اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > اسطورة الذكورة المزورة في رواية خاتم لـ رجاء عالم

اسطورة الذكورة المزورة في رواية خاتم لـ رجاء عالم

نشر في: 25 فبراير, 2023: 11:16 م

ناجح المعموري

تم توظيف الاسطورة الموروثة شفوياً في رواية خاتم للروائية السعودية رجاء عالم، مثلما حصلت أسطرة لما موجود في الحياة وحصرياً البيت والعلاقات السائدة بين غرف العديدة.

كما ان الاسطورة اكثر تبدّياً في المرويات ذات الصلة المباشرة مع ديمومة الحياة واستمرارها عبر اساطير الخصب والنماء، وتجدد ما موجود في العالم. كذلك لابد من تأشير سيادة الاستعارة في هذه الرواية، واذا اقتنعنا برأي بورخس من ان الاستعارة اسطورة، فان حضور الميثولوجيا واضح جداً، ومتكرر. ولعل اكثر الاساطير هيمنة هي البروز الثقافي للبطرياركية وسيادة الذكورة بوصفها خطاباً اخضاعياً وازاحياً، لذا حصل التلاعب بالنوع، حيث اضطر « نصيب « اجراء تحويل خارجي / سيميائي على الجندر، والبس خاتم ثوب الذكورة.

ان التحويل السيميائي للجندر ظاهرة اجتماعية وثقافية، معروفة بالمجتمعات التي ما زالت خاضعة للخطاب الذكوري. بمعنى تم استبدال الانثى بالذكر، وما حصل نوع من الازاحة الثقافية الآنية والمزورة واضفاء نوع مستعار. وحتماً سيكون لهذا التغير تأثيره الاجتما ــ ثقافي وله انعكاسات مستقبلية، وستحمل خاتم معها ثقافة الحضور الذكوري، وطرد الانثى المخفية تحت حجاب مستعار. اخضع عناصر الانثى للقبول بنوع من السجن تحت الثوب. ما لم تتعطل خاتم بالتحويل الشكلي عن الحلم، او التفكير بما هو حاصل. لذا استمرت بتخيلاتها وسط الجماعة، التي استجابت لها وتماهت معها بالتخيّل، وكأن الجميع يؤدون دوراً وظيفياً وانثربولوجيا.

الثوب الذكوري نوع من الاخفاء والتحويل الكاذب والتزويري وهو ايضا سيادة ثقافية، تبدّت عبره تمركزات السلطة واتسعت بالتدريج، ونشطت عبر الصراع وظيفة التحويل الحاصل للجندر شكل من الصراع المعبر عنه، والذي افضى نحو تعطل الفعالية الثقافية للنوع المخفي بقرار من الخطاب الذكوري، لذا تمردت خاتم على قسوة الخطاب الابوي، من خلال التلصص على المخفيات الكثيرة في البيت والمغلق فوق الجبل. واستمرت الذكورة متسيدة عبر سلطة الاب التي تمردت عليها خاتم وخلخلتها. لكن سلطة الاب، استطاعت، بشكل خفي من اعادة الاعتبار لخطابها وثقافتها الحاضرة من خلال قصياتها في لحظة حاسمة الصراع الاجتما ــ ثقافي، حيث حسمت الجدل بالنسبة لخاتم وهلال عبر طلقة واحدة ومجهولة، وكأنها ــ الطلقة ــ اختصرت ما يشير للقوة والقسوة الحاضرة بالتفاصيل اليومية، وامكاناتها للاستيقاظ والاعلان عن الرفض لكل اشكال التجاوز على الثابت الثقافي الموروث والممثل له بالعلاقة الثنائية بين خاتم وهلال وكما قال الناقد السعودي محمد عباس « حصل القتل بطلقة واحدة « وهي رامزة للخفاء المزاول للإزاحة والاخضاع الذي مارسته ثقافة لها حضور مهيمن. ويفضي هذا الاخضاع للإبقاء على هيبة البيت وتساميه فوق الجبل. وكل ما حصل في الرواية هو اعلان عن تمركز الاب / نصيب وهامشية الام / سكينة. انها الثقافة البدوية الواضحة. في علاقتها مع الذكورة واستمرارها بالحضور في التداول اليومي.

لم يكن سهلاً عن الحضور الثقافي حصول نوع من التمرد وسط البيت المطل من مكان مرتفع، والمعزول عن الاخرين الذين يأتون اليه، وكأنهم يؤدون نوعاً من الضريبة القاسية او الطقس، ممثلاً لها بصعوبة الصعود وارتقاء عشرين منعطفاً لغاية الوصول للبيت المنعزل وشواهد عزلته حاضرة في السرد ولعل حكاية مخاض الوالدة وحيدة وعلاقتها مع الماء هو الدال على ذلك، وكأنه استدعاء للحظة احتضان المولود تواً وتطهير جسد الزوجة من دنسها وطوفان الدم وازالة اثار الولادة.

ارتفاع البيت شكل من الاخضاع الرمزي للجماعة، وهو تعبير عن سلطة ثقافية، اضفى عليها التوارث نوعاً من التمركز والهيمنة. اعتنت الرواية بالمحكيات التي انشغلت بها الذاكرة طويلاً ولم يكن البيت بعيداً عن التاريخ الشفاهي والمرويات القصيّة المتداولة، وتمكنت رجاء عالم من استلام تفاصيل عديدة من مخزونات البنية الذهنية الاسطورية العربية، والحفر فيها، والانشغال يصوغ جديد لها، لكنها ظلت توميء لإصولها المبكرة، التي سيدّت الذكورة بعد انهيار سلطة الالوهة المؤنثة. وتعطل خطابها الثقافي والديني. هذا هو المركز السردي المهيمن في رواية « خاتم « لرجاء عالم. حيث استحوذ الموت على الذكورة، ولم يبق لنصيب غير البنات. وهو كغيره من الذين صاغوا الخطاب البطرياركي، يشعر بالنقص من غياب الامتداد الذكوري الوارث لمجد نصيب الاب، الذي لم يجد ضرراً من قبول ما قدمه اثنان من عبيده « شارة « و « فرج « ابنهما واطلق عليه « سند « وقبل نصيب بالتكريس عبر رضاعة احدى بنات نصيب للطفل الذي دخل محور حيوي في الاسطورة، وهو الرحلة التي خضع اليها « سند « الربيب الى مكة المكرمة لإرضاعه من قبل زين مع طفلها محسن. وهي رحلة البطل الاسطوري في الملاحم، ولا تختلف تفاصيل رحلة « سند « عن غيرها في الملاحم. لكن رحلة التكريس والعبور، لم تصن « سند « لان الموت اخذه لاحقاً، وهذه هي تراجيديا البطل التقليدية. الطريقة والنوعية التي حصلت بها رضاعة « سند « من زينة اسطورية، رسمت صورة للطفل ضمن حدود الاسطورة الخاصة بالعلاقة مع الام.

تتبدّى اسطورية « سند « فيما حصل لزين، عندما ارضعته، وكانت وفرة اللبن دالة على الخصب والبركة. وعاش عليه كل من « سند « و « محسن « واعلن بأن « سند « من نسل الاعيان، واستقبلته مكة بالزغاريد والاناشيد. وحصل له تحول مهم، وتحقق عبوره الثقافي من خلال شهادة الجماعات وانتقل من صفة الى اخرى، وهذا نوع من التحول الذي اعتنت به رواية خاتم.

في الرواية اشارت عميقة لأساطير الخصب والانبعاث التي عرفها العراق القديم وانتقلت الى الجزيرة العربية قبل الاسلام، مثل اساطير الخلق والتكوين والولادة، التي قدمتها رجاء عالم بفنية ومهارة عندما ولدت الام وحيدة في الغرفة المغلقة والسرية وزاولت طقوس التطهر. واستطاعت الروائية رجاء عالم الاشتغال على تنويعات اسطورة النماء والخصوبة التي توزعت كثيراً في السرديات، لأن حياة الجزيرة العربية مقترنة بالحياة والموت في آن، بسبب طبيعتها الصحراوية وكأن لأسطورة الانبعاث حضور قوي لدحض قوة الجفاف الموضوعي في البيئة الصحراوية. واكثر تجليات الاسطورة هذه ما حصل فوق الجبل، الزقورة الرمزية، حيث الانكشاف الكلي للجسد الانثوي (خاتم) والاعلان عن انثويتها المسجونة وراء سيميائية الزي. لقد تعرّت خاتم وهي صغيرة فوق الجبل، وظلت تحت هطول المطر، وبذلك اعلنت انوثتها وازاحت النوع المزور، وارتضت الاتصال علنا مع السماء / المطر / المنّي. وتعلم هلال التعري منها وفعل ذلك معلناً عن اتصال رمزي. والتناظر بين السماء والارض واضح وهما يزاولان طقساً الاغتسال والانكشاف من اجل التكرس والعبور نحو مجال ثقافي اخر.

اهم اسطورة في رواية خاتم هي الخاصة بالزواج المقدس الذي عرفه العراق وسوريا/ كنعان / الجزيرة العربية قبل الاسلام وتبددت بزيارة « سند « و « خاتم « الى بئر زمزم والاغتسال هناك وكأنهما يعيدان انتاج اسطورة اساف ونائلة. والاغتسال بزمزم تكرر للاغتسال بالمطر وهما فوق الجبل، وكلاهما مقدس من اجل تطهير الجسد واستحضاره لقبول الخصب. لم يكن المفتاح بعيد عن فضاء الاسطورة بما ينطوي عليه من استعارة واضحة الدلالة وهو وسيلة فتح الغرفة المغلقة / الانثى وكان هذا الرمز متفتحاً في الرواية ونهاية له. وبالإضافة لهذا فأن هلال علامة رامزة على قضيبية، وهو في فجر الاحضارات الزراعية علامة على حضور الام الكبرى.

تفضي خاتم نحو فضاء اساطير الالوهة المؤنثة / انانا / عشتار / العطر وتعرف خاتم على عطور نصيب والعلاقة معها دال على تفتح الجسد الانثوي، والتوسل بالعطر للإعلان عن طاقة الانوثة بالجسد. ودائماً ما ستكون خاضعة لكل ما يولد الاغراء ويحقق الجذب. ولم تكن خاتم بعيدة عن وظائف الالوهة المؤنثة في سومر / اكد. وبما عرف ضمن طقوس الخصب « بالزواج الالهي المقدس « ويمثلها في الرواية الاغتسال عند زمزم والتعري تحت المطر، وهما فوق الجبل، من اجل حيازة النقاوة والتطهر، استعداداً لممارسة الطقس.

الاسطورة كامنة في رواية « خاتم «للروائية رجاء عالم، وهي شفافة، متداخلة مع عقائد مألوفة / متوارثة ولأنها من نتاج الجماعات بوصفها نوعاً من تخيلاتها، لكنها في القراءة العميقة عقائد / وطقوس / واساطير قديمة، متحولة عبر ارتحالها التدريجي، الا ان استقرت كمزاولات معيشة، تكرست رموزها المعرفة بالأنماط البدئية / او الاولى ومنها الماء / المطر / التراب / الغيوم، التي تشير الى عكس دلالتها السوداء / البركات.

قدمت رجاء عالم توصيفاً مهماً للاتصال بين السماء / الاله والارض / الام الكبرى وامتداداتها الالوهة المؤنثة، وهذا صوغ جديد لأسطورة الاله آنو مع الماضي في اساطير الجنس المقدس.

ومن الاساطير التي توميء لحضورها في رواية " خاتم " اسطورة الدم المتفجر معلناً عن طاقة الجسد الانثوي (جسد خاتم خرج من دنيا العماء، لدنيا الالم. ذلك الالم الخاص. ذلك الممزوج بشيء لم يعرفه جسدها من قبل) ومن اكثر تبدّيات الجنس المتحققة في الرواية وحصراً في بيت زريات عندما انفرش جسد خاتم ووضعت زريات العود في حضنها " صارت شرائح الجسد الخشبي تنحفر بجلدها مثل نقش.....كل حيويات خاتم انصبت لحوضها متمثلة لجسد العود.

لضرورات بعض الطقوس الدينية المكملة لطقس الزواج المقدس، رسُمت رجاء عالم مشهداً ثقافياً ودينياً للرقص المعلن عن حقيقة جسد " خاتم " المتمرد على تزويراته، العري الكامل، وايضا مزاولة الرقص الطقوسي، للتعبير عن ابتداءات محضرة لطقس الجنس المقدس. وكان الاثنان معاً " خاتم " و "هلال " يرقصان فرحين بنزول المطر، حتى يسقي الارض / الام / الانثى ويطهر الكائنات. كما لابد من الاشارة الى ان الاغتسال تحت المطر يفضي الى نوع من الرفض او عدم الاقتناع بالاغتسال بماء زمزم، لأنه ــ زمزم ــ يعيد تجربة معروفة لاساف ونائلة، واحدة من اساطير الجزيرة العربية، وكأن الاثنين وفي اللاوعي يحلمان باغتسال تطهري يستعيد لحظة الاغتسال البدئي، في لحظة تشكل العتبات الاولى في تاريخ الحضارة الانسانية. اختتمت رجاء عالم سردياتها الضاجة بالأساطير والعقائد والطقوس والموروثات الاخرى بمزاولة الجنس المقدس بين خاتم وهلال.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram