عدوية الهلالي
كان الشاعر والفنان التشكيلي العراقي المعروف عبد الرحمن طهمازي معلما قبل عقود مضت..وقد روى لنا ذات يوم احدى الحوادث التي مرت به حين كان يمارس مهنة التعليم في احدى القرى العراقية الصغيرة..
يقول طهمازي انه كان يسكن في بغداد ويذهب يوميا الى قرية خارج العاصمة ليمارس مهنة التعليم..ذات يوم، هطل المطر بغزارة شديدة وغرقت المدرسة في بركة من المياه..كان على المعلم الشاب ان يخوض في المياه والطين ليصل الى الشارع الرئيسي حيث يمكنه الحصول على واسطة نقل تنقله الى بغداد..
حين خرج من الباب الرئيسي للمدرسة، فوجيء بعدد كبير من الطلبة وقد اصطفوا واحدا جنب الآخر لتتقارب اقدامهم ويتمكن المعلم من ان يدوس عليها بمساعدتهم حتى يصل الى الشارع دون ان يلطخ الطين حذائه...اذهل المنظر المعلم وخجل من السير على اقدامهم لكنهم اصروا على ذلك فهذا ابسط مايمكن ان يقدموه للمعلم الذي ينير طريقهم يوميا بالعلم والمعرفة...
وحدثني زوجي أيضا عن معلمه الذي أخذه في بداية السبعينات مع طلبة الصف السادس الابتدائي من قريتهم الى مركز المحافظة ليقيم معهم في احدى المدارس طوال أيام الامتحانات الوزارية ويطهو لهم بيديه ويراجع لهم دروسهم وياخذهم الى المركز الامتحاني يوميا وبدون أي مقابل مادي، واذكر مدرسة اللغة العربية التي كانت تأتي الى مدرستنا يوميا في السادسة صباحا طوال فترة الامتحانات لتساعد الطالبات على المراجعة قبل الامتحان وبدون أي مقابل مادي أيضا..
في المقابل، أرى أغلب اهالي الطلبة اليوم وهم يشاركون في سلف او يضحون برواتبهم لدفع اجور معاهد او قاعات الدروس الخصوصية التي يضطر الطلبة الى الالتحاق بها بسبب تقصير بعض المدرسين في ايصال المواد لطلبتهم او استسهال الطلبة انفسهم لعملية الدراسة بالاعتماد على غيرهم وهي معادلة أفرزتها الظروف التي مرت بالبلد وألقت بظلالها على التعليم فلم يعد الطلبة يمتلكون الأمل والطموح ذاته الذي كان يغذينا ويدفعنا الى بذل الجهود الفردية المضنية لتحقيق النجاح بمساعدة معلمين ومدرسين يخلصون لعملهم ويعتبرونه رسالة تسهم في صنع الأجيال وبناء الوطن..تلك المعادلة التي أفقدت المعلم مكانته كرسول يستحق التبجيل ويمكن ان يتعرض للضرب والاهانة من طلبته او اهاليهم او القوات الامنية اذا ماخرج في تظاهرة ليطالب بحقوقه والتي جعلت الطالب يكره الدراسة وينتظر القرارات الجديدة من دخول شامل ومنح دور ثالث لينال النجاح او ربما ينتهج اساليب الغش وشراء الذمم ليعبر مراحل الدراسة بسهولة. وبعد ان كان الامتحان معركة يكرم المرء فيها او يهان أصبح التعليم مرحلة يمكن عبورها باستخدام وسائل مساعدة عديدة آخرها دخول كليات اهلية ترهق الأهالي لكنها تستقبل الطلبة مهما كانت مستوياتهم ضعيفة وباتالي يمكن ان يتساوى المجتهد مع الخائب..
في عيد المعلم الذي استقبلنا به هذا الشهر سنظل نأمل ان تعود للتعليم هيبته وتعود للمعلم مكانته ويعود للطالب طموحه وجديته وسنظل نقتات من ذكرياتنا عن التعليم في سنوات مضت وعن المعلمين الكبار الذين احترقوا كالشموع ليضيئوا لنا دروبن