TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > السُّليمانية.. يساري يحتفي بالنقشبندي؟!

السُّليمانية.. يساري يحتفي بالنقشبندي؟!

نشر في: 29 مارس, 2023: 08:53 م

رشيد الخيون

تجد جبالَ ووديانَ كردستان العِراق زاخرةً بالطُّرق الصُّوفيَّة والعقائد الدِّينيَّة، مِن الإسلام والمذهب السَّائد الشَّافعي، ولعله منذ (القرن السَّادس الهجريّ) عهد الأتابكة السَّلاجقة، و"الأتابك" تركية النَّجار تعني مربي الأمير (حسين، أربيل في العهد السُّلجوقيّ)، مع وجود المسيحيَّة والإيزيديَّة، واليهوديَّة (العماديَّة تاريخاً)، والزَّرادشتيَّة، والكاكائيَّة، وأهل الحقِّ، والبرزانيَّة، والشَّبك، والبهائيَّة والمندائية حديثاً. سادت في التَّصوف: القادرية والنّقشبنديَّة، ومؤسس الأخيرة بالعراق خالد النَّقشبندي.

عُقد بالسُّليمانيَّة "المؤتمر الدُّولي لمولانا خالد النَّقشبنديّ"، وكان مهماً حضره مختصون بالصّوفيَّة، مِن مختلف البلدان. تبناه "مركز عزّ الدِّين رسول الثَّقافيّ"، نسبة للأديب الأكاديمي عزَّ الدِّين رسول (ت: 2019). صار للمركز شأنٌ الآن، بما يحويه مِن مكتبةٍ متعددةِ اللُّغات، تولى تأسيسه شقيقه فاروق رسول رجل الأعمال الذي ما زال يعتز بيساريته كتاريخ، نقل له مكتبات رفاقه السَّابقين، مِن لندن مكتبة ضخمة لرفيقه الشِّيوعي العراقي إبراهيم علاويّ (ت: 2015)، وهي بادرة قيمة، إذا علمنا أنَّ أصحاب المكتبات الغرباء عن العراق حاروا بمصائر مكتباتهم.

يُثار التَّساؤل، لماذا يُحيي مركز ثقافي مدني، صاحبه وراعيه يساريان، شخصية صوفيَّة، شافعيّ الفروع أشعريّ الأُصول (رسالته العقد الجوهريّ)؟! هل لأنَّ النّقشبندي، النَّاقل الطريقة مِن الهند إلى العراق، وعُرفت بالنَّقشبندية الخالديَّة، والبداية بالسُّليمانيّة، برز مِن طبقة معدمة، ومعلوم ما لأهل اليسار مِن صِلةٍ بهذه الطَّبقة، وبعد انتشار طريقته واجهه مَن كان مسيطراً بالقادرية، وهم السَّادة البرزنجيّة مِن الطَّبقة العليا؟ أم هل لصلة النّقشبنديّ بالسُّليمانيَّة وبأسرة آل رسول، وفق ما ورد في كتاب راعي المؤتمر فاروق رسول (ذكرياتي)، كانت دافعاً؟ أقول: ربَّما يكون ذلك.

لكن الراجح أنّ التصوف النقشبنديّ، الذي جعل بينه وبين السياسة والعنف حداً، يصلح لمواجهة الإسلام السياسيّ، السَّاعي لممارسة السُّلطة باسم الدين. صحيح هناك مشاركة للقوى الدينية في البرلمان والحكومة، لكنَّ القلق مِن توظيف الدين في السياسة، والهيمنة باسمه، جعل صحيفة "وشه الكردية" (21/8/2013) ثم "المدى البغداديَّة"(18/9/2013) تنشر صورةَ رسالةِ نائب المرشد خيرت الشَّاطر، إلى "الاتحاد الإسلاميّ الكردستانيّ"، والإخوان هم أصل العمل الإسلامي بالمنطقة، والآخرون فروع، بعد الانشطار عن الإخوان ببغداد، فكانوا قبلها كتلةً واحدةً. مع عدم تأكيد صحة الرِّسالة، لأنها جاءت بعد اعتقال قيادات الإخوان بمصر، ونفاها الإخوان الكردستانيون، إلا أنَّ طرحها والضجة التي أثيرت حولها، يبينان حجم المواجهة مع الإسلام السِّياسيّ.

استلهم النقشبندي الطريقة مِن الهند، وله رسالة "الرّحلة الهنديَّة"- المؤسس الأول شاه نقشبند (ت: 791هج) مِن أوزبكستان- تعرض بعدها بالسُّليمانية وبغداد ودمشق إلى فتاوى تكفير كالرَّسالةِ التي وجهها شيخ صوفي ضده إلى والي بغداد "تحرير الخطاب في الرَّدِ على خالد الكذاب"، فنصره أحد مريديه بـ "الحِسام الهنديّ لنصرة الشَّيخ خالد النَّقشبنديّ".

لم ينته الأمر عند هذا الحد، وصل تكفيره إلى السلطان العثمانيّ نفسه. أخيراً نجا مِن القتل (البيطار، حلية البشر). لكنه تحدى الطَّاعون بدمشق (1242هج): "ما نحن فيه مِن مصابرة الطَّاعون خير ثواباً" (الخاني، الحدائق الورديَّة)، فمات به.

بما أنّ الماضي حاضرٌ، اعترضت فتاة داخل القاعة بغضب على اتهام القادريّة بمحاولة قتله، ولما سألتها قالت: إنّها قادرية كسنزانيّة، فقدرتُ سبب غضبها. لا تعتقدوا بالتَّصوف الصَّفاء التَّام، فالمصالح لا تدع المشاربَ صافيةً.

يأتي التَّوضيح مِن المعريّ (ت: 449هج): "إِنَّما هذه المَذاهِبُ أسبَابٌ/ لجَذبِ الدُّنيا إِلى الرُّؤساءِ/ كالَّذي قامَ يَجمعُ الزِّنج بِالبَصْرةِ/ والقَرمطِيُّ بالأَحَساءِ/ فانفردْ ما استطعتَ فالقائلُ الصَّا/ دقُ يُضْحي ثقلاً على الجلساءِ" (اللزوميات). لا أظن أنَّ رئيسَ مذهبٍ دينيّ لم يستثقل أبا العلاء! أمَّا عن يساري يحتفي بشخصيّة دينيَّة، فلها تاريخ، فاليساريون العراقيون طالما احتفوا بـ "لاهوت التَّحرير"، والعبارة استعرتها مِن هاديّ العلويّ (ت: 1998).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram