TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مهزلة الدولار المبكية!

مهزلة الدولار المبكية!

نشر في: 11 فبراير, 2023: 10:12 م

محمد حميد رشيد

أزمة سعر الدولار الأمريكي مقارنة بالدينار العراقي وما جرته (وتجره) من أزمات ومشاكل لا تنتهي ومازالت تضر بالإقتصاد العراقي ، ذلك أن سعر الصرف واحد من أهم محددات المستوى النسبي لصحة إقتصاد البلاد. وهو من أكثر المقاييس التي تتم مراقبتها و تحليلها والسيطرة عليها من قبل الحكومة والتي تحرص دائماً على دعم عملتها وتقويتها، لكن العجيب أن نجد أن الحكومة واحدة من أسباب فشل العملة بل أن الحكومة فاشلة في تجاوز أي أزمة وفشل العملة دليلً على قصورها! .

الذي نراه واضحاً أن الحكومة ومنذ زمن الدكتور على عبدالأمير علاوي وضعت نفسها في مأزق محرج لم تعرف (ولا الوزارة اللاحقة) الخلاص منه رغم تحسن الوضع المالي للعراق وذلك بسبب صدور قانون من البرلمان العراقي بتحديد سعر الصرف للعجزعن تمويل رواتب الموظفين بسبب تداعيات كورونا وإنخفاض أسعار النفط ورغم إنحسار تداعيات كورونا وإرتفاع اسعار النفط ، إلا أن سعر الدينارمقابل الدولارلازال منخفضاً ويزداد إنخفاضاً ولا مخرج قانوني من الأزمة والحقيقة أن من الخطأ الفضيع تسعير الدينار العراقي لأنه أنهى أزمة مؤقتة بأزمة دائمية أكبر ؛ ومن أخطاء هذا القانون أنه حدد السعر الأدني لسعر الدولار دون أن يحدد السقف الأعلى فأنطلق مجنوناً بلا رادع ليتجاوز 1470 ديناراً للدولار الواحد ليصل في تداعيات متسارعة لى 1770دينار! ولا يوجد ما يمنعه من التوقف عن الإرتفاع طالما كانت سياسة الدولة المالية ضعيفة وتهريب العملة الأجنبية مستمر والطلب عليها يزداد وهناك قانون يمنع زيادة سعر الدينار ويسمح بتخفيضه!.فما الحل؟!

لابد أن تقوم السلطات الرسمية المعنية بالتحكّم في قيمة العملة بشكل غير مباشر ومباشر بدلاً من السوق أو المضاربين والمهربين. إضافة إلى تدخل الدولة لحماية إقتصادها وعملتها وفرض القوانين العامة على عموم البلد والسيطرة على الحركة التجارية وتكتسب العملة المحلية هيبتها من هيبة الدولة ومكانتها الإقتصادية . ومن السهولة أن نشخص أن أزمة الدولار الحالية هي أزمة مصطنعة صنعتها الحكومة ذاتها في وزارة الكاظمي حينما أصر الدكتور علي عبد الأمير علاوي في كانون ثاني (يناير) من عام 2021م على خفض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار ليصبح 1450 دينار مقابل الدولار بعد أن كان 1220 دينار! لكي يعوض النقص الحاد في الواردات المالية المتوقعة وفعلاً حصلت المالية العامة على نحو 10 ترليون دينار جراء هذا الإجراء لكن ذلك أضر كثيراً بالإقتصاد الوطني على المدى البعيد حيث لا يمكن تعديل سعر الدولار مرة أخرى إلا بقانون يصدره البرلمان بناء على توصية خاصة من البنك المركزي وتلك عملية عقيمة تفرض عند كل تغيير للسعر الرسمي إصدار قانون خاص! وتغيير سعر العملة المحلية بشكل رسمي مستمر يضر بإستقرار السوق المحلية فضلاً عن أن تحديد حد أدنى لسعر العملة لا يضمن المحافظة على الحد الأعلى للعملة وهذا ما حصل فعلاً وبدء سعر العملة المحلية بالإنخفاض أمام زيادة سعر الدولار !

