علي الياسري
-وماذا تقول القصيدة؟
-"آهٍ يا أبتاه المسكين، لو أنك تخمّن يومًا أي حُبٍ زَرعتَهُ فيَّ... وكيف أعشقُ من خلالِك كل ما هو موجودٌ في الأرض." كتبها رينيه غي كادو.))
من رواية (أَب سينمائي)
لا يقف النص السينمائي في فيلم المخرج والممثل البرازيلي سيلتون ميلو عند حدود التقيّد بما ورد في رواية الكاتب التشيلي انتونيو سكارميتا (أَب سينمائي) بل يتعداه الى ميزته الاهم وهي استخلاص روح الكتاب ومن ثم بناء السيناريو على جوهره. فلا الايقاع هو ذاته ولا البيئة محددة بأصلها التشيلياني بل يتعداه الى عولمة المكان رغم محليته البرازيلية مع خلق سرد يحتكم الى غموض الحياة المتنامي فضلًا عن الكشف لمواجهات عالم البلوغ التي يُشَيّد عليها الاصل الادبي. من الجميل ان تقرأ الرواية القصيرة لصاحب (ساعي بريد نيرودا) قبل الفيلم او بعده (لا فرق) لأنك ستدرك جمال الصنعة في العمل السينمائي وميزته في البناء على مزيج الصورة والموسيقى وذلك لرصد تقلبات الزمن والشخوص والمشاعر طبقًا لحركة الوقت بين الماضي والحاضر مع رسم مميز لملامح المستقبل. تتلمس منعطفات الحياة في عالم انساني تتقاذف فيه البشر تقلبات حادة تخرج من نطاق السيطرة، غير ان الاجمل هو تحديها الواقع لاعادة رسم خطوط العلاقات والعيش بما يمنح للروح رصيدها من دفء العاطفة وفيض الخيال وهدوء العيش في روتينه اليومي. بفيلم ميلو يكتنف الانتظار هواجس الصبر المشتعل والقدر المصنوع بمنعطفات متباينة الشدة لكنه ايضا يمنح نشوة الحب مذاقها اللذيذ المتفرد. تتوازن الشخصيات مع الحدث وتطور الحبكة والاهم كيف يصنع الحوار تقدم السرد من غير ان يخل بالتطور الدرامي او يكشف الانعطافات قبل اوانها. يمنح ميلو لمنهج الصورة بصريات حافلة بجماليات ذكية تدعم الحكاية وتغذيها بروح المكان مستمدة من الطبيعة تغيرات النفوس وخباياها وغواياتها.
(فيلم حياتي) رؤية مبصرة بوعي وشفافية فنية تنهل من الحقبة بمظهرها الاجتماعي وكذلك العلاقة بين ثقافات تتحرك على اوتار الادب والموسيقى وبساطة الاحلام ونقاء السريرة فتمزج ذلك نظرة فنية تخرج بتسلسلات مشهدية غاية في الجمال يكتسب منها العمل السينمائي روحًا سرية تتكشف خباياها لحظة انبثاق الضوء الساقط على شاشة بيضاء عملاقة.