إياد الصالحي
لم يخض المغامرة يوم كان مدرّباً مغموراً، وندم بشدّة على فشله فيها وهو في قمّة الشُهرة بين رجال التدريب الكبار حتى غدا شيخهم، فالعاصمة العُمانية مسقط علّمته أن مرافقة الصغار صعوداً الى القمّة ليست سهلة وتُنذِر بخطورة سقوطه مهما كانت نباهتهِ وخبرتهِ وتاريخهِ، وهو ما حصل!
عمو بابا حاصد الألقاب الخليجيّة الثلاثة برقم قياسي، وحامل الميداليّة الذهبيّة لآسياد نيودلهي 1982، وقاطع تذكرتي أولمبياد لوس أنجلوس 1984 وسيئول 1988 عجز عن تأهيل لاعبين تحت 16 عاماً الى نهائيّات آسيا عام 2000، فأعطى درساً بليغاً للمدرّبين الشباب ألاّ يستعجلوا الفرصة في تحمّل المسؤوليّة مع الفئات العمريّة، وعليهم أن ينتهوا من خوض تجارب عدّة مع الفرق المتقدّمة تتيح لهم التعلُّم من الأخطاء، وتقوية قدراتهم في صقل مواهب الصِغار بلا تردّد أو خوف.
ومنذ أن غادر عمو بابا وثامر محسن وجمال صالح وأنور جسّام وأكرم سلمان ونصرت ناصر وكاظم خلف وعبدالإله عبدالحميد، مهام العمل مع الناشئين والشباب بنتائج متفاوتة لم يمرّ المدرّبون أمثال عدنان حمد وثائر جسّام وأحمد راضي وناجح حمود وهادي مطنش وكاظم الربيعي وحكيم شاكر وحسن أحمد سوى بمحطّات محدودة كان المُتميّز بينهم عدنان حمد لسبب واحد كونه تواصل مع اللاعبين من مرحلة الناشئين والشباب والأولمبي ونال معهم لقب آسيا 2000 والمركز الرابع في أولمبياد أثينا 2004، ولكم أن تعقدوا المقارنة بين هذه الاسماء والمهام التي تحمّلوا مسؤوليّتها، وبين المدربين الذين سمّاهم اتحاد الكرة لقيادة الناشئين والشباب للفترة (2014-2023) وما هي التجارب التي برزوا فيها وكم لقباً حصلوا عليه، وما الفترة التي مضتْ على نجاحهم في الأندية والمنتخبات قبل المباشرة بتدريب الصغار، وما تقييم اللجنة الفنيّة لهم؟! نترك الأجوبة لأهل الاختصاص بالرغم من التصوّرات التي يحتفظ بها الجميع إزاء كل مدرّب بحياديّة بعيدة عن الشخصنة بدافع المحبّة والكراهيّة!
لا يمكن استمرار اتحاد الكرة بتوريط المدرّبين الشباب في مهام أكبر من قدراتهم المحدودة بذريعة منحهم الثقة واستغلال حيويّتهم فوق سن الثلاثين، وتفاعلهم في تنفيذ برنامج التدريب عمليّاً، ففي دول أوروبا يوجد عديد المدرّبين من عُمر " عماد محمد وأحمد كاظم " وآخرين، لكنّهم لا يجازفون بتسليم منتخباتهم اليهم، كون التحدّيات الكرويّة القاريّة والعالميّة لا تقلّ أهميّتها كلّما قلّت أعمار المشاركين، بل تمثيل البلد يقتضي الاحتراس من مجاملة مدرّب على حساب أنتهاك سُمعته بهزائِم أو أداء مُخجل لا يمكن قبول أي عذر له كالذي مرّرهُ عماد محمد في مؤتمر تبرير سوء إدارة ملاكه الفني لمباراة غير متكافئة مع أوزبكستان من ناحية عدد اللاعبين، وفقدان التركيز الذي اعترف به نتيجة غياب التوجيه السليم، وعدم استغلال الاستحواذ على الكرة وتحويله الى عمليّات هجوميّة منتظمة تهزّ شباك المنافس بطرق مُجرّبة في الوحدات التدريبية، فواجه هجمة مرتدّة من المُنتقدين حمّلوه أسباب التقهقر في الجولة الثانية من نهائيات آسيا 2023!
لم يبرز خلال الأعوام العشرة الماضية مدرب يستوعب قيمة تواجده على رأس ملاك تدريبي لأحّد المنتخبات العمريّة، كل مدرّب يرى نفسه الأفضل في تولّي المهمّة وأنه ظُلم كثيراً، وعندما يضع الاتحاد بين يديه مسؤوليّة 22 لاعباً يرى فيهم أمل اللعبة مستقبلاً ينتابه الارتباك ولا يُحسن البناء الصحيح للفئة العمريّة التي سرعان ما يخفق في عمله معها لعدم استناده الى تجارب ناجحة وخبرة علميّة كافية وفطِنة في اختيار اللاعب الماهِر مثلما أفرز جيل عمو بابا طاقات واعدة عبر أزمنة ذهبيّة لم يخضع خلالها لتأثيرات أي شخص خارج حدود مهمّته حتى لو كان ابن سُلطة!
نرى أن الملاكات الأجنبيّة المتخصِّصة مع الأشبال والناشئين والشباب والأولمبي هي المُنقذ للاتحاد في الوقت الحاضر، حتى يتخلّص من منح الفرص بمعايير شخصيّة لا تمتُّ بصلة لأهميّة الاعتناء بجذور اللعبة وفقاً لمُدد التحضير، وتفرّغ اللاعب للمهمّة بوقتٍ مناسب، وتهيئة برنامج تغذيته وجدول تمارينه ومعسكراته وبطولاته، وإلا فإن إهمال الزرع الأول اليوم سينتهي بحصد ثِمار فجَّة بعد 10 سنوات يعاود الجمهور التندّر بقصور العقليّة الفنيّة المحليّة!