اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > جنوب أفريقيا والتجربة العراقية

جنوب أفريقيا والتجربة العراقية

نشر في: 29 يوليو, 2010: 06:11 م

سناء حسين الداووديفـي كل المجتمعات التي تغادر نظاماً سياسياً إلى آخر، فتنتقل من نظام استبدادي دكتاتوري إلى نظام ديمقراطي، لابد من أن تمر بمرحلة انتقالية. هذه المرحلة يتم فيها انتقال المجتمع من حكم قمعي إلى حكم ديمقراطي او من حالة حرب أهلية إلى حالة سلم او من احتلال إلى مرحلة الخلاص من الاحتلال. هذه المرحلة لها متطلباتها ومستلزماتها للتخلص من ارث الماضي والانتقال للحاضر والمستقبل.
 فالمرحلة الانتقالية في حياة اي مجتمع تعني ان هناك عملية تغيير كبيرة حدثت على المستوى السياسي والثقافي والاجتماعي والتجارب الديمقراطية كثيرة في العالم تختلف باختلاف المجتمعات وثقافاتها ودرجة تطورها لتقبل هذه الديمقراطية التي لا تعني فقط الذهاب لصناديق الاقتراع وممارسة الانتخابات، فالشعوب تتطلع من خلال تطبيقها لحل قضاياها المهمة خاصة الاقتصادية والاجتماعية، حيث تسهم في التغيير الايجابي في حياة الشعوب في المجال الاقتصادي والاجتماعي. فالديمقراطية لها دور كبير في خلق بيئة صالحة يتم فيها تحفيز قدرات المجتمع للتفاعل مع القضايا المحلية والإقليمية، وعلى الشعوب اختيار النموذج الذي يصلح لها ويتفق وتراثها السياسي والثقافي ودرجة تطورها المؤسسي السياسي. ويمكن للشعوب المتطلعة للحرية كالشعب العراقي الاستفادة من التجارب الأخرى في العالم من خلال الإطلاع على نماذج منها ودراستها ومحاولة تطبيق البعض من المبادئ في الجوانب التي تتطابق مع تجربتنا الديمقراطية في العراق. فتجربة جنوب أفريقيا من دون شك استطاعت تقديم ذلك النموذج فهي تملك دستوراً ديمقراطياً متميزاً وهو ليس مجرد نصوص كتبتها أيد حكومية بل شاركت في كتابته القواعد الشعبية واستمر الجدل والنقاش حول بنوده أكثر من أربع سنوات فاستغرق إنجاز الدستور بصيغته النهائية من سنة 1989 إلى 1996، وتخللت تلك الفترة انفجارا لأعمال عنف هددت العملية الدستورية في المرحلة الأساسية بين سنة 1990 -1994 وأجريت المفاوضات حول الاتفاقات المتعلقة بالعملية الدستورية خلال دورات واجتماعات خاصة وعامة بين الخصوم السابقين وشملت تلك الحوارات على التفاوض بشأن المفاوضات الدستورية كما شهدت سنة 1993 اتفاقيات حول الإجراءات وشملت في خاتمة المطاف اتفاقاً حول دستور انتقالي يتضمن مبادئ وإجراءات ملزمة بالنسبة لعملية وضع الدستور النهائية والتي اعتمدت على مشاركة المواطنين فيها. وهذا الملف يشبه كثيرا ما حدث في التجربة العراقية في مرحلة كتابة الدستور والاهتمام الكبير في كتابته من خلال تشكيل اللجان من جميع المكونات وإعطائها الوقت الكافي لكتابة دستور عراقي جديد خضع لاستفتاء الشعب وموافقته. ولقد تعرضت التجربة العراقية كما تعرضت تجربة جنوب أفريقيا لمرحلة من العنف كان يهدف إلى إفشال التجربة الديمقراطية من خلال التشجيع على العنف الطائفي في العراق وإثارة التمييز العنصري في جنوب إفريقيا، ومع اختلاف الأجندات إلا إن الهدف كان واحداً وهو النيل من التجربة الديمقراطية من قبل أطراف لا تريد لها النجاح لأسباب تختلف باختلاف التجربة .ومن المعالجات التي لجأ إليها الطرفان في هذا الملف هو اللجوء إلى المصالحة الوطنية بين الأطراف المتنازعة وهو تشابه آخر في التجربتين. ومما يشار إليه من التشابه بينهما وهو حالة اليأس التي وصلت إليها أحزاب المعارضة في البلدين قبل القضاء على الحكم الدكتاتوري في تلك البلدان حيث تعرضت الأحزاب المعارضة في العراق إلى اشد أنواع الإقصاء والتهميش والتعرض للسجن أو الإعدام والقتل والاضطرار لمغادرة البلاد والعمل من الخارج لعقود طويلة . وكذلك شهدت الساحة في جنوب إفريقيا نضالاً مستمراً وصل إلى زج الزعيم نيلسون مانديلا إلى غياهب السجون ولم يكن يحلم انه سيخرج يوما ليحقق حلمه في تخليص البلاد من سياسة الفصل العنصري. ولكن حدث وصار مانديلا أول رئيس منتخب عقب نهاية الفصل العنصري، كما إن جنوب أفريقيا قدمت نموذجاً عندما اقر المؤتمر الوطني بخطأ سياسة الفصل العنصري وعرف إنها قد استنفدت أغراضها وانه لابد من الوصول لتسوية سياسية. وعلى ضوء ذلك قامت شراكة سياسية حقيقية بين البيض والأفارقة. ويقدم نموذج جنوب أفريقيا نماذج على أكثر من مستوى، فعلى مستوى الحكم المحلي الذي يتمتع بسلطات حقيقية، فالمعارضة استطاعت أن تفوز بمقاعد مجلس مدينة بريتوريا. وهذه الملاحظة مهمة لكي ندرك أهمية دور المعارضة في التجارب الأخرى في العالم. ومن الجدير بالذكر إن التجربة في جنوب أفريقيا عملت على تطوير أداء الأحزاب السياسية إذ لا توجد ديمقراطية دون وجود أحزاب يتاح لها إمكانية العمل بحرية وان تكون في داخلها ديمقراطية وتملك القدرة على التعبير عن رغبات الناس. وهذا ما نحتاجه في تجربتنا العراقية التي ما زالت بلا قانون أحزاب ينظم عملها ويؤطر نشاطاتها حسب الدستور والقوانين الخاصة بها. وأخيرا علينا أن نستفيد من تجربة جنوب افريقيا في إنها تجاوزت جراحاتها وانتقلت إلى مرحلة جديدة عبر إشاعة لغة التسامح ومفاهيم نسيان الماضي والبدء من جديد ونشر مبادئ وقيم المواطنة الحقيقية عبر إعلام مهني حر ومن خلال تعاون منظمات المجتمع المدني التي لابد لها من دور فاعل في نجاح أي تجربة يراد من خلالها بناء مجتمع مدني يعيش في ظل تجربة ديمقراطية ناجحة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram