TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الأبعاد الستراتيجية لإنجاح السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية

الأبعاد الستراتيجية لإنجاح السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية

نشر في: 28 فبراير, 2023: 11:37 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

إن ما تمر به السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية من أحداث وتطورات حيوية ذات بعد إستراتيجي يغطي معطيات وتفاعلات متنوعة الابعاد والانعكاسات الامنية - السياسية – الاقتصادية – العلمية والثقافية وغيرها الامر الذي يتطلب من الباحثين والمطلعين والمتابعين للشأن العراقي أن يتبصروا بكافة التحديات والتداعيات

التي يفترض أن تقع ضمن رؤية موحدة شفافة للنظام السياسي يتم من خلالها رسم الخطوط العريضة والتفصيلية لطبيعة العلاقة المتبادلة بين العراق مع القوى الرئيسة في المحيطين الوطني والخارجي بهدف إيجاد مخارج لمشكلات قد تصل لحدود أزمات مزمنة لابد من احتوائها او على الاقل تخفيف حدتها للانتقال من مراحل الصراع أو التنافس إلى التعاون و التنسيق وصولا لمرحلة الشراكة مع القوى الفاعلة اقليميا وعالميا.

مسألة تستوجب تفعيل لدبلوماسية العراق في المحيطين الاقليمي والدولي من خلال إجراء عمليات تفاوض مهنية تمكن العراق والعراقيين من التوصل لنتائج إيجابية تعزز حقوق الانسان حرياته الاساسية معززة بالاكتفاء الذاتي من الماء والغذاء والسكن والحياة الكريمة تآصيلا للسيادة والكرامة الوطنية. من هنا، ضرورة بلورة توجه إستراتيجي يحدد شروط ومعايير استراتيجية ترتقي بإداء من يتولى إدارة السياسة الخارجية ويمثل بحق الدبلوماسية العراقية. المقولة السليمة تؤكد بإن: "السياسة لاتكون لبيبة كيسة، متوقدة الذهن نيرة البصيرة، إلاحينما تحدد لنفسها غاية. إن نهج الانتظار المستمر لما سوف تتمخض عنه الايام ليس بنهج سياسي صحيح إلأ إذا كان الانتظار ضرورة لامناص منها، وسوف يحقق غرضا لايتحقق أبدا إلا بهذه الصورة". ترتيبا على ذلك لابد من رسم صورة واضحة تحدد عملية صناعة القرار السياسي عبر الخطوات التالية:

اولا: تبني وتطبيق الاهداف الحيوية الستراتيجية للدولة، أما إذا فقدت بوصلة الالتزام بتحديد الاهداف الستراتيجية التي تؤكد سيادة العراق الوطنية فإننا نكون إزاء واقع بعيد عن مايعايشه شعبنا من أزمات مزمنة على راسها المحاصصة بكل اشكالها وتداعياتها الاليمة من فقر وبطالة وعوز ومرض وجهل إذ يفترض ان يكون للنظام السياسي دور واضح مؤثر في رسم وتنفيذ سياسة داخلية وخارجية تستند إلى دبلوماسية مستقلة نابعة عن إرادة سياسية فاعلة. ترتيبا على ذلك، لابد أن تتخلص الدول من ما عرفه الاستاذ محمد مختار الزقزوقي في مقدمة كتاب الدبلوماسية للسير هارولد نيكولسون "سياسة الانسياب والانسياق مع التيار" التي فشلت في صياغة وبلورة "استراتيجية تربط بين أجزائها، أو تستند عليها في الخلف". أي أن حالة الاندماج الوطني في ظل دولة مدنية لازالت تجابه رياح عاتية وموج شديد الوطئة نابع من ذهنية وسلوك أفراد و أحزاب فئوية طائفية او قومية تعكس جذورا قبلية، مذهبية، أو ايدولوجية مصلحية. ترتيبا على ذلك نرى فشلا ملموسا في بناء دولة المؤسسات الديمقراطية نظرا تف لإفتقادها للشفافية وللمحاسبة القانونية. ضمن هذا التصور فإن استقلالية السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية في إطار "تحالف إدارة الدولة" يفترض أن تنطلق من الالتزام بهدف إستراتيجي لتحرر بلادنا من أية ضغوط أو إملاءات داخلية اوخارجية تستهدف إضعاف مؤسسات الدولة. من هنا تأتي اولوية إطلاق حرب شرسة ضد الفساد السياسي – المالي والاقتصادي بإعتبارها أولوية تقتص قضائيا من حيتان الفساد وتسترد الاموال المنهوبة. أموال الشعب التي تم تهريبها إلى الخارج واهدارها في الداخل (مايقارب 350 مليار دولار خارج العراق + الاموال المنهوبة داخل البلاد تصل لأكثر من 500 مليار دولار). الامر الذي ينقلنا إلى الخطوة الثانية في إطار الاستفادة من بناء دولة المؤسسات الحديثة مستندة إلى "بنك معلوماتي يتمتع بمصداقية" هدفه مواكبة متغيرات عصر التقنيات الرقمية والسايبرية الجديد دعما لإحداث "التغيير- الاصلاحي- الستراتيجي".

ثانيا: أولوية الحصول على معلومات ذات مصداقية لإحداث التغييرات الاساسية المطلوبة في هيكلية الدولة تفعيلا لصناعة القرار السياسي الداخلي والخارجي مصحوبة بإداء دبلوماسي مهني يحقق للبلاد مصالحها الستراتيجية. مسألة تحتاج وبشكل مستدام لاستقطاب أبرز الكفاءات المهنية ليتم توظيفها تحقيقا لإهداف الدولة الستراتيجية على ثلاث صعد (الوطنية – الاقليمية والدولية). من هنا ضرورة الركون إلى تحليلات معمقة يرسم صورتها أو أبعادها طاقم من المستشارين المخلصين للوطن يتميزون بالعمق المعرفي العلمي المتخصص لفهم ومعالجة تحديات كبرى مثل: 1. محاربة الفساد وآليات المطلوبة دوليا لمواجهته، 2. دراسة معمقة للتأثيرات الجيوسياسية تطرح مقترحات إبداعية تؤسس لمناطق واعدة بيئيا نسيجها "احزمة خضراء" تحمي البلاد والعباد من آفة الجفاف والتلوث البيئي وأخيرا جهود وطنية كبرى لمكافحة الجريمة المنظمة للقضاء على آفات مجتمعية من أمثلتها الاتجار والتعاطي بالمخدرات والبشر. إن تأسيس هيئات استشارية وطنية تتكامل في ادوارها وعلاقاتها مع المحيطين الاقليمي والدولي ستمكن من وضع أجندة مناسبة لإولويات السياسة الخارجية والدبلوماسية العراقية تتيح للعراق الحفاظ على مصالحه الستراتيجية وتنميتها من خلال المشاركة الفاعلة في إدارة الشأن الخارجي بالتعاون والتنسيق مع قوى المجتمع الدولي بما يمثله من قوى ومنظمات دولية على رأسها الامم المتحدة ووكالاتها المتخصصة. الخطوة اللاحقة لتفعيل القرار السياسي تنبع من أهمية إنتاج الخيارات والبدائل الممكنة لإيجاد حلول ناجعة تحفظ وتنمي مصالح العراق الحيوية في زمن يتسم بالتعقيد والمخاطر وتراكم وتلاحق الازمات الستراتيجية.

ثالثا: رسم خارطة مؤسسية للخيارات والبدائل الستراتيجية

إن رسم خارطة مؤسسية للخيارات والبدائل الستراتيجية مسألة غاية في الاهمية مضمونها تقديم وصفات علاج ناجعة تحفظ وتنمي المصلحة الوطنية العراقية. فمن المنظور الاقليمي لابد للعراق من الاهتمام ببلورة سياسة خارجية ودبلوماسية واضحة المعالم ترتب علاقات متوازنة محورها تنمية حقيقية مستدامة للمصالح المشتركة خاصة مع دول الجوار في إطار معادلة للمكاسب المتبادلة كمثال ضرورة تسريع عملية التفاوض مع دول الجوار لأنجاز إتفاق استراتيجي للربط الكهربائي ولزيادة حصص العراق من الاطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات خاصة وأن العراق يفتقد حاليا ل70% من مجمل حصصه. لاشك ان ابتعاد العراق عن سياسة الاستقطاب والصراع الدولي ستوفر للعراق مجالا حيويا للتحرك الستراتيجي المستقل بعيدا عن ضغوط وإملاءات خارجية نظرا لتمتع بلادنا بمصادر طبيعية، معدنية وبشرية حيوية لو أحسن استثمارها خلال 5 – 10 اعوام القادمة ستجعل منه قوة أقليمية مؤثرة في المحيط الجيوسياسي. إن موقع العراق على مفترق الطرق الستراتيجية التي تربط العراق بمنطقتي الشرق الاوسط والخليج العربي مع امتدادات جيوسياسية للربط العالمي تشكل واقع يغري الدول الاقليمية للتعاون والتنسيق مع العراق بغية تنمية المواقف والعلاقات المتبادلة في إطار تأسيس شراكات و"بدائل" للتحالف الاقليمي والدولي بعيدا عن الخضوع لهيمنة القطب الواحد (الولايات المتحدة الامريكية) نحو بناء شراكات للمصالح المتوازنة نابعة عن تعددية المصالح والاقطاب (الصين، الاتحاد الاوروبي، روسيا والدول الصاعدة). علما من المنظور الدولي لايزال الدور الستراتيجي الامريكي قطبا دوليا مهيمنا على الساحة العالمية مغطيا مساحة جيوسياسية واسعة من أوروبا، امريكا اللاتينية، جنوب شرقي آسيا، افريقيا و منطقتي الخليج العربي والشرق الاوسط. حالة تتطلب تأسيس إدارة عراقية مهنية متخصصة في تفصيلات الشأن الامريكي. علما بإن خيار الشراكة الستراتيجية مع الولايات المتحدة يرجع إلى مراحل إلاتفاق الستراتيجي مع الولايات المتحدة في عامي 2011 و 2014 المتضمن قضايا مهمة لابد من معالجتها وتقيمها جيدا: (ملفات أمنية – إستخبارية – اقتصادية - ثقافية –علمية –صحية –بيئية وتقنية). علما بإن الجهود الوطنية ستستمر في إطار مايلي:

اولا: ضرورة استمرار المواجهة الجادة الشاملة لمكافحة الارهاب وعصابات الجريمة المنظمة.

ثانيا: أولوية أنطلاق حرب شاملة ضد الفساد بمختلف مستوياته وانواعه وعلى رأسها ضرورة التصدي لجريمة منع تهريب العملة وغسيل الاموال مايؤكد أهمية التعامل المصرفي المهني لأستقرار اسعار الصرف للدينار العراقي بحدود مقبولة مجتمعيا واقتصاديا.

ثالثا: لابد من مجابهات مستمرة ضد آفات الاتجار بالمخدرات والبشر وغيرها من جوائح مجتمعية تضعف النسيج المجتمعي - الثقافي والاقتصادي.

رابعا: الضرورة القصوى لإعتماد اساليب، خيارات وبدائل متنوعة بهدف تبني شراكات وتحالفات أقليمية ودولية مثمرة. مسألة من الممكن أن تذكي الثقة المتبادلة بين صناع القرار والشعب من خلال الالتزام بما يلي: نهج قانوني –قضائي سليم، صياغة وبلورة سياسات حكيمة تؤكد أهمية العدالة الاجتماعية واخيرا الاستفادة من تجارب الدول الاخرى الناجحة في بناء الدولة. الامر الذي يستدعي تأسيس إدارات عراقية جيوسياسية متخصصة مهنيا تغطي أقاليم العالم خاصة التي للعراق فيها مصالح حيوية تستقطب كوادر مهنية رفيعة المستوى من وزارة الخارجية العراقية ومن الوزارات والمؤسسات الاخرى بعيدا عن التبعية للاحزاب وللتكتلات المساندة لنهج المحاصصة المقيت.

رابعا: مرحلة إتخاذ، تنفيذ وتقييم القرار: تعد مرحلة حيوية يجب أن تفي بإحتياجات ومطالب جماهير شعبنا المادية والمعنوية خاصة الطبقات الفقيرة والمحرومة والتي وصلت نسب الفقر فيها إلى أكثر من 30 بالمائة من مجمل عدد السكان خاصة في محافظات الوسط والجنوب. علما بإن شرائح المجتمع العراقي خاصة الاطفال، الشباب من الجنسين و كبار السن تحتاج لرعاية إنسانية مستدامة. علما بإن الطبقة الوسطى المعول عليها في بناء العراق الجديد لازالت تعاني من مشكلات وأزمات متراكمة (مالية واقتصادية ومجتمعية) في غياب دور ناجع للقطاع الخاص. الامر الذي يستدعي التقييم المناسب للقرارات التالية:

في حال أقرار موازنة 2023 لاحقا سيتبين لنا مدى نجاح وديمومة المسار الجيوسياسي، المالي - الاقتصادي – و التنموي الانساني في العراق.

• إقرار العقود الاخيرة لجولات التراخيص الخامسة لمشروعات الغاز الطبيعي (يمتلك العراق مخزونا من الغاز = 132 تريليون قدم مكعب قياسي يحرق منه 700 مليون قدم مكعب يوميا دون استفادة تذكر) مع شركات صينية وأماراتية (عراقية الملكية) ستقدم لنا ايضا مقارنة فارقة مع عقود سابقة في جولات تراخيص بين وزارة النفط والشركات النفطية الاجنبية.

أخيرا: إن أهمية متابعة وتقييم جميع العقود ومذكرات التفاهم التي ابرمت مؤخرا في ظل حكومة السيد محمد شياع السوداني أو سبق أن ابرمت في مجال الطاقة الكهربائية مع شركات عالمية رصينة (سيمنس، جنرال الكتريك والاخيرة توتال اينيرجيز الفرنسية – بقيمة 27 مليار دولار لتنفيذ اربعة مشاريع كبرى للغاز وللطاقة الكهربائية في عهد مصطفى الكاظمي) ستتضح نتائجها الفنية والاقتصادية ومدى أنعكاسها إيجابا على نوعية حياة المواطنين.

إن دراسة النتائج والتداعيات المترتبة عن القرارات الستراتيجية مسألة حيوية ينتظرها شعبنا بفروغ الصبر خاصة ما تعلق منها بتنويع مصادر الطاقة الخضراء من خلال تقنيات جديدة لأن نجاحها نجاح للعراق ولسياسته الخارجية وللنهج الدبلوماسي المنفتح على العالم الخارجي مشروعات ستفي بمتطلبات التنمية الانسانية المستدامة "إن أنجزت" وفقا لمعايير مهنية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram