بقلم نجيب المانع إذا دخلتَ مكتبة إنجليزية أو فرنسية وسمعتَ أحداً يطلب قاموساً فلابد أنه يطلب الطبعة الأخيرة منه ، لان كل عام يمرّ على البلدان المعنية بالكتابة والمهتمة بالتعبير هو عام مشحون بولادة كلمات وانتهاء كلمات ، فيفصح القاموس قائلاً إن كلمةً ما صارت متحجرة أو قليلة الاستعمال أو عتيقة
كما يبين ضمه لكلمات جديدة أفرزتها العلاقات البشرية والعلوم والاطرزة والسياسة والاقتصاد وهي كلمات تدخل الاستعمال اليومي لا التخصيص فالقواميس التخصصية كثيرة ولها أصحابها.rnالقاموس الانجليزي يصير، وهو في صيرورة دائمة ، فهل كذلك القاموس العربي ؟ لا أعتقد. ذلك لان القاموس العربي صار وانتهى فهو قديم ، فكأنك اذا بحثت عن قديم القاموس العربي صرتَ أكثر إجادة للغة العربية ، فأية سخرية هذه من اللغة الحية ! اذن ليست اللغة الفصحى وحدها هي المنفصلة عن لغة التخاطب بين العرب، بسبب اللهجة العامية ، بل اللغة الفصحى أيضاً التي نكتبها منفصلة عن اللغة الفصحى الموجودة في أهم القواميس العربية كلسان العرب أو تاج العروس . علاقتنا مع اللغة العربية علاقة يسودها الماضي وعلاقة الاوربيين مع لغاتهم يسودها الحاضر والمستقبل . ليس هذا بسبب فقر اللغة العربية بل بسبب اعتبار القديم هو الجوهر والأساس وكل شيء جديد هو مزور ومدخول وغريب . ليس ضعف التعبير لدى الخطيب العربي أوالمتحدث العربي متأتيا من ضعف القدرات التعبيرية، بل في الامكان أن يُعزى بالدرجة الاولى إلى انعدام طواعية الكلمات بسبب كون الألفاظ غير محسوسة ، بعيدة .أراني شخص إنكليزي اسمه هارولد رسالة تلقاها من صديق له يزور البلاد العربية للاطلاع على ملامحها الحضارية ، قال لي إنها واحدة من رسائل عديدة يدون فيها صاحبه انطباعاته، وكان موضوع هذه الرسالة أن العرب لا يمتلكون قاموساً لغوباً واسع الإحاطة حديثا ، وأُترجم فيما يلي بعض ما يقول : ( اُريد أن أُحدثك عن أُمة قوامها اكثر من مئتي مليون شخص ذات تأريخ عريق وأدب متميز وممتاز في الوقت نفسه ، وقد أدهشني إبما إدهاش أن مثقفيها يفخرون بامتلاكهم لقواميس مضى على تأليفها مئات السنين ، منها القاموس الذي يُدعى بلسان العرب ويقع في مجلدات عديدة وضعه ابن منظور ، ومنها القاموس الذي يُدعى بتاج العروس للزبيدي ، وهو شرح لقاموس أسبق منه يسمى القاموس المحيط وضعه الفيروزابادي ، وكلها يُعاد طبعها كما هي عليه منذ قرون ، وتراهم يحتجون بمعاني الكلمات مثلما وردت في تلك الابعاد السحيقة . إنها قضية عجيبة في نظري ، فتصور يا هارولد لو أحدنا يحتج لكلمة اليوم بقاموس انكليزي وضع قبل مائة عام !" حين يستشير أي شخص معني باللغة الانكليزية بواحد من قواميسها الكبرى فهو ينظر قبل كل شيء الى طبعته فإذا وجدها أن ثلاثين سنة مضت عليها دون إضافات ، اعتبرها مثل عملة ورقية توقف التعامل بها ، وفي أحسن الأحوال ( ولاسيما اذا كانت الطبعة قديمة جداً ) مثل عملة معدنية ذات قيمة متحفية رفيعة ، غير أنها لا تصلح للتعامل اليومي في السوق ، بينما ينظرون هنا الى القاموس العربي باعتبار أن الكلمات فيه محددة العدد نهائية المعنى قيمة ، لا تتجدد ولا تنمو ولا تتراكم عليها دلالات جديدة فنياً وتأريخياً ، وهكذا يسيطر الماضي على الحاضر ، وتنحني كلمات اليوم للمعاني الماضية ، وافظع ما عندهم هو قول لغويـيـهم " قلْ ولا تقلْ " . صحيح أن عندهم قواميس تخصصية للدبلوماسية والعلوم والقانون وغير ذلك ، إلاّ أن اللغة بمفهومها العام الشامل ، لغة الكتابة والرأي والتفاهم والشعور تستند الى تلك القواميس القديمة التأليف الجديدة الطبعات . في اعتقادي أن لا بأس من طبعة تتجدد لقاموس لسان العرب ولكنها يجب أن تكون طبعة مزيدة وفقا لآخر الدلالات والاستعمالات الحديثة، مثلما يكون عليه قاموس روبير أو قاموس لاروس الفرنسيان، أو في الانكليزية قاموس وبستر وقاموس اوكسفورد الكبير مع ملحقاته وقاموس اوكسفورد الأقصر.تعلم أنني اهتممتُ باللغة العربية قبل أن أغادر انكلترة فدرستها في الجامعة وازددتُ اهتماما بها حين أمضيتُ هذه المدة في البلدان العربية . إنها لغة ثرية للغاية ، مرنة ، قادرة على استيعاب المفاهيم المعاصرة ، فنحن الانكليز نستند الى اليونانية واللاتينية وحتى الفرنسية عندما تظهر فكرة جديدة. أما العرب ففي لغتهم العريقة خزين هائل من التراكيب يستخرج منها الباحث الحديث ما يشاء إذا أحسن الانتقاء وأجاد تركيب جملته . نحن نقول مثلا كلمة De`tente : الفرنسية والعرب تقول" الانفراج"ونحن نقول : Cul de sac` الفرنسية والعرب لديهم " طريق غير نافذة " ونقول عبارة pri`mus interpares اللاتينية، والعرب لديهم " الاول بين متساويـين" ونحن نقول كلمة انثرولوجي اليونانية والعرب لديهم" الأناسة " ونقول " سايكولوجي " اليونانية ايضاً ولديهم " علم النفس " ولو أن انكليزياً اشار الى علم النفس بالفاظ انكليزية خالصة كأن يقول The Science of the Spi
الـقـامــوس الـعـربـي نـاقــة نـوويــة
نشر في: 1 أغسطس, 2010: 05:35 م