كما أن سعر العملة ومكانتها مرتبطة بعوامل عدة بمجملها تعكس المكانة الإقتصادية للبلد وأزدهاره وعلى الدولة أن تعمل على حماية عملتها المحلية وتقويتها دائماً ومن السذاجة اللجوء إلى مثل هذا الحل لتغطية العجز في الميزانية التشغيلية للدولة وهناك حلول أخرى غير هذا الحل منها (الإقراض الداخلي ؛ تخفيض الرواتب العالية مؤقتاً أو حجب مرتبات الدرجات الخاصة ؛ توزيع جزء من الرواتب بالعملة الصعبة؛ إستحصال الضرائب والرسوم ؛ تنشيط موارد الدولة ؛ إستعادة الديون المؤجلة أ, المعطلة؛...ألخ). نعم هناك العديد من الموارد يمكن للدولة يمكن أن تحصل عليها بدلاً من طعن العملة المحلية وجر الأزمات على العراقيين وعلى الإقتصاد العراقي نتيجة لهذا القرار الغير مدروس والمتسرع!

الحل ببناء دولة قوية جداً تتمكن من ضبط الحركة الإقتصادية للبلد وفرض القانون بحزم وزيادة وتنويع الإيرادات وزيادة الإستثمارات ومن بعدها يتم (تعويم العملة الأجنبية) تعويماً مسيطر عليه (تعويم مدار) حيث تقوم السلطات الرسمية المعنية بالتحكّم في قيمة العملة بدلاً من السوق ؛عكس التعويم الحر و(التعويم المدار) لا يفرض سعراً محدداً من قبل الدولة بل يساهم في ضبط الحركة الإقتصادية الملتزمة بمصلحة البلد ومصلحة عملته .

وسواء عوم الدولار أن لم يعوم وسواء عوم الدولار تعويماً مداراً أو حراً فهو في كل الأحوال ليس حلاً لوحده (رغم أهمية تحرير الدينار العراقي من طغيان الدولار) ولا يعني أبداً بقاء الأمور سائبة والدولة ضعيفة ولا سيطرة حازمة وقوية على موارد الدولة والتهريب قائم على أشده في كل المجالات ومنها تهريب العملة الأجنبية وإستشراء (الفساد المالي والإداري ) ومن دون سيطرة الدولة وفرض القانون وهيبتها تبقى الدولة بمجملها ضعيفة وإقتصادها مهزوز ودينارها أضعف!.

أما التحذيرات والمخاوف بأن سعر الدينار العراقي أمام (العمل الأجنبية) وإنه قابل للإنخفاض وليس للزيادة فهذا متأتي من السياسة الإقتصادية والإدارة التجارية الضعيفة والمهزوزة والمخترقة ومن التعويم الفعلي المتحقق فعلاً (من جانب واحد) لكن (التعويم المدار) حين يتدخل البنك المركزي وبقية نشاطات الدولة الإقتصادية في التحكم الغير مباشر في سوق الصرف بفعل القوة الاقتصادية للبلد وعدم ترك الدينارعائماً كما يحدث الآن تتلقفه أمواج المضاربين والفاسدين والسراق بعيداً عن يد الدولة وإجراتها الحازمة والقوية التي تدعم من قوة العملة المحلية .

أما القول بأن البنك الدولي لا يسمح بالتعويم (المدار) فتلك خدعة أخرى لفرض التجهيل والفسادوعلى العكس فأن البنك الدولي لا يرحب بفرض سعر للعملة بل هو مع الإطلاق والتعويم ولا يرحب بالدعم النقدي المباشر للعملة المحلية ولسنا بصدد ذلك بل مع ضبط الحركة الإقتصادية والتجارية للبلد وعدم السماح بإنفلاتها .

نعم إن أزمة سعر الدولار المتضخم إزمة مصطنعة للإضرار بالعراق وإضعاف إقتصاده وإذلال شعبه وحلها متاح وليس عسيراً فقط يحتاج إلى الإرادة الوطنية لعلاجها ولابد من إنهاء هذه المهزلة بأسرع وقت ممكن لكي يستعيد الدينار العراقي جزء من عافيته وقبل كل هذا وبعد كل هذا لابد من ضبط اموال الدولة السائبة ومنع التلاعب بها او سرقتها او تهريبها ولابد من تنميتها وتطوير مواردها المحلية ونلغي أي تسعيرة للدينار ولا للدولار وإبقاء عين الدولة وعقلها مفتوح لمراقبة أي دينار يخرج منها وأين يذهب!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد حميد رشيد

    كم أعتقد الفاسدون الجهلة أنهم خدعوا الأمة بجهلهم أو بغبائهم وسوقوا جهلهم على أنهم حقائق وما هي إلا أكاذيب وخدع آن للناس أن يكشفوها

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram