كلودي بيرت

ترجمة: المدى

في العالم،لانسمع عن حدث عنيف أو حتى مأساوي لاترافقه أصوات هنا وهناك تندد بوجود مؤامرة. وينتمي هذا النوع من الشائعات إلى "نظرية المؤامرة". ويرى علماء الاجتماع بأن مايميز "عقلية التآمر"هو الميل إلى عزو أي حدث درامي إلى مؤامرة دبرت سراً من قبل فرد أو مجموعة أكثر أو أقل أهمية.

ويعتمد هذا النوع من التفكير على أربعة مبادئ أساسية يتفق عليها الباحثون أولها ان لا شيء يحدث بالصدفة. ؛ فإذا كان الزلزال قد دمر هايتي في كانون الثاني عام 2010، فذلك لأن الأمريكيين قد تسببوا به من قبل إحدى منظماتهم السرية.ويرى المبدأ الثاني ان كل ما يحدث هو نتيجة الوصايا الخفية. فبحسب رسالة نُشرت على الإنترنت بتاريخ 22 نيسان 2012، فإن "محمد مراح كان عميلًا سريًا ضحي به لإعادة انتخاب نيكولا ساركوزي".

أما المبدأ الثالث فيقول ان لا شيء كما يبدو.إذ يعلن رؤساء الدول ماذا قرروا،وكأنهم يحكمون، لكن القرارات يتخذها آخرون (مصرفيون، ماسونيون)ممن يحرك خيوط الدمى.بينما يرى المبدأ الرابع ان كل شيء مرتبط ولكن بطريقة غامضة. ففي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، تمكن السناتور جوزيف مكارثي من مشاركة عدد كبير من الأمريكيين هوسه المناهض للشيوعية، مما جعله يرى في كل مكان مؤامرة شيوعية ضد الشعب الأمريكي. حتى فلورة المياه تم تقديمها كجزء من هذه المؤامرة لإضعاف الناس.

ويمكننا اضافة مبدأ خامس اكثر حداثة إلى هذه المبادئ الأساسية الأربعة إذ يجب فحص كل شيء بعناية من خلال الانتقاد، وهي طريقة يطبقها منظرو المؤامرة المعاصرون، ففي كتبهم، وعلى مواقعهم الإلكترونية، يجمعون أدلة على المؤامرات التي ينددون بها. لكن نهجهم، الذي يصفونه بأنه علمي، يعاني من عيب أساسي فالمؤامرة التي يتم استنكارها تُطرح كحقيقة مؤكدة كما أن جمع الأدلة يستخدم فقط لدعمها. ويتم تجاهل الحقائق التي لا تتناسب مع الأطروحة المذكورة، وتلك التي تتعارض معها يتم رفضها، ويتم تفسير الحقائق الأخرى على أنها مقصودة.

وبالطبع، هنالك مؤامرات حقيقية. فلماذا ينظر أصحاب نظرية المؤامرة فقط إلى التاريخ بهذا الشكل، وينكرون أي دور للصدفة والخطأ البشري وإثبات الحقائق.ويمكن تفسير ذلك بأن الرؤية التآمرية مفيدة لأنها تحمي من القلق في عالم خاضع لتدفق متزايد باستمرار للمعلومات المعقدة، وخاضع لعدم اليقين،ويتمتع عالم المتآمر بميزة كونه بسيطًا: فكل من الأحداث أو الظواهر المؤسفة التي يتم التنديد بها - كالحرب، والبطالة، والفقر، واغتيال شخصية،أو هجوم - لها سبب واحد وهوالفعل التطوعي لمجموعة،والذي يُدان باعتباره تجسيدًا للشر.

كما ان الجماهير تحب أن يُروى لها الواقع كقصة جيدة، حيث يتم توحيد الحقائق المتباينة من خلال سرد يصل إلى نتيجة منطقية على ما يبدو.ومن خلال منح نفسه دور المُبلغ عن المؤامرة، يمنح مُنظِر المؤامرة لنفسه رؤية خاصة فهو لا يؤمن بكل ما يُقال له، ويرى الحقيقة مخفية وراء المظاهر ؛ ومن خلال الكشف عما اكتشفه، فإنه يقدم خدمة للمجتمع.

ويبدو ان التقدم العلمي والحضاري عاجز بما يكفي لمواجهة إغراء أعنف نظريات المؤامرة، اذ ترى الدراسات ان الإرهابيين وأعضاء الجماعات الطائفية والوهمية لايفتقرون إلى التعليم العالي. كما ان الايمان بنظرية المؤامرة أقوى بين الأشخاص ذوي المستوى التعليمي العالي مقارنةً بالأقل تعليماً. فبعد هجمات 11 ايلول2001 كشفت استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة ان 49٪ من سكان نيويورك، وهم ليسوا الأقل تعليماً في البلاد، اكدوا بأن الحكومة الأمريكية كانت تعلم بماسيحدث وامتنعت عن عمد عن مواجهته، ويبدو اذن ان التعليم يزيد من الفضول.وباختصار، فكلما زاد إيماننا بأن كل شيء ممكن، كلما كنا مستعدين للاعتراف به.كما ان الإنترنت في طليعة المتهمين بالتضليل. فالمعلومات وفيرة، لكنها سيئة التنظيم للغاية.

لقد تساءل بعض الباحثين في علم النفس الاجتماعي عن شخصية منظري المؤامرة: فهل نجد نفس السمات الشخصية في كل شخص؟ وهل هناك اختلافات في الدافع والشخصية بين منظري المؤامرة والأشخاص الذين، دون أن يتخيلوا المؤامرات بأنفسهم، يصدقونها بسهولة ؟ ووجدوا ان الأسباب الرئيسية للانضمام إلى هذه النظريات هي الإغراء الذي تمارسه نظرة عالمية بسيطة ومتماسكة، تقسم العالم إلى خير وشر، وتحدد بوضوح مصدر الشر، وبالتالي تجعل من الممكن محاربته او يستسلم المرء لجميع أشكال غسيل الدماغ.

ويرى الرأي العام أنه من الصعب محاربة إشاعات المؤامرة فكيف يمكن للأفراد الذين حددوا أحكامهم مسبقًا من خلال أنماط عقلية جامدة أن يكتسبوا القدرة على تغيير رأيهم؟ الجواب المتشائم هو أن الأوان غالبا ما يكون قد فات. خاصة عندما يعبّر صاحب نظرية المؤامرة عن نفسه علنًا، وتجعله أفكاره مشهورًا،كماهوالحال بالنسبة للعديد ممن أنكروا حدوث الهولوكوست. ووفقًا لمجموعة من الباحثين الأستراليين والأمريكيين، فإن أفضل الطرق هي تجنب تكرار الحجج التي نريد محاربتها وان نذكر فقط النقاط التي نريد إثارتها، ونكررها وان نستخدم القليل من الحجج، ونذكرها بقوة، ولكن بلغة بسيطة وان نحاول تشويه مصادر الاعتقاد الخاطئ فإذا هاجمناها وجهاً لوجه، فلن تكون هنالك فرصة لنظرية المؤامرة. وعلى سبيل المثال، إذا كان مؤيدو علم البيئة مقتنعين بأضرار التقنيات النانوية، فسنصر على استخدامها في حماية البيئة.

أخيرًا، أثارت عبادة الطبيعة عدم الثقة في كل شيء كيميائي، ووضعت نوعًا آخر من المتآمرين على الفور: المختبرات الصيدلانية، التي كانت ستصنع الإيدز بناءً على طلب قوى غامضة تسعى إلى إخلاء العالم الثالث من السكان والمختبرات البايولوجية التي صنعت فايروس كورونا لتقليل عدد كبار السن في العالم.

· كاتبة متخصصة في العلوم الانسانية