اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عمارة محمد الصوفي.. المتاحة

عمارة محمد الصوفي.. المتاحة

نشر في: 12 مارس, 2023: 11:14 م

د. خالد السلطاني

معمار واكاديمي

اصدر المعمار محمد الصوفي (1985) كتابا جديدا بعنوان "بيت، شارع، مدينة" (2021)، <الناشر: دار الحكمة، بغداد/ لندن، عدد الصفحات 368 صفحة من القطع المتوسط>،

وهو كتاب يتضمن كما يدل عنوانه الثانوي على "مقالات حول العمارة والعمران". كتب تقديم الكتاب المعمار العراقي معاذ الالوسي (1938). كما اهدى المؤلف كتابه الى <خالد مطلك: معلماً وصديقاً>. ومحتوى الكتاب في الاصل كما يخبرنا المؤلف هي مقالات منشورة في الميديا العراقية وبعضها كتب خصيصا لمناسبة صدور الكتاب "بهدف أن تخرج المواضيع سوية بشكل أكثر اتساقاً وتكاملاً" (ص. 7) (كما يبين ذلك "الصوفي" في افتتاحيته لكتابه).

ثمة مواد لمقالات عديدة ومتباينة في مواضيعها (يبلغ عددها 69 مقالة) هي عموماً "الجسم االنصي" للكتاب، بيد ان ما يربطها كلها او ما يسعى اليه المؤلف من هدف هو تقديم "العمارة" و"العمران" الى القارئ بصورة جد متاحة وجد مفهومة، رغم ما توصف به العمارة والعمران، احياناً (دوماً؟!) بانهما موضوعان مهنيان يخصان "النخبة" فقط. في كتابه "بيت، شارع، مدينة" يطمح محمد الصوفي الى تعديل وتغيير تلك النظرة التى لازمت النشاط المعماري طويلا لدى كثر من القراء. وسنرى عند اطلاعنا لمحتوى الكتاب بان المؤلف استطاع ان يحقق مراميه في هذا المجال رغم عسر ووعورة الطريق الذي اختطه. وغدت العمارة مع العمران لديه موضوعين شيقين وجذابين والاهم يمكن ادراكهما بسهولة ويسر. وفي ظني، فقد لعب اسلوب اللغة الواضحة والبسيطة الموظف في اعداد "سردية" الكتاب دورا اساسيا وجوهريا في تحقيق مرامي المؤلف. بعبارة اخرى ثمة "شغل" (شغل عميق ومجتهد!) بذله المؤلف لجهة "تيسير المستعصي من الافكار"، مانحاً قراء كتابة فائدة مهنية ومتعة قراءة.

ينطوي الكتاب على "ثيمات" عديدة لمقالات متباينة بمواضيعها المختلفة يتعاطي معها محمد الصوفي من دون وجل او خشية، متنقلا بسهولة ويسر ما بين مواضيعه المتشعبة. ويبقى همه بالاساس منصباً في "ايصال" المعلومة: اية معلومة يراها جديرة في اثراء ثقافة القارئ واغناء ذخيرته المعرفية. واذا تفحصنا عناوين مقالات الكتاب، فان تلك الرغبة الشديدة لدى المؤلف في تحقيق مثل ذلك التوق المعرفي تتجلى بصورة واضحة وسريعة.

جدير بالذكر ان القضايا المثارة من قبل "الصوفي" في كتابه المنشور، تنطوي على مواضيع تنتمي الى امكنة مختلفة ومناطق جغرافية متنوعة. فالمؤلف الذي نعرف بانه <عراقي>، درس العمارة في جامعة البوليتكنيك في ميلانو/ ايطاليا، مكثفاً من إهتماماته المعرفية بالتعرف عن "الآخر" المختلف. اذ يبدو من بعض نصوص مقالاته المنشورة والمتعلقة "بالمكان" الايطالي، من أن "الصوفي" لم يكن همه مقتصراً، كما لم تكن عنايته محصورة في الحصول على لقب شهادته الجامعية فحسب، وإنما الانغماس، ايضاً، في الشأن الثقافي الايطالي والمشاركة الفعالة في قضايا تلك الثقافة وإشكالياتها المطروحة. بمعنى آخر، لا يرتضي الصوفي لنفسه، مثلما لا يرغب ان يخلق "حواجز" مانعة، تسّوغ له "وهم" التركيز على دراسته لوحدها من دون معرفة شاملة لخصوصيات تلك "الحاضنة" التى تنمو فيها "قيم" ومبادئ مدرسته الاكاديمية التي يتعلم فيها؛ تلك الحاضنة التى اضافت غنًى وثراء الى ذهنيته المتقدة، وارشدته في كيفية التعاطي مع الاشكاليات المثارة باستجابات متعددة كفوءة وغير تقليدية. في مواضيع مقالات ذات الارقام 14، 25، 26، 32 و64 وفي غيرها، نشعر بذلك "النَفَس" الجديد والطازج لحضور "الآخر"، النابع عن <عقلية> ذكية وحاذقة في آن.

ما يميز نصوص كتاب <بيت، شارع، مدينة> ليس فقط وضوخ اللغة المستعملة والبسيطة التى تحدثنا عنها. ما يميزها ايضاً ويفرقها نزعة الاختصار والاختزال اللذين وسَما تلك النصوص بطابع خاص. ثمة مقدرة لافتة يمكن للمرء ان يستشفها لدى المؤلف، تجعل من تلك النصوص المقتصدة (هل اقول المتقشفة؟!) في كلماتها كافية في ايصال افكار المؤلف الى متلقيها بصورة متقنة وفعالة. معلوم ان تلك الخاصية في منهجية الكتابة واساليبها لم تأتِ من فراغ. انها مدينة لقراءات غزيرة و معمقة والخروج منهما بنتائج محددة منحته تلك المقدرة والتمكين. ففي غالبية المقالات المنشورة لا تتجاوز نصوصها عن 600 -750 كلمة (اقل او اكثر بقليل)، لكنها الى حد كبير تفي بالغرض، وتوصل المعنى المطلوب ايصاله الى المتلقي.

يستخدم محمد الصوفي في كتابه المنشور اسلوبا جديدا (اراه رائدا) في ادبيات ممارسات النشر العربي. فهو في توظيف "الصور الفوتوغرافية" بكتابه، يلجأ الى ذكر مصدر تلك الصور الملتقطة سواء تلك التى التقطها هو المؤلف، ام غيره من المصوريين. انه يعرف جيدا، كمصور مجتهد، قيمة اللقطة المصورة واحيانا مدى الجهد المبذول من مصورها في تصويرها واتمامها وإطلاعنا عليها، ولهذا فانه يصرّ على تسمية "صاحبها" مقراً بامتنانه الشخصي واحترامه لجهد "الآخرين" الابداعي. كما يشير في حقل المصادر الى "مرجعية" كل مقال منشور في كتابه تسهيلا للقارئ الذي يرغب الحصول عن اِسْتِفاضَة وتَّوَسُّع في الموضوع المنشور. (يستخدم محمد الصوفي كلمة "بيبلوغرافيا" الاجنبية كناية، طبعا، عن <المصادر والمراجع>، لكني لم افهم "سايتوغرافيا" الكلمة المشاركة لعنوان "البيبلوغرافيا" في كتابه، وماذا يقصد بها؟ هل، هنا، ثمة <خطأ مطبعي؟>!).

وطالما نحن نتحدث عن طبيعة ثيمات المقالات المنشورة، تفاجأت وانا اتصفح كتاب "بيت، شارع، مدينة" بوجود المقالة المرقمة (67)، والمكرسة لشخصي المتواضع بمناسبة بلوغي الثمانين. لم اكن مطلعا عليها من قبل، كما لم يشر الصوفي، بادبه الجم، عنها، ولم يرسلها لي عندما نشرت. واذ احييه على اهتمامه بما اكتب، اود هنا وامام قرائي الكثر، ان اقدم شكري وامتناني العميقين له على تلك المقالة الجميلة التى اسعدني كثيرا قراءتها واسلوب تناولها. شكرا محمد العزيز!

شخصيا، اتابع، باعتزاز، مسار محمد الصوفي الكتابي. ذلك المسار الذي بَدَأه اولا عندما شرع يوماً في ترجمة كتاب شيق ومفيد و.. مختزل ايضا بعنوان " 101 شئ تعلمته في قسم العمارة" وقد صدر بالعربي بترجمته في عمان سنة 2012. ثم "أنغمس" لاحقا في كتابة مقالات في الشأن العمراني في الصحف المحلية، مثريا ذخيرته المعرفية في الكتابة وساعيا وراء اصطفاء مقاربة خاصة به جراء اصغاءه لتعليقات قرائه، وايلاءه إهتماماً زائداً لردود القراء على ما يكتب وما يثير من قضايا مهنية جديرة بالحوار والمناقشة والبحث. وامل بان كتابه ""بيت، شارع، مدينة" الحالي سيكون حافزا ودافعا له في تأليف كتب مهنية اخرى، بذات اللغة الجميلة والبسيطة: المعبرة والمميزة، التى وسمت اسلوبه الكتابي، مثريا بذلك الخطاب المعماري المحلي والاقليمي على حدِ سواء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram