طالب عبد العزيز
هذه البلاد تقود مواطنيها الى الجنون. هذه الحياة المرتجلة في أكثر من جانب ستقوّض أفراح الناس، وتنهي على أملهم بالتغيير. يستوقفني خبر انتشر على المواقع بان إدارة المرور ستوقف دخول عجلات التكتوك، داخل المدن العراقية! ولم يمض على استيرادها أكثر من ست أو سبع سنوات، ترى لماذا سمحتم باستيرادها، إذا كانت ستتسبب بإعاقة مرور العجلات؟ ولماذا سمح باستيرادها، فيما تغصُّ شوارعكم بالمركبات والدراجات ؟
مثل القرار هذا هناك العشرات من القرارات والقوانين التي ترتجل في أغلب مفاصل الحياة، وتتحول الى عبء حياتي، ينغص على السكان معيشتهم، المنغصة بالاصل. الحكومة تمنع دخول موديلات السيارات اليابانية والكورية والامريكية القديمة، على متانتها، ووقوفها في الزمن، لكنها تستورد موديلات حديثة من السيارات الايرانية على رداءتها وسرعة تحولها الى حديد خردة، ترى من الافضل؟ أو في الحقيقة من المستفيد؟
والحكومة قضت على الزراعة في ابي الخصيب وشط العرب والمدن العراقية الاخرى بتحويل البساتين الى مناطق سكنية، ثم تتفتق عبقريتها فتستمزج رأي السكان بزراعة النخيل في الارصفة والجزرات الوسطية؟ والحكومة تردم الانهار والجداول الفرعية وتحولها الى مجاري لصرف المياه الثقيلة والخفيفة، فتذهب الى شط العرب لتلويثه، ثم تقترح نصب محطات تحلية بالقرب من مصابب المياه تلك، فيضطر المواطن الى سقي ما تبقى من بستانه من ماء التحلية أو الواصل عبر قناة البدعة، لأنَّ النهر الذي عليه بستانه طمر وصار ماؤه ملحاً وعفنا ومولوثاً، ثم تسمح ببيع البساتين والاملاك الشخصية للسكان وتحويلها الى بيوت لكنها لا تأخذ بنظر الاعتبار الى ايِّ مدرسة سيذهب ابناؤهم الطلاب، وفي اي مستوصف يعالجون، فالحكومة لا تملك عقاراً وليس لديها مساحات خدمية(مدرسة، مستوصف، مركز شرطة..) فيضطرب الناس ويقاتل بعضهم بعضا.
والحكومة عجزت، ومنذ عشرين سنة عن تأمين الكهرباء، وجعلت من الحياة غصة بع غصة، الامر الذي اضطر المواطنون فيه الى شراء ملايين المولدات الصغيرة والكبيرة، وأطنان الأسلاك والمعدات الكهربائية، وهي التي عجزت عن بناء مصفى للوقود، وهي التي سمحت أو تغاضت عن أفعال عشرات الشركات النفطية الاجنبية بحرق الغاز، وهي فاعل كبير في التصحر، وتخلف أو تعطيل قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة ووو ثم تتحدث وبكل صفاقة عن التلوث البيئي، وسوء الاحوال المعيشية، وتردي التعليم والصحة والخدمات الاخرى.
والحكومة أخذت أبناء العشائر مقاتلين ضد داعش، ولم تمنعهم من مراكمة الاسلحة في بيوتهم، بعد نهاية الحرب، فصاروا يتقاتلون بينهم، بالرشاشات الخفيفة والثقيلة، ولما عجزت عن إيقافهم وحماية السكان الاخرين، راحت فشملت المتسبب بالدكة العشائرية بفقرات قانون 4 إرهاب ! وياليتها أفلحت في ذلك، فالقانون معطل والاحتراب قائم، والحكومة بسلطاتها الامنية تبيح بيع الخمر، في الأسواق ببغداد وكردستان، وتستوفي على تجارته الأموال والضرائب، وتحجبه عن باقي المدن(المقدسة وغير المقدسة) فتنشط تجارة البيع بالباطن، او السوق السوداء، وتتحول البيوت والمحال التجارية الى مايخانات، وحين صارت الخمرة جزءاً من الحياة- بالاصل كانت هكذا- تفتقت عبقرية المشرع العراقي، فأصدر قانونا بمنع استيرادها وتصنيعها والإتجار بها! ترى، لماذا لا تسري قوانينها على مدن العراق مثل كردستان ؟ وهذه الحكومة لا تحكم على تاجر المخدرات بالاعدام، إنما بالسجن المؤبد او الغرامة بـ 10 مليون دينار، المبلغ الذي يستطيع دفعه أبسط متعاط لها، وبذلك صارت التجارة والتعاطي بها هي الرائجة بين الشباب العراقي اليوم، فالى أين سيقودنا الارتجال هذا؟