TOP

جريدة المدى > عام > موسيقى الاحد: السرطان في الجدول

موسيقى الاحد: السرطان في الجدول

نشر في: 25 فبراير, 2023: 11:14 م

ثائر صالح

يتداول مؤرخو الموسيقى قولاً طريفاً لباخ يستند على تلاعبٍ بالكلمات. كان يشير إلى أحد تلاميذه ويقول "هذا هو السرطان الوحيد في جدولي" السرطان هو يوهان لودفيغ كْرَبْس (1713 - 1780)،

والجدول هو باخ نفسه. تعني كربس باللغة الألمانية سرطان الماء، أما باخ فتعني الجدول. كان باخ صارماً مع طلابه، ولم يكن له الكثير من الوقت ليضيعه، إذ كان مسؤولاً عن الموسيقى في أربع كنائس رئيسية في لايبزج، وعن تدريس الطلبة في مدرسة توماس وعن إدارة الفرقة الموسيقية وكورس الأولاد فيها، علاوة على إدارة المجمع الموسيقي (Collegium Musicum) وهو جمعية تطوعية لطلبة وأساتذة الموسيقى والموسيقيين المحترفين التقوا في مقهى تسيمرمان أسبوعياً لتقديم مختلف الأعمال. وهناك قصص كثيرة له مع طلابه، منها قصة السرطان والجدول، وأخرى يقول فيها لتلميذ "ما عليك سوى التمرين والتمرين، سترى أنك تتقدم. لديك خمسة أصابع سليمة في كل يد من يديك، مثلي تماما". مرة أخرى يقول لطالب يعاني في العزف على الأورغن: "ليس هناك أي شيء استثنائي في العزف على الأورغن، كل ما عليك سوى ضرب المفتاح المطلوب في الوقت المطلوب، ليقوم الأورغن بإصدار الموسيقى لوحده". وقصة إهانته لعازف باسون (فاغوت) ومحاولة الأخير الإعتداء على باخ ومبارزته في ساحة السوق شهيرة. لكن كان بين تلاميذه عدد من النابغين (إلى جانب أولاده)، أهمهم كربس مار الذكر. فقد كان ابن عازف أورغن فتربى في أجواء موسيقية وأجاد العزف على الأورغن وأتقن الهارموني والنظرية قبل أن يرسل إلى لايبزج ليدرس عند باخ ويصبح أفضل تلاميذه. أخذ دروساً إضافية خاصة في العزف على الأورغن من باخ، فأصبح من أفضل العازفين إلى جانب أستاذه.

كان تلاميذ باخ النابغين وبينهم بعض أقاربه وأولاده يعملون معه كخلية النحل، وكعائلة واحدة. فكانوا يساهمون في الأعمال المنزلية وفي نسخ المدونات الموسيقية وتجهيز أجزائها لتقديم الأعمال الجديدة، وكان كربس أحدهم.

لكن كربس، رغم تفوقه في العزف على الأورغن وعلمه الوفير، ورغم خطاب التوصية الرفيع الذي كتبه باخ له، لم يتمكن من الحصول على وظيفة مناسبة عند نبيل من النبلاء في في الكنيسة. فاضطر للقبول بوظائف صغيرة كعازف أورغن في بعض المدن القريبة من لايبزج، حتى استقر كعازف أورغن في آلتنبرغ (جنوب دريسدن على الحدود التشيكية اليوم) بعد فشله في الحصول على وظيفة أستاذه باخ بعد وفاته في 1750. كان خصباً ألّف الكثير من أعمال الأورغن والهاربسيكورد وأعمال غنائية وبعض الكونشرتات. لكن أعماله أهملت ثم نسيت بعد وفاته، لربما بسبب اعتبار فنه قديماً ومعقداً ثقيلاً، فقد بدأ عصر الباروك بالانحسار تدريجياً ليحل محله الفن الجديد الذي انتهى بوصول المدرسة الكلاسيكية القمة على يد هايدن وموتسارت. وحتى أبناء باخ ساروا على طريق التطور، مما حدا بموتسارت الى القول "باخ هو الأب ونحن أولاده"، والإشارة هنا ليست إلى يوهان سباستيان بالطبع، بل إلى ابنه كارل فيليب إيمانويل (1714 - 1788).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: الدرّ النقيّ في الفنّ الموسيقي

في مديح الكُتب المملة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

كوجيتو مساءلة الطغاة

مقالات ذات صلة

علم القصة: الذكاء السردي
عام

علم القصة: الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الاولالقصّة Storyالقصّة وسيلةٌ لمناقلة الافكار وليس لإنتاجها. نعم بالتأكيد، للقصّة إستطاعةٌ على إختراع البُرهات الفنتازية (الغرائبية)، غير أنّ هذه الاستطاعة لا تمنحها القدرة على تخليق ذكاء حقيقي. الذكاء الحقيقي موسومٌ...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram