TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مكافحة المحتوى الهابط

مكافحة المحتوى الهابط

نشر في: 22 فبراير, 2023: 10:33 م

د. قاسم حسين صالح

تحليل سيكوبولتك

الواقعة

في كانون الثاني (2023) شكلت وزارة الداخلية العراقية لجنة لمكافحة المحتوى الهابط على مواقع التواصل الاجتماعي ،

واصدر مجلس القضاء الاعلى الى المحاكم والادعاء العام وهيئة الاشراف القضائي اشار فيه الى ( استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لنشر محتويات تسيء للذوق العام وتشكل ممارسات غير اخلاقية ، اضافة الى الاساءة المتعمدة وبما يخالف القانون للمواطنين ومؤسسات الدولة) وطالبها فيها باتخاذ ( الاجراءات القانونية المشددة بحق من يرتكب نلك الجرائم وبما يضمن تحقق الردع العام ).

ومع بداية شهر شباط 2023 تصاعدت حملة اعتقالات ضد من تطلق عليهم السلطات تسمية (منشئي المحتوى السيئ "الهابط") الذين ينتجون مواد فيديوية واغان ومشاهد تمثيلية ساخرة وكوميدية وتعليقات بذيئة وحركات "مايعة" واخرى خفيفة ومضحكة وايحائية.. وصدرت احكام قضائية سريعة بسجن عدد منهم (أم فهد، صانعة محتوى يتابعها اكثر من 145 الف شخص على تيك توك ،بسبب مقاطع فيديو تظهر فيها بملابس ضيقة وهي ترقص على انغام موسيقى شعبية، سجنت ستة اشهر .. مثالا).

تساؤلات

ما حصل.. أثار تساؤلات مشروعة:

ان هذه الحملة اعتمدت قانون العقوبات العراقي رقم ( 111 لسنة 1969) الذي تضمن تجريم الاساءة للذوق العام واهانة مؤسسات الدولة. فهل يصح اعتماد قانون صدر زمن النظام الدكتاتوري يخالف تماما الدستور العراقي الذي حرص على صيانة حقوق الانسان، وفيه بالنص( تكفل الدولة،بما لا يخل بالنظام العام والاداب ، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل)؟.

·مع اننا ضد (منشئي المحتوى السيئ..الهابط) الذي يخدش الحياء ويسيء الى قيمنا العراقية الاصيلة، ومع الحملة في مكافحتها باساليب رادعة لا انتقامية، فانه لا يمكن اعتبار احكام من سجنوا بهذه التهمة قانونية او مشروعة.. وليقل اهل القانون المستقلون كلمتهم ان كنا على خطأ.

والتساؤل هنا يصاغ بمشهدين.. كلاهما يخدشان الذوق العام:

الأول: فتاة لابسة من غير هدوم وتحجي فشاير.

الثاني: اطفال يفتشون في القمامة عن فضلات طعام يأكلونها وقناني فارغة يبعيونها.

أنك في الموقف الأول تستطيع بضغطة زر أن تتخلص منه ، ولكن .. كيف لك ان تتخلص من المشهد الثاني وانت لحظة تراه تلعن من افقر العراقيين وأذلهم؟!

التــحليــل

ما حصل.. لم يكن مفاجأة لنا نحن السيكولوجيين ، لأن أسبابه مهدت لظهوره من سنين.. نوجزها بالآتي:

1. تراجع ثقافة الجمال وشيوع ثقافة القبح.. اوجعها انهم جعلوا بغداد هي أسوأ عاصمة في العالم بعد ان كانت عاصمة الدنيا.

2. عمل الفساد على اشاعة ما كان خزيا الى شطارة.. ما يعني ان السلوك الذي كان يعد غير لائق صار في زمنهم عاديا.

3. انعدام انموذج القدوة. سيكولوجيا .. الناس تقتدي بالحاكم او الرمز الديني.. والذي حصل ان حكومة 2006 وما بعدها .. كلها متهمة بفساد مالي فاحش ، والمخجل ان يرى العراقي صاحب عمامة يتهم علنا صاحب عمامة آخر.. فيقول لنفسه.. ظلت عليّ .. وتشيع الفاحشة التي هي أقبح من المحتوى الهابط.

4. من عام 2007 كنا شخصنا في مقال موثق بالمدى والحوار المتمدن (المجتمع العراقي والكارثة الخفية).

ان جيل الشباب يمتلك منظومات قيمية تختلف عن المنظومات القيمية لجيل الكبار، وان الحروب الكارثية المتلاحقة تخلخل القيم وتفسدها وتشكل لديهم شبكة منظومات تتصدرها قيم الصراع من أجل البقاء والأنانية وتحليل ما يعد حراما أو غير مقبول في المعيار الأخلاقي للمجتمع العراقي . والذي يرجّح اكتمال الكارثة أن جيل الشباب قوة تتنامى حجما وفاعلية فيما جيل الكبار قوة تتآكل حجما وينحسر تأثيرها بتقدم الزمن.

وأوضحنا بأنه ( إذا صار معظم من يفترض فيهم أنهم القدوة والنخبة يمتدحون الواقع المعاش مع ان كل ما فيه كارثي، فان الفرد يضطر الى ان يعرض نفسه سلعة في سوق السياسة تجبره على التخلي عن قيمه واخلاقه والعمل بما يأمره به مصدره السياسي..وسيشيع ذلك بعد ان اصبح الوضع العام في العراق طاردا للذين يمتلكون منظومات قيمية راقية بخاصة العلماء والمفكرين والمتدينين المتنورين والفنانين).

ورغم تحذيرنا المبكر(2007) من كارثة تهرؤ القيم وتخدير الضميرين الأخلاقي والديني.. فان من كان بيدهم القرار لم يعيروها اهتماما، وكأنهم كانوا يقصدونها.. فحين يشيع كل ما هو هابط بين الناس فانه يكون ،في حساباتهم، ضمانة لبقائهم في الحكم.

ومع اننا مع مكافحة (المحتوى الهابط) بكل اصنافه،فأننا ننبه الى ان خبثاء السياسة من الفاسدين سيوظفون ما حصل لهدف خبيث، نقوله بالصريح ،هو: التضييق على حرية التعبير،ليصل الى ان من ينتقد سياسيا او مسؤولا في السلطة..سيسجن بتهمة المحتوى الهابط!..وسترون!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

تعطيل الدوام غداً في ذكرى النصر على داعش

الخطوط العراقية: 1523 رحلة و214 ألف مسافر خلال تشرين الثاني

العدل: تأهيل 3000 حدث خلال عامين وتحديث مناهج التدريب وفق سوق العمل

إيران تكشف لغمًا جوّيًا يصطاد الطائرات المسيّرة من السماء

هيئة الرصد تسجل 8 هزات أرضية في العراق والمناطق المجاورة خلال أسبوع

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram