TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > مشروع الفاو الكبير بقنواته. .. الإرادات الثلاث

مشروع الفاو الكبير بقنواته. .. الإرادات الثلاث

نشر في: 26 مارس, 2023: 09:18 م

ثامر الهيمص

عظيم ستراتيجيا, سواء كان في السياسة والاقتصاد اوالمجتمع العراقي, اذ لسنوات خلت قليلة لم يكن مطروحا رسميا على مستوى القوى الفاعلة سياسيا او حتى من الاطراف الاقليمية اوالدولية, ليصبح بديلا للاقتصاد الريعي المقيت الذي اوصلنا بعدوى المرض الهولندي الذي هو من مخرجات الاقتصاد الريعي احادي الجانب’ ليهدد الوطنية والمواطنة حتى 2003 لنتفاجأ باللعب على المكشوف, والنتائج معروفة عمليا ونظريا بفضل قواعد اللعبة التي ارتكز عليها بريمر ومن سانده في مهمته’ لتنفجر تطرفات الهويات الفرعية التاريخية والمعاصرة.

والان شاءت الاراداة الدوليه بتغيراتها ومنعطفاتها, بالخروج من نظام القطب الاوحد ونهوض الصين التاريخي كقطب منافس اقتصاديا بما يملكه من امكانات بشرية وستراتيجية لتصبح مصنع العالم, ليقول الامريكان (كل شئ في بيتي صيني ما عدا زوجتي) ساخرين’ يضاف لهذا انهم لديهم سوق داخلي يتكون من مليار ونصف مستهلك, والجميع يسعى للحصول لموطئ قدم في ساحة الصين الاقتصادية.

ولكن هذا الامتياز له جذر تاريخي يلتقي بالتراث العراقي اذ يمتد الى النصف الاول الهجري وان اول موانئ العرب في التجارة البحرية في زمن الاسلام, مع الصين, هو مدينة البصرة’ التي انشأها الخليفة الثاني من الخلفاء الراشدين, اما عربيا واقليميا فالجذر يمتد الى ما قبل الاسلام برا وبحرا, فالمراكب التجارية التي كانت تنقل البضائع من البصرة الى الصين, تمر بطبيعة الحال ببلاد عمان ومسقط, وجزيرة البحرين وابلة وهرمز, (بدر الدين حي الصيني /العلاقات بين العرب والصين /ص109 /1950 ط/اولى) .

هذا التراث التاريخي يتم إستئنافه عربيا سيما في القرن الحادي والعشرون. اذ يعد التبادل التجاري اساسا مهما في تنامي العلاقات بين الصين والوطن العربي, فقد تزايد بنسبة اكثر من 600‌% بالمئة في العقد الماضي (2015-2005), ليصل الى 202 مليار دولار’ حيث اصبحت الصين الشريك التجاري الاكبر للبلدان العربية وسبقت الولايات المتحدة في معظم هذه الدول, وتميزت الامارات والسعودية وعمان والكويت والعراق ومصر والجزائر بارتفاع حجم التجارة مع الصين ووجود فائض تجاري. (مركز دراسات الوحدة العربية /العلاقات العربية – الصينية /ص 144 مجمزعة باحثين) .

اما عراقيا بالاضافة للتاريخ, فأن العراق من اوائل الدول التي اعترفت بجمهورية الصين الشعبية عام 1959, حيث كانت فتية بعمر 10 سنوات. وهكذا تكون المسيرة لها ما يسوغها تاريخيا, لتبدأ الصين خطة طريق الحرير عام 1978 الذي هو بمثابة البنية التحتية الاقتصادية للمنعطف الجيوبولكتيكي الدولي, فالعراق الان يصدر للصين (ثمن) حاجتها من النفط, ويستورد العراق ب 30 مليار دولار منها مقابل نصف مليون دولار من امريكا. كما ان قروض الصين عموما ايسر من شروط صندوق النقد الدولي, والسب الاساس ان القروض الصينية تتم دولة لدولة, ولذلك تشكل 40‌% من اي مشروع دولي بالاتفاق مع الصين. لانه اكثر ضمانا.

اما ايران الان وقبل, لها بعدها التاريخي في العلاقة مع الصين’ فهي تشرف على الضفة الاخرى للخليج’ وعلاقتها بالصين معروفة حيث هي عضو رئيسي في منظومة البرتكس التي تضم الصين وروسيا والبرازيل وجنوب افريقيا وفاعلة في مجموعة الاسيان, وتعتبر قوة كبرى اقليميا’ لتصبح بعد الاتفاق الاخير مع السعودية’ قوة تعديلية في ميزان تقاسم النفوذ الدولي’ اضافة لانضمامها لمشروع الطريق والحزام. كما لا ننس علاقتها التاريخية التجارية مع الصين والان كطرف رئيسي في العلاقات الصينية. ولكن ايران ترى في الصين احد الدول التي يمكن ان تكسر حاجز العزلة’ الذي تحاول الولايات المتحدة فرضه منذ 1979, وان الصين ستمثل في المستقبل البوابة التي يمكن ان تمارس من خلالها ايران ان تمارس دورها الاقليمي, سواء في الشرق الاوسط او في اسيا الوسطى, ولهذا السبب وللقناعة الايرانية باهمية الدور الصيني لها, فهي تجاوزت طبيعة الايديولوجيات المتعاكسة فلا يوجد هناك رابط بين الشيوعية والاسلام, الا ان ايران لم تفكر في الصين من هذا الجانب, بل فضلت الاعتبارات البرغماتية عليها. (د. عدنان بهاء السعبري /الاتجاهات الامريكية تجاه ايران /ص/279/ 2012). ويمضي الباحث ليقول في ص376 ان الستراتيجية الامريكية تجاه ايران, هدفها تغيير طبيعة التهديد الايراني, من خلال وسائل عدة تتراوح بين الدبلوماسية والقوة العسكرية. بكل الاحوال سيصبح خيار القوة العسكرية في ضوء المستجدات من الحرب الاوكرانية واوبك بلص والصلح السعودي الايراني وما يليه من ملفات ذات علاقة, فان ايران ستلعب دورا ايجابيا في مشروع الفاو الكبير بربط بري وسككي مع الفاو, لتضع دول الخليج في دور ايجابي بهذا الاتجاه. ولكن امريكا قوة لا يستهان بها بكل الاحوال الا بالاحتواء والتعاطي سلميا’ فهي تملك امكانات عسكرية وتكنولوجية وهيمنة اعلامية, لا يضاهيها غيرها, فقد استفادت امريكا من العولمة كثيرا في مجال القوة الناعمة التي لها دور منافس للقوة العسكرية اضافة للهيمنة الثقافية.

فمن بين 300 شركة في العالم, التي تعد الاولى من حيث مكانتها, هناك 144 شركة امريكية, وتساهم الولايات المتحدة بنسبة 80‌% في التلفزيون العالمي (نفس المصدر /ص/80) .

فالمشروع الستراتيجي اعلاه اطلقه السيد محمد السوداني والرئيس التركي’ يقع في هذا الصراع والقوة الناعمة بكل ثقلها اضافة للتلويحات بسلاح اسرائيل’ حيث يشل هذا المشروع عمليةعدوى التطبيع معها ليصبح بدله التطبيع السعودي الايراني بضمانة ثاني اكبر دولة عالميا, لها اوراق حاسمة في السياسة الامريكية.

لازالت لنا علاقة تحالف منذ 20 عام مع الامريكان ودول التحالف الدولي, لم تثمر سوى التراجع اجمالا في الاقتصاد والسياسة والمجتمع, ونحن امامنا خيار عملي بأن يكون لدينا واحد من عشرة موانئ عالميا, واكبر ميناء في الشرق الاوسط ويخلق 300الف فرصة عمل, وتقدر ايرادات القناة الجافة العراقية بأكثر من 65 مليار دولار’ بكلفة انشاء 18 مليار دولار, ولا بديل لنقل بضائعها لدول الخليج وايران الى اوروبا واسيا وبالعكس. (معلومات من كراس اصدره مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية ص61) . كما ان هذا المشروع سيساهم في ترتيب علاقة مهمة في ملف المياه العراقي مع الجانبين التركي والايراتي لمسنا بوادره في زيارة رئيس الوزراء الاخيرة لتركيا’ وهكذا متوقع من ايران’ ليس باعتبارنا دول متشاطئة ولا جيران مسلمين’ بل نشترك او سنشترك في قواسم مشتركة دولية واقليمية لعل ابرزها حسب المصالح المشتركة هو مشروع الحزام والطريق, الذي يضمنا نحن الثلاثة, فمن يعرقل سلسلة التوريد يصبح معروف مدان.

هذين البعدين الدولي والاقليمي عمليا وتاريخيا صنعا هذه الارادة في تهيأة الارضية المناسبة ليتدحرج اليها الموقف او الارادة العراقية. فهل نحن مؤهلين عمليا ونحن نراوح في المرحلة الانتقالية؟ نعم مؤهلين رغم اللبرالية المشوهه والمتطرفة بابعادها التي لمسناها لعشرين عاما خلت, فالارادة الثالثة اي الوطنية شابها اولا ثلاثية المكونات التي عادة ما تتقاطع مع الروح الوطنية التي تعثرت, ولكن في الفترة المنصرمة ينضج تيار يؤسس لها منذ انتفاضة تشرين وصولا الى المنعطف الحالي سياسيا ونظريا, رغم الفساد والارادات المعاكسة التي تتخذ الان البرغماتية طريقا. بما ان مشروعنا بقنواته التي تتصل بمنطقة الشرق الاوسط واواسط اسيا بشكل مباش بات في هذه الحالة مشروعا تنمويا وليس مجرد لوجستيات لانه يعني مصير التجارة الدولية التي يهندسها انتاجا ولوجستيا دولة الصين, كما انه ينظم هذه العلاقة اقليميا مثلما لمسنا في ملف المياه سرعان ما تدفقت الاطلاقات المائية, حيث لم تنفع العلاقة التجارية الفردية كمستوردين رئيسين, اذ تأتي تركيا ثانيا في صادراتها الينا بعد الصين, ناهيك عن عوامل مساعدة اخرى دولية وامنية. وبذلك ستأتي ايران متأخرة في ملفنا المائي نظرا لظرفها الخاص كنتيجة لازمتها مع الغرب وحصاره.

هذا المشروع التنموي العملاق جاء ليفرض جسورا داخلية تعيد تنظيم الخطط السياسية والاقتصادية وهندستها وفق مقتضيات مشروع الفاو الكبير, حيث يجسر كبنية تحتية في الطرق والجسور التي تبنيها الدوله بمؤسساتها ولا تبنيها المكونات مهما تعاونت, كما جربت من خلال شعاراتها ومخرجاتها البائسة ولا يبنيها القطاع الخاص. فهذه التنمية تقطر اقتصادنا الحقيقي من خلال لوجستيات هذا المشروع في الصناعة والتجارة حيث سنسمع ونرى صادرات عراقية تحفزها سهولة التسويق لاسواق اسيا واوروبا, ولعل ابرز مانصدره بواسطة الشاحنات الى البر الاوربي من خلال تركيا وهكذا بالنقل السككي الذي يربطنا بجيراننا السته اضافة للبر الاوربي, ناهيك عن النقل البحري الذي يؤهلنا اليه عاشر ميناء دوليا لتسويق وترويج مشتقاتنا النفطية وفائض الصناعة المحلية والزراعة الحديثة والفلاحية التقليدية ومنتجات الثروة الحيوانية ومصنعات فواكهنا ومخضراتنا لسهولة وسرعة النقل.

ولنا ان نتصور بعد الاستقرار الذي سيفرضه الوضع الاقليمي والمحلي وما يوفره من كلف السياسات الامنية بمختلف تداعياتها الاقليمية والدولية واجندتها التي لم يكن لنا حظ في جدول اولوياتها, لنصبح ساحة للتنمية الاقليمية والدولية والمحلية حيث تلتقي الارادات الثلاث, بديلا عن ساحة لتصفية صراعات الجيران والحلفاء وادواتهم المحلية والاقليمية والدولية. لتتحول الكلف الامنية والعسكرية ولوجستياتها, الى ساحة التنمية المستدامة التي تجسر العلاقة بين المكونات القابضة, بعد ان نمضي جادين في هذا الميدان بفرسان عراقيين اولا واخيرا, والله المستعان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram