رحل عن عالمنا امس الاول الاثنين الكاتب والاكاديمي لطفي حاتم عميد كلية القانون والسياسة في الاكاديمية العربية في الدنمارك بعد معاناة مع المرض.الراحل احد الكتاب البارزين في صفحة اراء وافكار في صحيفة المدى.. تتقدم اسرة تحرير المدى بخالص العزاء لعائلته ومحبيه وستبقى ذكراه باقية في ذاكرة محبيه.. صفحة اراء وافكار تعيد آخر مقال نشره الراحل في الصحيفة قبل اسابيع من رحيله.

الرأسمالية المعولمة وتعارضات بنيتها الدولية

لطفي حاتم

اثار التدخل العسكري الروسي في اوكرانيا الكثير من الرؤى المتعارضة في الأوساط الدولية وانقسمت أحزاب اليسار الاشتراكي بشأنه الى تيارين فكريين أحدهما تيار شاجب للتدخلات العسكرية مستندا على القانون الدولي الرافض للتدخلات الخارجية في الشؤن الوطنية.

وثانيهما تيار مدافع عن التدخل العسكري الروسي انطلاقا من رؤية قراءة سياسية تتعلق بطبيعة السياسة الدولية المنبثقة من وحدانية التطور الرأسمالي وسيادته في العلاقات الدولية.

لغرض الاصطفاف مع هذا الموقف او ذاك نعمد الى تأشير سمات التشكيلة الرسمالية العالمية وتعارض بنيتها الدولية.

1

سمات العلاقات الدولية

أولا - أدى انهيار النموذج الاشتراكي للتطور الى سيادة العلاقات الرأسمالية في المنظومة السياسية العالمية.

ثانيا – ضعف حركة التحرر العالمية لفقدانها حليف دولي ساند لكفاحها المناهض للتدخلات الخارجية في الشؤن الوطنية.

ثالثا – تراجع كفاح الأحزاب الاشتراكية لضبابية عدتها البرنامجية وانحسار قاعدتها الاجتماعية.

رابعاــ تزايد فعالية اليمين المتطرف المطالب بانكفاء الدولة على شؤنها الوطنية ومعاداة الأجانب.

خامسا – تنامي النزعة الكسموبولوتية واعتمادها حاضنة فكرية للرأسمالية المعولمة.

أفضت السمات المشار اليها الى نتائج كارثية على الكفاح الديمقراطي تجسدت بـ:

أ- تفكك دول المنظومة الاشتراكية وانهيار تحالفاتها السياسية - العسكرية.

ب - تعزز التحالف الأطلسي وتعدد تدخلاته السياسية - العسكرية في شؤن الدول الوطنية.

ج ـ تنامي فعالية اليمين المتطرف في سياسة الدول الرأسمالية الكبرى بعد استلامه سلطة البلاد السياسية.

هـ- هيمنة الطبقات الفرعية على السلطة السياسية في الدول الوطنية وتحالفاتها مع الاحتكارات الدولية.

إستنادا الى السمات المشار اليها يمكننا القول ان مضامين السياسة الدولية تحركها عجلتان أحدهما تتمثل بتشابك قوى اليمين المتطرف مع النزعة الكسموبوليتية في المراكز الرأسمالية المعولمة، وثانيهما تتجسد بسياسة الدول الوطنية وقواها السياسية الرافضة لقوانين التبعية والتهميش.

ـ مضامين السياسة الدولية تترافق وسمات أخرى اهمها تراجع دول الرأسمالية المعولمة عن الشرعية الديمقراطية للحكم واستبدالها بشرعية انتخابية. ومنها كفاح القوى الوطنية لاعتمادها -الشرعية الديمقراطية - لغرض صيانة الدولة الوطنية من التبعية والتخريب.

2

العلاقات الدولية وتعارضات بنيتها الرأسمالية

تتميز العلاقات الدولية بسيادة علاقات الانتاج الرأسمالية عالميا والسؤال يتحدد بماهية واشكال تعارضات السياسة الدولية؟

بهذا المسار أجد الجواب يتحدد بتعارض مستويات تطور دول التشكيلة الرأسمالية العالمية المتمثل بـ:

المستوى الاول: بلدان الرأسمالية المعولم ونزعتها الكسوبولوتية القاطرة للتوسع الرأسمالي.

المستوى الثاني: دول الرأسمالية المتطورة المتحالفة مع دول الرأسمالية المعولمة.

المستوى الثالث: الدول الوطنية ودول متوسطة التطور الرأسمالي.

انطلاقا من مستويات تطور التشكيلة الرأسمالية العالمية يتحدد التعارض الرئيسي في السياسة الدولية بين دول الطابق الأول وسياستها المتسمة بالتبعية والتهميش وبين الدول الوطنية ودول ضعيفة التطور الرأسمالي العاملة على صيانة سيادتها الوطنية.

وتحديد التعارضات الدولية يشترط وحدة القوى الدولية الحاملة لنهج التغيير في العلاقات الدولية وارسائها على قاعدة المساواة والتعاون الدولي وما يعنيه ذلك من رفض التدخلات الخارجية في الشؤن الوطنية.

ان تطوير التعارضات الدولية وصولا الى بنائها على أساس التعاون الدولي المتبادل يتطلب تغيير بنية الدولة الوطنية وتحويلها الى دولة وطنية ديمقراطية.

3

بناء الشرعية الديمقراطية لسلطة البلاد السياسية

ان تفعيل مستلزمات التصدي لقوانين التبعية والتخريب تتطلب بناء دول وطنية ديمقراطية قادرة على انجاز المهام التالية:

1. ترصين وحدة البلاد الوطنية على أساس مناهضة التبعية والالحاق.

2. بناء تحالفات وطنية تسعى الى ترسيخ الديمقراطية السياسية واحترام الرؤية السياسية لكل فصيل وطني.

3.تشكل الطبقات والشرائح الطبقية المناهضة للتبعية والتهميش القاعدة الوطنية للتحالف الديمقراطي.

4. يسعى التحالف الوطني - الديمقراطي الى إعادة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية على:

أ – وحدة القوميات المتأخية المنبثقة من شكل الدولة الفدرالي.

ب- بناء شبكة الضمانات الاجتماعية للطبقات الفقيرة والعاملة في الإنتاج الوطني.

5. تستمد سلطة الدولة شرعيتها الوطنية من انتخابية ديمقراطية عامة.

6. تعمل الدولة على مكافحة التدخلات الخارجية في الشؤن الوطنية والتأكيد على صيانة السيادة الوطنية.

إعتمادا على بنية المقال ومضامينه الفكرية يمكننا صياغة الاستنتاجات التالية:

أولا – يتبدى التعارض الرئيسي في الطور الجديد من التوسع الرأسمالي بين دول الرأسمالية المعولة وبين الدول الوطنية وما يشترطه ذلك من بناء سياسات وطنية - دولية.

ثانياــ يشكل بناء شكل الدولة الفدرالي الديمقراطي المهمة الأساسية للتحالف الوطني الرافض لسياسة التبعية والتهميش.

ثالثا– قيادة قوى اليسار الديمقراطي للتحالفات السياسية كفيل بتطوير تشكيلة البلاد الاجتماعية فضلا عن استقرارها السياسي.