TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > سلطة المجتمع واستبداده

سلطة المجتمع واستبداده

نشر في: 25 فبراير, 2023: 11:09 م

حازم رعد

كثيراً ما تواترت على الالسن مقولة جون لوك بان "الامة مصدر السلطات" حتى انها صارت ديباجة الديمقراطيات الحديثة في دول العالم المتقدم، ومعنى ذلك ان للمجتمع "الناس" مزيج اضفاء الشرعية على اية حكومة منتخبة ديمقراطياً في اقتراع عام او اذا توافقت عليها ارادة الناس.

لو دققنا النظر في الكلام اعلاه لاستشفينا ان للمجتمع سلطة تمثلها ارادته ويمكنه اعطائها وسلبها متى شاء فيما اذا كانت الحكومات لا تلبي طموحاته ولا تمثل توجهاته او انها اخفقت في تحقيق امآل تلك الجماعات الانسانية "الامة».

من ذلك كان خليقاً بالنظم التي ابدعها العقل البشري منذ سالف التاريخ ان تبتكر مجموعة افكار تحد من غلواء استخدام السلطة ضد الناس وبالعكس كذلك فأحياناً الناس تتعسف فيما لو اجتمعت على رأي ما.

لذا نشأت الديمقراطية مجايلةً مع بواكير التفكير الاستدلالي "الفلسفة" في الوضعية التاريخية اليونانية، وعرفت الديمقراطية بانها مجموعة تشريعات وقيم تمكن الناس من الحد من تعسف الحاكمين واساءة استخدام السلطة على ان يباشر الناس حكم انفسهم بانفسهم.

ولكن هذه الديمقراطية "وهي سلطة الشعب وحاكميته" تتضمن خطراً يكمن في الطريقة التي تستخدمها الجماعات القادرة على ادارة مواردها مما يجعلها هي الكثرة المسيطرة او الفاعلة وهنا تبدأ عندنا مشكلة جديرة بالنظر والخشية وهي ما يصطلح عليها "استبداد العامة" او طغيان الاغلبية، التي هي اكثر ما يخشى منها على حرية المواطنين ولعل خطورتها تكون اكثر وقعاً من دكتاتورية وطغيان الحاكم الفرد.

تنسجم فكرة استبداد العامة مع الطابع الجماهيري في بعدها الاحتجاجي حيث يشكلون عقلا جمعياً يتمنع على قبول اي فكرة من شأنها تصحيح المسار او الافصاح عن الحقيقة مهما كانت عقلانيتها.

على اساس ذلك نفهم ان قوة المجتمع تتركز في الوضعية الديمقراطية وتظهر في عملية الاقتراع العام، ولا معنى لسلطة المجتمع في الشموليات والانظمة الدكتاتورية اذ رأي واهواء الحاكم او الطبقة التي تحكم لها الريادة والفرادة في التصرف والسلطة.

من خلال ما اوردناه انفاً نفهم ان للمجتمع في حال استطاع ان يشكل "رأي عام" تجاه حالة او شخصية او حدث ما، ان له سلطة مهمة وكبيرة في تطويع مختلف السلطات الاخرى واخضاعها ولي ذراعها كما يعبرون "فللرأي العام رمزية مهمة وقوة حال كون افراده مجتمعين ومتماسكين" مع ملاحظة شرط اخر اذا ما نظمت بشكل ممنهج وادارة صحيحة "وفي الحقيقة ان ادارة هذه السلطة صعبة بمكان" ولكنها غير مستحيلة.

لقد شهد التاريخ الحديث والمعاصر خضوع اعتى الدكتاتوريات واصعب المستبدين امام قوة الرأي العام وسلطة الشارع حال لحاظها في طور الصعود وصولاً الى مرحلة الهيجان، حتى انه احيانا قد يتماها مع تلك السلطة ويسايرها، رغم عدم قناعته وهذه الموائمة تكون على مضض ولكن هي تقع صحيحة في مسايسة استبداد الجماعة اذ الوقوف ضدها خطأ فادح قد يؤدي الى الاطاحة بأي رمزية او تهميشها تدريجياً مهما كان علو شأنها ومكانة قدرها والفواعل الاجتماعية والسياسية تتحاشى الاحتكاك بهذه السلطة اذ وبفعل بعض الضروف الخاصة قد يتشكل الرأي العام ويتصوب بأتجاه حدث او حالة او شخصية ويبدأ بنشاط الضغط عليها ومحاولات هدمها او تقويضها وهذا السبب وراء الخوف من الرأي العام وسلطة المجتمع.

وقد تتحول سلطة المجتمع الى استبداد يحتكر الواقع والافكار والحريات برمتها ولا يرى هذا المجتمع "المؤدلج" بكيفيات مختلفة الا افكاره وكيانه حقيقة لابد من ارسائها وتمددها في الواقع.

فليس دائما اتفاق المجتمع على شيء او رأي يعني انه على صواب، فالتاريخ حافل بكوارث وفدائح صنعها الناس حال اجتماعهم..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: أين اختفوا؟

 علي حسين ظل السادة خضير الخزاعي وأسامة النجيفي وصالح المطلك وإبراهيم الجعفري وفؤاد معصوم وعباس البياتي وعتاب الدوري وحسن السنيد وغيرهم يهلّون علينا كلَّ يوم قبل الغداء وبعد العشاء من خلال الصحف والفضائيات،...
علي حسين

كلاكيت: البحر الأحمر في فينيسيا

 علاء المفرجي بعد مشاركتها في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي لعام 2024م، من خلال أربعة أفلام سينمائية وعدد من المبادرات والفعاليات. وتتضمّنت قائمة الأفلام التي حصلت على دعم المؤسسة: "نورة" للمخرج...
علاء المفرجي

تدهور الرعاية الصحية الراهن لا تُعالجُه الوعود المعسولة!

د. كاظم المقدادي أنتجت المنظومة السلطوية القائمة على المحاصصة الطائفية والإثنية، وتقاسم النفوذ والمليارات، والمناصب والإمتيازات، ظواهر بغيضة، كالتسلط والهيمنة على مقدرات البلد، بدأتها بإفراغ الوزارات ومؤسسات الدولة الأخرى من الموظفين الكفوئين إدارياً وذوي...
د. كاظم المقدادي

عن المرجعية الدينية

حيدر نزار السيد سلمان كتب ويكتب الكثيرون عن خليفة المرجع الديني اية الله العظمى السيد علي السيستاني بالإضافة إلى جهود بعض مراكز البحوث المهتمة بالشأن العراقي، وهذا دلالة على أهمية المرجعية الدينية من النواحي...
حيدر نزار السيد سلمان
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram