TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: الطفولة وهي تلتبس في دميّة

قناطر: الطفولة وهي تلتبس في دميّة

نشر في: 1 إبريل, 2023: 09:52 م

طالب عبد العزيز

يعترضُ جزءٌ من منارة مسجد السَّراجي طريق ابي الخصيب- البصرة، وبما يتسبب في بطء حركة سير المركبات. هناك برم وتذمّر من مستعملي الطريق، اسمعه من الراكبين معي، في الميني باص. البعض يرى في هدم المنارة ضرورةً لفكِّ الازدحام، عند نقطة المسجد،

والآخر يرى في رفعها والاحتفاظ بها في مكان آخر حفظاً لها، فهي معْلمٌ عمره ثلثمائة سنة، وهناك من يقول بهدم المسجد مع المنارة، فالحياة وحركة الناس وفك الازدحام أمر يتعلق بحياتهم، وسعيهم في كسب أرزاقهم، وإنَّ الصلاة تصحُّ في أيِّ مكان على الارض، وإنَّ المدنية تقتضي التوسعة.

اعتقد بأنَّ الامرَ لا يختلف عن ما يثار في النجف، وقضية هدم سوق الحويش، والتوسعة المبتغاة حوالي ضريح الامام علي، وهذه قضية لم تؤخذ بنظر المشرع العراقي، أو أنها فقرة معطلة في القانون! لكن، من قال بأنَّ كلَّ توسعةٍ صحيحةُ؟ هناك فعل مشوش في التعامل مع التراث، لا يصحُّ للقائمين على أمر المقامات المقدسة التهام التراث، بغض النظر عن مصالح الناس وتجارتهم. كلُّ علامة في السوق حوالي ضريح الامام علي وكل حجارة في منارة مسجد السراجي وقبة أبي الجوزي وطاق كسرى وضريح الحلاج ومسجد الزبير وكنيسة الكلدان وو لها معنى في الروح العراقية، وأيُّ عبث بها هدم للروح هذه، وقضية تحمل في طياتها من الاساءة ما تحمل، وهي محو لذاكرة شعب، يريد أنْ يظلَّ في وجدان الامم.

هناك حربٌ تشنُ بالعلن والخفاء ضد الذاكرة العراقية، وهناك أفعال يتباين موقفنا منها بين القصد والغباء، وبين الجشع والاستهتار. يؤازر ذلك تبرير للخطأ بالعمران وبناء المولات، ومثله تبرير لتردي الزراعة باقامة المدن، و تبرير لهدم الاثر تحت مسمى المدنية، وتسويغٌ لطرد الفلكلور باستيراد الدمى من الصين، وهكذا يتم ابتذال الحِرف اليدوية. كان الترابُ حكاية الذاهبين والآيبين قبل الأسفلت، وكان ماء النهر قريباً من قلوب الناس قبل أنْ يمسخ في علبة البلاستك، وما أجمل الاقدام، ما أرقَّ الخطى قبل أنْ تُختزل بالمركبات. أرى أنَّ ما نفعله بالتراث والاثر في مختلف حياتنا هو ما فعله الغرب حين مسخ جمال المرأة بأفلام البورنو. وما فعله بالاسد حين جيئ به من الغابة الى حديقة الحيوانات.

لدينا مسؤولون يتعاملون مع الاثر كما يتعامل المراهق مع فكرة المرأة الصينية. أنْ تهدَّ مسجداً قديماً لا يعني أنك تهدَّ حجراً، وتراكم تراباً حسب.كلُّ حفنة من التراب ذاك معنى من معاني الوجود، وكل طابوقة تستبدل بأخرى جديدة في مبنى ما مسخٌ لهوية وتشويهٌ لحياة. لا يمكننا بخس حق الناس في معاينة ما دأبوا على رؤيته يومياً، في كل زاوية من ما نهدمه حكاية، وفي كل التفاتة عينٍ لا تجده خيبةٌ. لا يختصرُ طبق الخوص بصينية اللدائن، ولا يُستخفُّ بالنَّعلِ الزبيريِّ في دكانة بائع الأحذية بشارع الوطني، ويرتكب خيانة من يستبدل بساط الصوف المُشترى من أسواق الحيِّ بالكوت بآخر نسجته الماكنة. يتوجب علينا تدريب أصابعنا على تلمس آيات الصدق والاخلاص في ما يخرز الزبيريُّ ويصنع، وعلينا تتبع قطرات العرق وهي تتسرب في وشائع الصوف الغضِّ، حيث نجلس، مثلما علينا تأملَ الضوء النبيل الكامن في روح الحجر وهو يسقط بالآلة الحديد، في سوق الحويش، وشارع الرشيد، وسكك الموصل القديمة وسواها. هناك حيث تلتبسُ الطفلولةُ في دمية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram