TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > طرد آدم وحواء من الجنة بين الاسطورة والدين..

طرد آدم وحواء من الجنة بين الاسطورة والدين..

نشر في: 8 مارس, 2023: 11:15 م

سلام حربه

لم يترك السومريون أمرا من امور الحياة الا وصنعوا منه سفرا عظيما، من خلق الكون الى خلق الانسان والحيوان وتصوير كل ما مرّ على الالهة والبشر من أحداث وكوارث وامراض، ولم ينسوا ما كان يراود البشر من امنيات واحلام.

هذه الاسفار اظهرت للاجيال والحضارات اللاحقة سعة معارفهم وعظمة تفكيرهم رغم انهم سجلوا حين ظهروا على الارض تاريخ البشرية ومشاعيتها البدائية ثم صوروا بعد ذلك مراحل تطورهم اللاحقة. الهة السومريين كانوا خالدين في الجنة اما الانسان الذي خلقه الاله انليل فقد حرمه من الخلود وطرده من الجنة لأنه اكل من ثمار شجرة المعرفة التي منعه من الاقتراب منها وتذوق ثمارها، لقد صور السومريون الفردوس ( الجنة ) حيث يعيش فيه الاله أنكي اله الماء العظيم وزوجته ننخرساج الام، كان انكي يسقي الارض فكانت الجنه بخضرتها وثمارها ومنابع انهارها العديدة، كانت اسطورة الجنة عند السومريين ( اسطورة دلمون ) تعبيرا سلبيا عن رغبة في التغيير نحو حياة افضل ولكن هذه الرغبة لم تتحقق فاصبحت حلما ينتظر..

( ارض دلمون مكان طاهر، ارض دلمون مكان نظيف، ارض دلمون مكان مضيء،في ارض دلمون لا تنعق الغربان، ولا تصرخ الشوحة صراخها المعروف،حيث الاسد لا يفترس احدا، ولا الذئب ينقض على الحمل، ولا الكلب المتوحش على الجدي،ولا الخنزير يلتهم الزرع، حيث لا احد يعرف رمد العين، ولا احد يعرف آلام الرأس، حيث لا يشتكي احد من الشيخوخة، ولا تشتكي المرأة من العجز، حيث لا وجود لمنشد ينوح، ولا لجوال يعوّل.)..

طرد آدم وحواء من الجنة السومرية ( دلمون ) لم يحصل المنقبون في الزمن الحديث على لوح يشير اليه بسبب تفتت الاف الالواح الطينية التي وجدت في المكتبة الملكية التي اكتفشها المنقبون ومنهم المنقب الانكليزي ليونارد وولي عام 1922 في اوروك وذكر في كتابه ( الطريق الى الاثار ) كيف تعامل مع هذه الالواح الطينية التي كان يقدر عددها عشرين الف لوح، وقد عمل لها افرانا من بخار الزيت استطاع ان يحافظ على المتبقي منها، هذه الاسطورة السومرية اقتبسها البابليون وفي جنتهم حين كرّم الاله انليل اوتونابشتم وزوجته لانهما انقذا الحياة على الارض من الطوفان واسكنهما في جنه دلمون السومرية حيث منابع الانهار وهي مسكن الالهة والبشر الخالدين. اما طرد آدم من الجنة فهناك اسطورة سميت ( اسطورة آدابا ) وآدابا هو آدم، هناك تقارب في اللفظين وقد عثر على هذه الاسطورة في مكتبة اشور بانيبال ..آدابا مثّل الخسارة للحياة الابدية وجَلب الموت على ذريته..( في تلك الازمان ابن اريدو الحكيم، إيا خلقه ليكون اول البشر ورائدا لهم، خلق آدابا الطاهر حافظا للمعبد، قيما على الشعائر، كان يقدم الطعام والماء كل يوم لأريدو، وبيده الكريمة خط الالواح المقدسة، التي لم تكن توجد لولاه، كان يشرع مركبه ويصطاد السمك لاريدو، آدابا ابن إيا كان يثوب مساءً الى بيته، وذات مرة هبت الريح ودفعت بمركبه بعيدا، لقد هبت الريح واغرقته، قال آدابا سأكسر لك جناحك، ما ان نطق فمه بذلك، حتى كسر جناح الريح، ولسبعة أيام لم تهب على ارض آنو، نهض آنو من عرشه وصاح قائلا ( ليأتوا الي به )، عرف إيا بالامر وهو المطلع على مجريات السماء، فألبس آدابا شعرا طويلا، وزوده بوشاح يضعه عليه، ولسوف يقدم آنو لك طعام الموت فلا تأكله، وشراب الموت سيقدم اليك لا تشربه وسيعطونك عباءة البسها، وزيتا فادهن به نفسك، فهدأت خواطر آنو ولبث ساكنا: لماذا كشف إيا لانسان غير مقدس مكنونات السماء والارض ..؟ لقد جعله قويا وجعل له اسما فماذا نصنع به..؟، هاتوا له بطعام الحياة ليأكل منه ولكنه لم يقربه، وشراب الحياة فلم يشرب منه، نظر آنو اليه وضحك منه: تعال يا آدابا لماذا لم تأكل ولم تشرب..؟ اليست صحتك على ما يرام..؟، لقد أمرني إيا سيدي الا آكل ولا أشرب، قال آنو خذوه واعيدوه الى الارض)..

لقد عثر على ختم بابلي منقوش عليه رجل وامرأة يجلسان متقابلين وبينهما شجرة، يمدان يديهما الى ثمارها وخلف المرأة حيّة طويلة في وضع اشبه بالهامس في اذن المرأة..اسطورة طرد آدم وحواء من الجنة وجدت في التوراة ( الجنة التوراتية في شرق عدن عند منابع الانهار الاربعة جيحون وفيشون وحداقل والفرات) وهي شبيهة للاسطورة والختم السومريين البابليين ويتفق العلماء على ان ما ذُكر في العهد القديم دون في زمن سبي اليهود في بابل واطلاعهم على هذا الكنز المعرفي ( واخذ الرب يهوه الاله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها، واوصى الرب الاله آدم قائلا، من شجر الجنة تأكل اكلا واما شجرة المعرفة والشر فلا تأكل منها ) العهد القديم، سفر التكوين 2: 15_ 17 .. وحتى العباءة التي أعطيت الى آدابا تشبة الرداءين اللذين اعطيا لآدم وحواء ليلبساهما عشية خروجهما من الجنة ( وصنع الرب الاله لآدم وامرأته اقمصة من جلد والبسهما ) وايضا هناك تشابة كبير بين الرواية التوراتية وبين ملحمة كلكامش وذلك بحصول المعرفة من خلال الفعل الجنسي و( اكل الثمرة ) والحيّة المسؤولة عن خسارة الخلود في كليهما ( تعثر انكيدو في جريه، لم يعد كما كان،ولكنه صار ذكيا واسع الفهم والمعرفة ). الحية في ملحمة كلكامش البابلية هي من أكلت نبتة الخلود وحرمت كلكامش منها والحية في التوراة أحيل جميع الحيوانات البرية ( قالت للمرأة، احقا قال الرب لا تأكلا من شجرة الجنة، قال الرب لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا، قالت الحية لن تموتا، بل الرب عالم انه يوم تأكلان منه تتفتح اعينكما وتكونان كالرب عارفين الخير والشر، وقال الرب لآدم : لانك سمعت اقوال امرأتك واكلت من الشجرة التي اوصيتك قائلا لا تاكل منها ملعونة الارض بسببك، لانك تراب والى تراب تعود..) العهد القديم..كما ظهرت قصة طرد آدم وحواء من الجنة في القرآن الكريم ( ويا آدم اسكن انت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين، فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة الا ان تكونا ملكين او تكونا من الخالدين..) سورة الاعراف: 19_ 20 .. وانتقلت اسطورة ابتلاء الانسان بالشرور والامراض والاوبئة من سومر الى الاقوام الاخرى ، اسطورة بندورا اليونانية، التي تصور المرأة سبب الشرور والامراض، كذلك وجدت عدد من الاساطير عند القبائل القديمة التي تتحدث عن ان المراة هي سبب عدم خلود الانسان..يبقى هذا السفر السومري ( سفر الفردوس المفقود ) يصور عذابات الانسان بعد انتقاله من المشاعية وعدلها الى جور الرق والعبودية حيث حرمت عليه المعرفة كي يبقى اسيرا واعمى عند اسياده الالهة لا عمل له الا خدمتها ابد الدهر وحين ينتفض تصب عليه اللعنات والامراض وعلى جنسه..الاساطير السومرية تصور التطور الاجتماعي للبشر من مرحلة الخلق الاولى وحتى عتبات التمدن والحضارة وتطرقت حتى الى الصناعة وما تفعله من تطور في حياة البشر..حقا انها اسفار خالدة..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. امل اسماعيل

    اين قرات هذه الكتب وكيف احصل عليها ومااسمائها

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram