طالب عبد العزيز
شخصياً، مع القانون الذي تبناه القضاءُ العراقي في محاسبة كل من (يسيئ للذوق العام) و(يشيعُ ممارسات غير اخلاقية) فهذه من موجبات حماية المجتمع، والاخذ بيده الى الحياة السوية الكريمة.. شريطة تحديد مفهوم الاساءة للذوق العام، والممارسات غير الاخلاقية، أمّا الامتناع عن شرح المحتوى، وتعمية المصطلحين، وإطلاق يد السلطات الامنية في التنفيذ، فهذا مما يتعارض مع لوائح الدستور واحكام قانون الحريات الشخصية.
كيف يتم تحديد الاساءة للذوق العام، وهو مفهوم واسع وعريض؟ بحسب أحدهم ! ولماذا تكون الاساءة متعلقة بالجنس على وجه التحديد، ألا يعتقد المشرِّع العراقي بوجود كلمات في الكتب المقدسة والتراث والتاريخ والسير تسيء للذوق العام وتشيع ممارسات غير اخلاقية؟ هل نتحدث عن كتب السيوطي والتيفاشي والنفزاوي الخاصة بالجنس؟ ولماذا لا يقوم القضاء بتجريم هؤلاء ايضاً؟ ولماذا تكون الصفحات الشخصية على صفحات التواصل الاجتماعي بيّنةً ودليلاً على(الجرم)؟ طالما هي صفحة شخصية، وغير ملزِمة بتصفح ومعاينة الآخرين لها، فهي أوراقه الخاصة. ترى، ماذا عن صفحات آلاف المدونين، المتاحة في المواقع لكل البشرية، ذات المحتوى الفاضح و(غيرالاخلاقي)؟ وكيف إذا تسرب مضمون إحدى المواقع تلك الى صفحة مستخدم قليل خبرة؟ ماذنبه؟ ومن يحدد ذلك؟ هل تكفي كلمة أو صورة أو مقطع صوتي لإدانته؟
ماذا عن نشر صورة لشخص قام بشج رأسه بالسيف، وقد انتثر دمه على ثيابه البيض، في مشهد مروّع ومخيف، مخالف للذوق العام ؟ اتنطبق عليه فقرة القانون هذا، ألا يعتبر هذا محتوى سيئاً وغير اخلاقي؟ وماذا عن الصبايا القاصرات في ملاهي بغداد، المحميات من قبل شخصيات نافذة وقوية، ماذا عن القنوات التلفزيونية، التي تبثُّ عشرات البرامج، التي تتحدث عن سوء إدارة البلاد، ويفاخر البعضُ فيها بانه تعاطى الرشا وأخذَ الإتاوات؟ ماذا عن الأصوات النشاز لبعض مؤذني المساجد وخطباء الحسينيات والشحاذين على الارصفة وماذا عن مكبرات أصوات عربات الباعة المتجولين المزعجة، الذين يجوبون الضواحي والقرى ويقفون قرب المدارس ورياض الأطفال طوال النهار والليل؟ وماذا عن الذين يسلبوننا حقنا في الدوائر والمؤسسات؟ ماذا عن ممارسات بعض منتسبي الاجهزة الامنية، الذين يتفرجون على نزاعات العشائر وهي تتقاتل بالاسلحة كلها ؟.. ألم يعثر المشرع العراقي في هذا كله على محتوى مسيئ وغير اخلاقي؟ أيقدر القضاءُ العراقي على محاسبة هؤلاء؟
ألا يحقُّ لنا القول بأنَّ الدولة العراقية بصمتها عن هؤلاء تكون مَنْ مهّد لنشركل محتوى سيئ ومخالف للاعراف والقوانين؟ ربما نسمح لها بقولها: لا. لكنْ، أيهما أبلغ وأكثر ضرراً بالمجتمع، القبول برقص الفتيات القاصرات(بلحمهن ودمهن) في ملاهي بغداد وأربيل أم نشر إحدى المدونات الساذجات (صورة) مثيرة تستعرض بعضاً من جسدها؟ متى أصبح القولُ أشدَّ فتكاً بالانسان من الفعل؟ أيحَاسَبُ الانسان على ما قاله أم على ما فعله؟ ثم ألا تعدُّ خيانة السياسيُّ للوطن محتوىً مسيئاً وغير اخلاقي؟ وماذا تسمي القوانينُ سوء استخدام السلطة عند الموظف؟ وماذا عن سقوط بيت السياب بعد خمسٍ على تعميره؟ ماذا عن تجريف مئات الآلاف من الدونمات الزراعية، وردم آلاف الانهار، واقتطاع الاجزاء من الحدود، واستيراد المكائن والاجهزة الرديئة، وسوء التعليم والصحة والفساد وووو سيقول قاض بأنَّ عقوبات ذلك كله منصوص عليها. نعمْ، صحيح. كلنا يعلم بذلك. لكنْ لماذا لا تفعل؟ فيما سارعتم في تفعيل عقوبات على هؤلاء، السذج، الذين لا يقدر الضرر الذي يلحقونه بالمجتمع بالضرر الذي أصابنا جراء صمتكم عن ذلك كله.