طالب عبد العزيز
عربة بدولابين حديديين مؤطرين بالربل الصُّلب، الذي يؤتي به فضلة عربات ودبابات الجيش الانجليزي، بالشعيبة وبحصان واحد كان الفلاحون يقطعون الطريق من ابي الخصيب الى البصرة القديمة، حيث يبيعون غلّاتهم في سوقها، ومن هناك تاخذهم النداءات الى المساجد.
كانت السيمر، المحلة الصغيرة المحصورة بين النهر المتفرع من نهر العشار غربا الى شريعة بن نصري ومحلة الفرسي شرقا ومن نهر العشار شمالا الى محلة محمد جواد جنوبا مقصدَ هؤلاء الاتباع، وجامعةً لأكثر من أربع أو خمس من الفرق الاسلامية، المتصالحة في العلن، ولا يتسترُ فقهاؤها على خلافاتهم في منازل الأهلة والجمع والافراد في الصلاة والنكاح ومقادير الزكوات حتى ليلة خروج السيد أمير محمد القزويني من مسجده الى الكويت سنة 1971.
ربما كانت السيمر آخر تمظهرات الحياة الاجتماعية والدينية في البصرة القديمة. كنتُ قد شهدتُ بعضها، ففي المحلة الصغيرة يجتمع بأتباعهم ثلاثةٌ من كبار فقهاء الشيعة( الاُ صولية، والشيخية، والبحرانية) كلٌّ له مراجعه وطريقته في التعبد والولاء، ويقابلها أكثر من مسجد وخطيب لأهل السنة، من الشافعية والمالكية والحنابلة، وما كنيسة مريم العذراء للسريان الأرثوذكس في البصرة، ولا كنيسة الأرمن الأرثوذكس ولا كنيسة مار توما للكلدان ببعيدة عنها، وكذلك كان كنيس اليهود بالبصرة القديمة، وهكذا كانت تكية الولي الصوفي عزِّ الدين، والتكية الردينية، وقد أقول هناك مكان مجهول للبهائية ايضاً، وربما تهدمت ابنية ومات عنها فقهاؤها وعلماؤها لأكثر من مذهب وطائفة وطريقة وحزب سياسي، وما مقبرة محمد الجواد ببعيدة عنها، هل أقول بأنَّ المساجد كانت تتداخل مع بيوت المومسات؟
حتى أواخر العهد العثماني ودخول الانجليز كان سوق كاظم آغا أكبر الأسواق في محلة السيمر، سوق تباع فيه البضائع القادمة للمدينة من بقاع الارض آنذاك، بما في ذلك القادمة من افريقيا، وقد نشطت تجارة العاج والاخشاب، وفيه فندق يسكنه التجار، الذين تضطرهم بضاعتهم الى المبيت، ومنها كانوا يتسللون الى المقاهي والمطاعم والسينمات والمسارح، فالمدينة عرفت المباني تلك منذ القدم. يتحدث رجب بركات في كتابه (بلدية البصرة) عن أكثر من 100 مقهى، وعشرين محلاً لبيع الشاي، ويسمي بعضها، ففي محلة الكواز تقع مقهى ريحان، ومقهى جسر الملح، ومقهى البخارية في سوق كاظم آغا، وأخرى على نهر العشار، قرب جسر غربان، ومقهى الحماميل في محلة السيف-تلاصق السيمر- وهناك مقهى القبلة والعرصة والعبايجي وكلها في محلة السيمر.
ليست المقاهي حسب هي التي تجاور مساجد مجموعة الفقهاء في المحلة هذه إنما دور السينما والمسارح وأماكن شرب الخمرة. أجتهد بعض أصحاب المقهى فأنشأ مسرحاً، يستمتع الحضور فيه بمجالسة الغواني. هناك مقهى سلمان صبر، ومسرح في فندق فوز، ولا يبعد أوتيل وملهى الخورة عن محلة السيمر كثيراً، في الاوتيل هذا يشرب البصريون خمرتهم، ويستمتعون باغاني المطربات والفنانات مثل الفنانة رحلو، والمغنية طيرة وغيرهن.. وبالقرب من مقهى اولكر تقع مستشفى الغرباء، ياه، هذه المدينة كانت تؤوي الغرباء منذ مئات السنين إذن، لذا، كانت المغنية رحلو تعقد سهرات رقص وخمر ومجون لهم قبل موتهم.
لم يقتصر حضور المقاهي والمسارح والملاهي على طبقة كبار موظفي الحكومة فقد دخلها الضابط في الجيش، والتاجر الغريب، والمسافر المتأني وغيرهم. في احصائية نشرتها مرقّعة الهنديي جاء فيها “لقد أنفق على الراقصات اللواتي كن في البصرة في ستة الاشهر الماضية عشرة آلاف ليرة عثمانية، مفصلة حسب نصيب كل راقصة والافراد العاملين معها، المبالغ هذه صرفت على شكل نقد أو هدايا حليّ وذهب ومشروبات كحولية” لم يشتك فقيه فيها، ولم يتذمر خطيب، ولم يطرد مخمور.
جميع التعليقات 2
كاظم مصطفى
البصره كانت في عالم ثاني لا يمت بصلة اليوم عالم البساطه والانسانيه والخير والجيره والمحبه انتهى عهدها بنهاية الملكيه لتدخل في حروب ومشاحنات طائفيه وعشائريه ويهرب اغلب سكانها شرقا الى الكويت والسعويه وغربا الى اوربا وامريكا .
Sayid Munzir
دخول الدين على كافة الخطوط خلق حالة من التشويش والارباك لم يكن المتدينين يملكون الكفاءات فتاجروا بدينهم لذلك خسرت المدينه تنوعها وانفتاحها واصبحت ريف