TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > ماهو مصدر الشر.. الطبيعة أم الإرادة الحرة للإنسان؟

ماهو مصدر الشر.. الطبيعة أم الإرادة الحرة للإنسان؟

نشر في: 12 فبراير, 2023: 10:11 م

سيباستيان لابروس

ترجمة:عدوية الهلالي

لم يكن الفلاسفة يفكرون في الشر منذ فترة طويلة، حتى عندما سعوا لفهمه، لأن فهمه يعني أيضًا تبريره. فإما أن يُفهم الشر، أو يُحتفظ بغموضه، وبالتالي لا يمكن فك شفرته. وغالبًا ما يظهر الشر على أنه غير مفهوم للفلسفة، لأسباب تتعلق بطبيعة الشر وكذلك بطبيعة الفلسفة.لأن الفلسفة تسعى إلى كشف النقاب عن جوهر الواقع،وهناك أنواع مختلفة من الشر: الشر الميتافيزيقي المرتبط بالنقص والفناء ومحدودية الإنسان، والشر الجسدي الناجم عن الطبيعة ؛ والشر الأخلاقي الذي يشير إلى الذنب والخطيئة وهو الشر المرتكب.

وتواجهنا تجارب الشر بمشاكل غير قابلة للحل. فلماذا يجب أن يعاني الأبرياء من إطلاق العنان للعناصر الطبيعية بقدر ما يعانون من العنف البشري؟ إن موت الأطفال من الجوع بسبب الجفاف أو الحرب يثيرنا، بينما يكون البشر قادرين على ممارسة أعمال التعذيب الوحشية التي تتجاوز خيال ساد احيانا.ويكتسب الشر - الجسدي وكذلك المعنوي - معنى عندما يبدو أنه عقاب للجاني فاللاهوت يرى ان ضحايا شر الإنسان كما هو الحال في نزوات الطبيعة قد ارتكبوا خطايا جسيمة وعوقبوا بعدل.

وتشكل النظريات الدينية جزءًا من هذا المنظور، فليس للشر وجود مطلق.وبعد فقدان براءة البشر، استحوذت الخطيئة الأصلية على الروح، ولكن حتى قبل ذلك كان هناك عيب غير طبيعي لجميع المخلوقات، مما يجعلها غير قابلة للشفاء،وتُفهم الخطيئة فقط على أنها دلالة على ضعف الإنسان. لكن الحقيقة هي أن أي حدث، مهما كان مروعًا، يتوافق مع فكرة أن هذا العالم هو الأفضل بين جميع العوالم الممكنة.

كان الزلزال الذي اجتاح لشبونة في عام 1755 زلزالًا فكريًا ايضا، اذ دعت هذه الكارثة الطبيعية إلى التساؤل عن العلاقة الدينية بين الشر الجسدي والسلوك الأخلاقي للانسان، فقد مات الآلاف من الأبرياء.ولا يمكن القول بشكل معقول أن هذا الزلزال هو العقاب العادل للخطاة العتاة. ويرسم فولتير صورة قاتمة عندما يقول ان الشر في كل مكان. بينما كان روسو يدافع عن التفاؤل ضد فولتير..وبسبب حل روسو لمشكلة الشر أطلق عليه كانط لقب “نيوتن العالم الأخلاقي” لأنه يدافع عن التفاؤل ضد فولتير، ويرى ان الشر واقع أصله سياسي وان المصدر الأول للشر هو عدم المساواة. ولم يكن نهج روسو بعيدًا عن نهج ماركس فكلاهما لم يتوقفا أبدًا عن التفكير في الشر وحددا علاقته بالمعاناة التي يقع ضحاياها من الأفراد الأحياء.

إذن ماذا عن ما يسمى بالكوارث “الطبيعية”؟ فهل تشارك الطبيعة في الشر، بما في ذلك الشر الجسدي، مثل ذلك الذي تسبب فيه زلزال لشبونة، والذي تضخَّم بفعل تطور الحضارة الحضرية. إن الشرور التي يبدو أنها تأتي من الطبيعة هي في الأساس من تأثير الثقافة والتواصل الاجتماعي غير الطبيعي بالنسبة لنا. فمعظم أمراضنا الجسدية، كما كتب روسو لفولتير، لا تزال من فعلنا، فعلى سبيل المثال، لم تجمع الطبيعة عشرين ألف منزل من ستة أو سبعة طوابق في مكان واحد، ولو تم تشتيت سكان هذه المدينة العظيمة بشكل متساوٍ،لكان الضرر أقل بكثير، وربمامعدوم. ويُنسب الشر، الجسدي أو المعنوي، بالكامل تقريبًا إلى البشر،لذلك، فإن حل مشكلة الشر هو جديد تمامًا من حيث أنه يقوم على تحديد المسؤولية التي لم يتم البحث عنها من قبل، ففي العملية التاريخية، كما تشير سوزان نيمان، “تغيرت الطبيعة البشرية”. متسائلة عن الحلول التي يمكن أن توجد إذا كان التقدم يجلب المزيد من الشرور فقط؟

ولم يؤيد كانط تفسير روسو للشر فحسب، بل امتدحه ايضا. ومع ذلك، فهو لا يشاطره رؤيته، ذلك إن أنثروبولوجيا كانط أكثر تشاؤماً وفلسفته للتاريخ أكثر تفاؤلاً. فالإنسان كائن متناقض، اجتماعي وغير قابل للانتماء، وذلك لأنه يميل إلى عزل نفسه والرغبة في تسوية كل شيء كما يشاء..أنه يفعل الشر ويعتقد ان التصرف السيء يجعل منه استثناء؟ وعلى العكس من ذلك، يتألف الفعل الأخلاقي من جعل مبدأ عمل الفرد قانونًا عالميًا للطبيعة،اذ يقول كانط: “تصرف كما لو كان مبدأ عملك سيُبنى بإرادتك في قانون عالمي للطبيعة”. وتعلق نيمان: “بهذه المقولة، يقدم لنا كانط إمكانية التصرف كما لو كنا آلهة،وعندما نجد أنفسنا في مواجهة مشكلة أخلاقية، يجب أن نتخيل أننا نعيد الخلق.أما في الواقع، فالله وحده من يقرر ماهية قوانين الطبيعة ولايمكن للإنسان أن يضع نفسه في مكانه.

لقد اتضح أن القوانين الأخلاقية ليست قوانين عالمية للطبيعة. ومع ذلك،هل يمكن للإنسان، الموهوب بالعقل والحرية، أن يختار فعل الشر عمداً، ويقرر أن يجعل نفي القانون الأخلاقي والعقل قاعدة لسلوكه؟..الشر ليس نتيجة لطبيعة شريرة في الأساس. وإذا كان الأمر كذلك، فلن يكون شرًا - فالذئب الذي يأكل الحمل يعمل وفقًا لطبيعته ولا يمكن إلقاء اللوم عليه. فكيف نحكم على شخص لا يتصرف بحرية؟ لا يمكن تفسير الشر إلا بالإرادة الحرة، فهو يبدأ بالحرية. ولاوجود لجريمة ما لم تكن هناك نية للإيذاء. فالشرلا يمكن أن يفعله إلا إنسان وليس كائن شرير. لذلك يبقى لغزًا: فكيف نفسر أن الإنسان، ومن دون أن يكون وحشياً، مع ذلك مذنب بارتكاب أعمال وحشية؟ فما العمل ضد الشر؟ يجب أن يكون الرد على الشر عمليًا جزئيًا: فلنتحرك سياسيًا ضد الشر، ليس فقط لتقليل حجم المعاناة، ولكن أيضًا للتطلع إلى المستقبل.

· استاذ فلسفة في فرساي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram