات أمن معلومات ذات قيمة عالية , ومن هنا ظهرت الحروب عبر شبكات المعلومات , والحروب الإلكترونية , وغيرها من الأخطار التي لم تكن معروفة قبل هذه الثورة .

ومع ثورة المعلومات الكبيرة هذه ظهرت الجريمة الإلكترونية وجرائم المعلومات , وتصاعدت بشكل كبير وخطير , وباتت تمثل هما كبيرا يهدد العالم أجمع , سواء في مجالات السطو على الملكية الفكرية , أو الجرائم المعلوماتية ذات الأبعاد الجنائية من سرقة وسطو ونصب واحتيال وتجسس وخداع وممارسات لا أخلاقية , وأخيراً الإرهاب المتعمد على منجزات هذه الثورة المعلوماتية الكبيرة .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جوبز ولعبة التصريحات

العمود الثامن: صيف المالكي

العمود الثامن: تزوير ترامب !!

صمت!

العمود الثامن: مستشار كوميدي!!

العمود الثامن: نشيد عالية وأخواتها!!

 علي حسين في العام 1965 قرر رئيس وزراء ماليزيا آنذاك، تونكو عبد الرحمن، أن يطرد سنغافورة من الاتحاد الماليزي، في ذلك الوقت سأل أحد الصحفيين رئيس وزراء سنغافورة ماذا سيفعل؟ كانت الجزيرة بلا...
علي حسين

باليت المدى: من يتذكر سعيد شنين؟

 ستار كاووش من سنحت له فرصة متابعة الفن التشكيلي العراقي بشكل جيد، سيعرف لماذا أتساءل عن سعيد شنين، هذا الفنان الذي كان في الثمانينيات يملأ الوسط الفني بجمال خطوطه وقوة تكويناته المبتكرة وإحساسه...
ستار كاووش

الذين يتمسحون بأذيال السيستاني

غالب حسن الشابندر وأنت متوجِهٌ إلى الكرادة الشرقية ـ داخل بمقدمك من الباب الشرقي تستوقفك لوحة كبيرة قد عُلّقت على أحد أعمدة الكهرباء المنتصبة قبال جامع الجندي المجهول... لوحة مزدانة بإطار تمّ إختياره من...
غالب حسن الشابندر

ماذا تبقى من القانون الدولي؟

إيريك بوسنر ترجمة: عدوية الهلالي وعلى مدى أسابيع،هاجمت إسرائيل سوريا مراراً وتكراراً، فدمرت منشآت عسكرية واحتلت أراضٍ، في انتهاك صارخ لميثاق الأمم المتحدة، الذي يحظر استخدام القوة العسكرية ضد الدول الأجنبية إلا في حالة...
إيريك بوسنر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram