وجِّــه إلى مَن تشاء من أنصار الكرة الألمانية السؤال الآتي: مَن  أفضل حارس مرمى عرفته ألمانيا في تاريخها؟ وعلى الأرجح ستنال أحد جوابين: سيب ماير وأوليفر كان، في حين أن الثاني تقاعد في الماضي القريب وتحديداً عام 2008، فإن الأسطورة الأصلية لحراسة المرمى كانت نتاج جيل سبق ذلك بكثير.

  صار اسم جوزف ديتر ماير – المعروف بـ سيب – مألوفاً في مختلف أنحاء العالم في سبعينيات القرن الماضي عندما تلمَس خطواته الأولى في صفوف نادي تي أس في هار الذي يقع بالقرب من مدينة ميونيخ، والغريب أن سيب ماير بدأ مزاولة كرة القدم كمهاجم، ولعل المعادلة كانت وقتها "أنت الأكسل والأثقل وزناً... إذهب إلى المرمى واحرسه." هذا الكلام الذي قاله ماير بلسانه أطلق في الواقع مسيرة أسطورية.

كان ماير ينوي بالفعل أن يصبح مهاجماً في صفوف تي أس في هار عندما بدأ يركل الكرة في سن الثمانية أعوام، إلا أن رفاقه في الفريق ومدربه كان لهم رأي آخر، فانتهى به الأمر بين الخشبات الثلاث، ومع مرور الوقت أعجب الفتى الصغير بفكرة أن يحفظ شباكه نظيفة، وكانت موهبته كافية لأن يجد لنفسه مكاناُ في صفوف فريق الناشئين في نادي بايرن ميونيخ عام 1959 عندما كان في الخامسة عشرة.

يقول ماير متذكراً أيام الطفولة: لم أكن آوي إلى فراشي حاضناً لعبتي بين يدي، بل كنت أحمل معي كرة، كانت علاقة مذهلة بيننا، فقد كنت أحب تلك الكرة! يمكنني أن أتذكر كل شيء، فقد حصل ذلك بُعَيد عيد الميلاد، وكنت في السابعة من عمري حين تلقيت كرة هدية، كنتَ ملكاً على العالم في ذلك الوقت إذا كنت تملك كرة قدم، فصاحب الكرة كان يحق له اختيار الفريق على هذا النحو "أنت حقير، كنت شريراً حيالي! أنت سمين للغاية، إذهب إلى المرمى!" ولكن إذا كنت تملك كرة فأنت السيّـد.

كان انتقاله إلى بايرن ميونيخ بداية لمسيرة كروية رائعة، خصوصاً بعدما وقَـَّع عقداً احترافياً بعد ثلاث سنوات من انتقاله وصار مركزه ثابتاً في الذود عن الشباك، وعندما صعد بايرن إلى الدوري الألماني كان ماير واحداً من اللاعبين الأساسيين وراء نجاح الفريق، ومع فرانز بكنباور، أعظم لاعب ربما في تاريخ ألمانيا، والهداف الأسطوري جيرد مولر، شكل ماير المحور لفريق السبعينيات الذي حقق الكثير من الألقاب للنادي، وقد اختار المشجعون اللاعبين الثلاثة من ضمن فريق بايرن للقرن العشرين.

في خزانة ماير أربعة دروع للدوري الألماني الممتاز، فضلاً عن أربع كؤوس محلية وخمس كؤوس دولية، وكانت ذروة نجاحه في منتصف السبعينيات، حيث فاز مع بايرن بكأس أوروبا (دوري أبطال أوروبا حالياً) أعوام 1974 و1975 و1976، وأضاف إليها الكأس القارية عام 1976.

حقق ماير الذي بلغ لتوّه السابعة والستين الكثير من النجاح في ذلك الوقت أيضاً مرتدياً قميص المنتخب الألماني. فقد فاز بكأس العالم  وكأس الأمم الأوروبية  ، علما أنه حل ثانياً في المسابقة الأولى عام 1966 وفي المسابقة الثانية عام 1976، كما حل ثالثاً في كأس العالم 1970 ، وهنا يقول بكنباور كابتن المنتخب بطل العالم سنة 1974: من دون سيب لما كنـّا لنفوز بكأس العالم.

مثـَّل سيب ماير بلاده 95 مرة، الأمر الذي جعله الأول في هذا المجال بين حرّاس ألمانيا وكان له شرف حمل شارة كابتن المنتخب في مبارياته الدولية الست الأخيرة في موسم 1978-1979.

وليس مفاجئاً أن ينال سيب ماير الكثير من الألقاب والتكريمات خلال مسيرته الرياضية، فقد اُختير ثلاث مرات أفضل لاعب كرة قدم في ألمانيا، كما اُختير حارس القرن في بلاده،  وفي الترتيب العالمي لحراس القرن العشرين، حلّ رابعاً بعد الروسي ليف ياشين، والإنكليزي جوردون بانكس، والإيطالي دينو زوف.

بينما كان سيب ماير قدوة لكثيرين، كان هناك عدد من الأشخاص الذين كان يعــدُّهم مثالاً أعلى، ومن هؤلاء منطقياً الحارس الروسي العملاق ليف ياشين، لكن من هؤلاء أيضاً – وهنا المفاجأة – الكوميدي الألماني كارل فالنتين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن سيب ماير كان مرحاً وطريفاً بقدر ما كان موهوباً في الكرة ولطالما كان يقول إن على حارس المرمى أن "يبث شعوراً بالهدوء"، ويضيف مع غمزة مداعبة: عليه أن يتأكد من أنه لن يغـط َّ في النوم! ومن أقواله المعروفة: لا حاجة إلى القيام بقفزة جريئة إذا كنت في الأساس تقف في المكان الصحيح.

ولن ينسى أي مشجِّع كرة قدم ألماني ما حصل في مباراة  بالدوري الألماني الممتاز بين بايرن ميونيخ وبوخوم عندما لحق ماير ببطة دخلت أرض الملعب، حيث نجح في تخفيف حدة اللقاء بينما كان فريقه قد حصل على ركلة جزاء في الطرف الآخر من الملعب!

في  تموز 1979 توقفت بصورة فجائية مسيرة "قط آنتسينغ"، كما كان معروفاً لبراعته وتفوقه الرياضي. فقد أصيب ماير بتمزّق في الحجاب الحاجز إثر حادث سير خطير، إضافة إلى ارتجاج في المخ وكسر في الذراع وكسور في الضلوع. وقد غيّر هذا الحادث مسار الحارس الذي قال يوماً: "لطالما كنت أقول إني سأواصل اللعب ما دام فرانز بكنباور وجيرد مولر قادرين على دفعي إلى أرض الملعب على كرسي متحرك."

أجبره الحادث على التقاعد، ولكن بدلاً من أن يحذو حذو الكوميدي كارل فالنتين، كرّس ماير الكثير من وقته لمركز كرة المضرب الذي يملكه قبل أن يصبح مدرّب حرّاس المرمى لمصلحة الإتحاد الألماني (1987-2004) وبايرن ميونيخ (1994-2008).

وعندما عاد كمدرّب في صفوف المنتخب الألماني أسندت إليه مهمة صقل الموهبة الجديدة في حراسة المرمى التي أُحضرت من فريق كارلسروه. والحق أن ماير أبلى بلاء حسناً مع الناشئ المدعو أوليفر كان الذي أمضى 14 سنة من النجاح في المركز الذي شغله ماير قبله.

لطالما أحب ماير الضحك والمزاح حتى بعد انتهاء رحلته في الملاعب. وقد ظهر في نحو 50 برنامج منوّعات موسيقي ألماني، وغنّى في ثنائيات مع فينكه مايره مؤدّيين "بين الخشبات" و"كرة القدم حياتنا". كما نجح مرة في جعل مساعدته وبطة تختفيان على خشبة المسرح عندما قدّم عرضاُ تحت اسم الساحر "سيب كوبرفيلد"...

ألف ماير عدداً من الكتب حول كرة القدم، منها "فنان الأمة" (1978)، و"من قال إن حرّاس المرمى مجانين؟" (1980)، و"تدريب الحارس المتفوّق" (1990)، و"بقدر ما تستمتع تتطوّر – سبل تدريب حرّاس المرمى" (2000)، و"الرقص مع الكرات" (2000).

كما أنه نجح في قطع كل صلاته بالرياضة التي أحبها كثيراً. وهو يقول في ذلك: "بات كل شيء ورائي الآن. لكني لا أزال ألعب الجولف وكرة المضرب." أما الشيء الوحيد الذي لا يزال يتابعه عن كثب في كرة القدم فهو بايرن ميونيخ، حيث يقول بحنين: "أتابعه فعلاً عن كثب، فهذا فريقي."

مسيرة اللاعب

تاريخ الولادة: 28  شباط 1944

المدينة: ميتين (ألمانيا)

المركز: حارس مرمى

النادي: بايرن ميونيخ (1962-1979)

المنتخب: 95 مباراة دولية

الإنجازات:

بطل كأس العالم 1974  

بطل كأس الأمم الأوروبية 1972

وصيف كأس العالم 1966  

وصيف كأس الأمم الأوروبية 1976

بطل الدوري الألماني (1969، 1972، 1973، 1974)

بطل كأس ألمانيا (1966، 1967، 1969، 1971)

بطل كأس الأندية الأوروبية (1974، 1975، 1976)

بطل كأس الكؤوس الأوروبية (1976)

صليب الإستحقاق الإتحادي (1978)

حارس القرن في ألمانيا