TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أضواء على التأثيرات والتداعيات الجيوبولتيكية لإزمة الدولار

أضواء على التأثيرات والتداعيات الجيوبولتيكية لإزمة الدولار

نشر في: 19 فبراير, 2023: 10:39 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

في البدء لابد من تسليط الضوء على الابعاد الجيوبولوتيكية – الاقتصادية – المالية لأزمة الدولار التي لاتزال تشغل بال وعقل راصدي الشأن العراقي بل وصناع القرار نظرا لتأثيراتها، إنعكاساتها وتداعياتها على مستقبل العراق. إن التحدث عن مسار الاقتصاد السياسي يتطلب أن نقر اولا بأن قيمة الدينار العراقي إلى جانب رموز وقيم الدولة من علم،

دستور وتقاليد قيمية - سياسية – أجتماعية وحضارية تعد مسألة سيادية حيوية ووطنية في آن واحد. قيم الدينار العراقي في مقتبل العهد الملكي بجنيه أسترليني ذهب و في مرحلة لاحقة في عام 1984 قيم بأكثر من ثلاثة دولارات عاكسا مدى الاهمية النسبية للاقتصاد العراقي برغم مرور مايقارب 4 سنوات من بدء حرب الخليج الاولى (1980-1988). حرب تبعتها حروب مدمرة أخرى اضعفت قيمة الدينار العراقي لدرجة كبيرة جدا كنتيجة طبيعية لإنحدار الاوضاع الجيوبولتيكية والاقتصادية.

الازمة المالية والاقتصادية الراهنة يمكن وصفها وتحليل مختلف ابعادها من خلال تبين مسارها الذي تركز حول استمرار إنحدار سعر الصرف للدينار العراقي في مقابل تصاعد تدريجي لقيمة الدولار حتى وصل المدى لمشارف تقترب من 1700 دينار. إن ارتفاع أو حتى الانخفاض النسبي لقيمة الدولار لازالت تؤكد أن دوره لازال حيويا بإعتباره أبرز عملة صعبة إستثمارية وإحتياطية تكتسح دول العالم خاصة تلك التي لها علاقات شراكة أو تحالف أو صداقة مع الولايات المتحدة أو تتمتع بعلاقات صميمية مع عالم رجال الاعمال أوفي مجالات الاستثمار والتجارة الدولية. بنفس الوقت عرف الدولار على أنه قيمة عليا تجتهد الادارة الامريكية للحفاظ عليها من خلال تأسيس المنصة الالكترونية التي فرضتها الخزانة الامريكية على بيع العملة في العراق وصفها الدكتور مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لمعالي رئيس الوزراء على أنها بمثابة "ضابط أمني لبيع العملة" منعا لإخراج عملة الدولار بشكل مستوردات لمواد لاينتفع منها الشعب العراقي خاصة وأنه حسب بعض التقارير الامريكية تصل نسبة التزييف بحولات العملة من العراق إلى الخارج قدرت بما يقارب من 20‌%. من منظور مكمل اشار الدكتور مظهر إلى أن خطوة المنصة تعد إيجابية خاصة وأن بعض المصارف لاتهتم بطبقة الفقراء بل وتعتمد أو تعتاش بعض مصارفها على ما عرف ب"السيولة السياسية وتداولها" من خلال ظاهرة التحويلات الخارجية. ترتيبا على ذلك وقعت عقوبات أمريكية على اربعة بنوك احتلت المقام العلوي في مزاد العملة. مع احتمال أن ترافقها مصارف اخرى في المستقبل القريب كما تشير الانباء الواردة من الولايات المتحدة. ضمن هذا السياق أكد مظهر بإن "السبب الرئيسي في أزمة الدولار هو عدم السيطرة على الحدود وهي قضية سيادية كبرى". من هنا، سواءا أكان الامر سياسيا ام اقتصاديا ام جزء من نظرية الاقتصاد السياسي أم جزءا من اللعبة الجيبولوتيكية فإن ما حدث أو يحدث في العراق والمنطقة الشرق اوسطية لابد من تحليله ودراسته جديا بصورة تمكن شعبنا من الحفاظ على حقوقهم الوطنية التي يراد لها من قبل القوى الفاسدة "حيتان الفساد" ممثلة بشركات ومصارف غير رصينة أن تهدر او تستنزف. تطور ربما يحفظ للعراقيين مستقبلا جزءا من حقوقهم الاساسية. علما بإن الدولار العراقي قد ثبت أخيرا ورسميا بحدود 1310 -1320 ما يستدعي ضرورة تجسير الهوة قريبا بين السعر الرسمي وسعر السوق المرتفع نسبيا بحدود 1470 للدينار مقابل الدولار.

دون ذلك فأننا بصدد مايلي من مؤشرات سلبية: اولا: إمكانية تراجع واضح في مستوى ونوعية معيشة الغالبية العظمى من السكان ما يعكس مزيدا من إتساع كبير لمساحات الفقر وارتفاع كبير جدا في معدلات البطالة. ثانيا: إضعاف لدور العراق الستراتيجي الاقليمي والدولي وهي مسألة غير مقبولة إنسانيا ولا استراتيجيا ستحمل رئيس الوزراء الجديد السيد محمد شياع السوداني مسؤولية وطنية كبرى لأنقاذ العراق من أي إنحدار جديد متوقع لوضعه الستراتيجي - الاقتصادي والاجتماعي خاصة وأن المائة يوم لإختبار مدى نجاح حكومته شارفت على الانتهاء وبالتالي لابد توقع ابتداء رحلة سفينة الاصلاح المالي بمواجهة سلسلة من موجات بحر متلاطمة ومناخات مقلقة إستراتيجيا وسياسيا خاصة إذا لم تعالج وفقا لرؤية استراتيجية واضحة وموحدة تحدد خيارات العراق السياسية والدبلوماسية من مطلق جيوبولوتيكي واقتصادي يحفظ وينمي مصالح العراق المتبادلة بين العراق ودول العالم. ثالثا: من منظور مكمل نجد حومة تنافس وصراع محموم في ساحة أخرى تقدم لنا صورة من نماذج منها على سبيل المثال صراع امريكي – صيني في آسيا قد تمتد آثاره للعراق ولمنطقة الشرق الاوسط. علما بإن لأدوار القوى الاقليمية الجارة للعراق وعلى راسها ايران وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي ما يبرر الاهتمام الشديد بمعطيات ومتغيرات المشهد العراقي المآزوم إستراتيجيا – اقتصاديا نظرا لتراكم الازمات الاقتصادية وعلى راسها عدم استقرار العراق او تنمية اقتصاده وموارده الامر الذي سينعكس سلبا على الامن الوطني والاقليمي لمنطقة الشرق الاوسط برمتها والعكس صحيح.

من منظور مكمل لازال العراق دولة ريعية بأمتياز حيث تشكل أيرادات النفط مايقارب من 95 إلى 96‌% من موازنة الدولة رغم امتلاكه لثروة معدنية وطبيعية متنوعة ولكنها غير مستغلة جيدا ولا حتى بالحدود الدنيا. من منظور أخر للعراق مصادر بشرية متخصصة حيوية داخل وخارج البلاد من فئة جيل الشباب الذي لم يستقطب في عملية الانتاج والتنمية الانسانية المستدامة بالشكل المطلوب مسألة تعيق بناء دولة وتطوير المؤسسات الحقيقية للدولة. لعل من الاهمية بمكان إن نتابع ونقارن ونقيم تجارب ومسيرة أداء وإنجاز عدد من الادارات العراقية لمشروعات التنمية الانسانية المستدامة منذ تاسيس الدولة وحتى اللحظة الراهنة واضعين في الاعتبار أهمية إلتزام صناع القرار بسمة الاعلاء من الهوية الوطنية وإعتماد نهج رصين في كفاءة الاداء وتحقق المنجز على الارض. مسألة لم تتحقق حتى الان وفقا لطموحات شعبنا وأهداف بلادنا من المنظور الستراتيجي ولا حتى الاقتصادي او تنموي، كما أنها من جهة مقابلة تبين لنا مدى ضرورة بل وعجالة تمتع بلادنا بتماسك مجتمعي يحفظ مزايا التعددية للمجتمع العراقي وحالة إيجابية تمتزج بحياة رغدة ورفاه يستحقه شعبنا في ظل حالة صحية وبيئية تؤكد ظاهرة من أولوية واهمية إلاندماج الوطني.

مسألة تستدعي في رأينا ايضا بذل جهود ضخمة على الصعد الاقتصادية – المالية والبشرية المتخصصة في القطاعين العام والخاص بهدف تنويع مصادر الموارد الطبيعية أو الطاقة المتجددة الخضراء. بينما ومن منظور مقارن لابد لنا أن نعي أهميته، نجد أن دول منطقة الخليج العربي منذ سبعينات القرن الماضي سعت بنجاح مستمر في بناء دورها المميزعلى الصعيدين الاقليمي والدولي كونها دول حريصة على نيل مكانة سباقة متقدمة في مجالات الاصلاح التنموي الانساني من خلال تاسيس دول المؤسسات الحقيقية والصناديق السيادية التنموية الانسانية. إن أزمة الدولار في العراق ليست بعيدة عن تأثيرات محيط العلاقات البينية المتداخلة بين العراق ودول المنطقة بل وحتى مع العالم الخارجي ممثلا بالقوى الكبرى على رأسها الولايات المتحدة وروسيا والصين وقوى الاتحاد الاوروبي (فرنسا والمانيا وبريطانيا مثلا) التي لديها أوضاع مميزة جيوبولوتيكيا في العراق منذ 2003 ما يستدعى مثلا تفعيل أتفاقية الاطار الستراتيجي مع الولايات المتحدة كنموذج في المجالات التنموية بصورة تلبي اولا للعراق مصالحه الستراتيجية – الاقتصادية، الثقافية والعلمية. علما بأنه ومن المنظور الامريكي ترى الولايات المتحدة الامريكية أن للعراق دور مفاده ضرورة التعاون الوثيق مع واشنطن لتحجيم الدور الايراني كنتيجة طبيعية لأستمرار وتصاعد حدة الحرب الروسية - الاوكرانية التي وفرت لإيران مساحة واسعة نسبيا لدعم الجهد العسكري الروسي. مسالة لايمكن للعراق التغافل عنها ليس في إطار تطورات الازمة الاوكرانية فحسب ولكن بهدف ايقاف تسرب الاموال العراقية من الدولار ومن الدينار العراقي عبر الحدود العراقية إلى ايران بالاضافة إلى موقف حازم في ذات الاتجاه مع دول الجوار وعلى رأسها تركيا وسوريا بل وحتى مع روسيا ذاتها.

بعبارة أخرى أضحت المسالة مثار الجدل ذات بعد إستراتيجي واقتصادي وطني للعراق وموقف له امتدادات دولية لايمكن إهمالها كونها تختص بمصالح العراق الستراتيجية والاقتصادية.

لابد للعراق أن يؤسس خارطة طريق جديدة وواضحة لدوره الستراتيجي – الجيوبولوتيكي الاقليمي والدولي في الامد المتوسط والبعيد يتم من خلاله تأسيس عراق يتمتع بسيادة ودور فاعل اقليميا ودوليا من خلال تاسيس نظام مصرفي يتبع التقاليد المهنية السليمة وفقا لمعايير القانون الدولي وبشكل يمكن بلادنا من الارتقاء بكافة مجالات التنمية الانسانية المستدامة من خلال تفعيل دور الارادة المستقلة سياسيا ودبلوماسيا في ظل إطار جيوبولوتيكي يحفظ للعراق مصالحه الستراتيجية والمصالح المتبادلة المتوازنة مع دول الجوار او غيرها من دول العالم..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram