TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > لا لاستخدام قذائف اليورانيوم من جديد!

لا لاستخدام قذائف اليورانيوم من جديد!

نشر في: 2 إبريل, 2023: 09:04 م

د.كاظم المقدادي

القسم الثاني

شاع إستخدام مصطلح " اليورانيوم المنضب "، ومرادفه بالأنجليزية Depleted Uranium، ومختصره (DU)،عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 التي إستخدمت خلالها القوات الأمريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها، ذخائر اليورانيوم المشعة، وجربتها لأول مرة في ميادين القتال " الحية" في الحرب على العراق، وحولت شعبه الى "حقل تجارب" لأسلحتها الجديدة اَنذاك..

اليورانيوم "المنضب".. التعريف والطبيعة

بالرغم من إصرار البنتاغون وحلفاؤه وخبراؤهم في التستر على مخاطر أسلحة اليورانيوم المنضب، ومساعيهم المحمومةالرامية الى التخفيف منها بشتى الوسائل، بما فيها التضليل والكذب، إلا أنهم لم يفلحوا طويلاً، بل سرعان ما تكشفت، رغم أنوفهم، الكثير من الحقائق التي كانوا يغطون عليها.

فقد كشف العلماء المستقلون النقاب عن ان الأبحاث حول السمية الكيميائية لليورانيوم المنضب بدأت في أربعينيات القرن العشرين، وقد بات مؤكداً ضررها البيولوجي على الطبيعة الحية، الشبيه بما تصيب الأنسان من المعادن الثقيلة من أضرار، كالرصاص والكروم والنيكل والزئبق- سنتوقف عندها لاحقاً بتفاصليل وافية.

وثبت ان الايورانيوم "المنضب" عنصر سام كغيره من العناصر الثقيلة،مثل الرصاص والزئبق.

كما أنه عنصر مشع بالرغم من ان نشاطه الإشعاعي أقل من اليورانيوم الطبيعي. فنشاط (ألفا) الإشعاعي لليورانيوم الطبيعي هو نحو 25 ألف بيكريل/ غرام، أما بالنسبة لليورانيوم " المنضب" فهو نحو 15 ألف بيكريل/غرام. ويتساوى نشاط (بيتا) الإشعاعي لكل من اليورانيوم الطبيعي و"المنضب"(25 ألف بيكريل/غرام).

بالنسبة للتعريف، يُعتبر "اليورانيوم المنضب" (DU) هو: "مصطلح صناعي للنفايات الناتجة عن تخصيب خام اليورانيوم"- حسب تعبير العالمة الراحلة برتل Rosalie Bertell.

وعرفته هيئة التنظيم النووي الأمريكية (NRC) بأنه ذلك اليورانيوم الذي تقل فيه نسبة النظير U-235 عن 0.711%. وحسب التعليمات الصادرة عن البنتاغون بخصوص المواصفات العسكرية، فأن نسبة U-235 في اليورانيوم المنضب لابد أن تكون أقل من 0.3% [3]، ولكن الواقع العملي يفيد بأن البنتاغون يستخدم الـ DU المحتوي على U- 235 بنسبة لا تقل عن 0.4%.

ولم تعد طبيعة اليورانيوم "المنضب" سراً، وإنما أصبحت مكشوفة. فعلمياً، يُعد اليورانيوم "المنضب" مادة كيميائية سامة ومركب مشع.وهذا ما يدلل عليه مركبه النظيري:

جدول

المركب النظيري لليورانيوم الطبيعي واليورانيوم المنضب

بنسبة مئوية ذرية

النظير U-234 U-235 U-236 U-238

اليورانيوم الطبيعي 0.0055 0.7196 0.0000 99.2749

اليورانيوم المنضب 0.0008 0.2015 0.0030 99.7947

المصدر: Prof.Asaf Durakovic,1999

يبين الجدول بوضوح كذب مزاعم خبراء البنتاغون والصناعة الحربية بأن اليورانيوم "المنضب" يحتوي النظير U-238 فقط، وبالتالي فان ذخائره "ليست مضرة"، بينما تبين ان الذخائر مصنعة من نفايات نووية- ناتج ثانوي أو عرضي By-product لعملية تخصيب اليورانيوم Uranium enrichment، المستخرج من المناجم للحصول على اليورانيوم-235 بنسب عالية التركيز لأغراض الوقود للمفاعلات الذرية ولصنع الأسلحة النووية.

والمهم، ان هذه النفايات تحتوي على كافة النظائر المشعة لليورانيوم الطبيعي، قبل وبعد تخصيبه، ولا تختلف عنها سوى بفارق النسب، حيث تقل فيه نسبة النظير U-235 عالي الأشعاع، والقابل للإنشطار الذاتي، بعد عملية التخصيب من 0.72 الى 0.20، والنظير U-234 من 0.0058 الى 0.0008.

ولقد أظهرت نتائج التحليل باستخدام منظومة تحليل أطياف غاما، وجود تراكيز عالية جدا من النويدات المشعة التابعة لسلسلة اليورانيوم - 238 التي تنبعث منها أشعة غاما، وعلى الأخص الثوريوم - 234، البروتكتونيوم - 234، والراديوم - 226. كما أظهرت وجود تراكيز عالية من اليورانيوم - 235، ولكن بنسبة 0,2- 0,3%، بدلا عن نسبة إلى 0,71% الموجودة في الطبيعة، مما أثبت أن التلوث يعود إلى اليورانيوم "المنضب".

ولابد من الأشارة هنا الى أنه بالرغم من ان نسبة النظير U-234 ضئيلة في اليورانيوم الطبيعي (0.0058)، إلا ان نشاطه الأشعاعي يمثل 48.9% من مجموع النشاط الأشعاعي الصادر من اليورانيوم الطبيعي، وهي أعلى نسبة، حيث ان النشاط الأشعاعي الصادر من نظير U-235 يمثل 2.3%، والنشط الأشعاعي الصادر من U-238 يمثل 48.8%. ويرجع السبب في ذلك الى إرتفاع النشاط الأشعاعي النوعي Specific radioactivity لنظير U-234 والذي يبلغ 6200 مايكروكيوري/ كغم. ولذلك فان النشاط الأشعاعي النوعي لليورانيوم المنضب يقارب 0.4 مايكروكيوري/ غرام، بينما النشاط الأشعاعي النوعي لليورانيوم الطبيعي يساوي 0.67 مايكروكيوري/ كغم.

الأمر الآخر المهم والأخطر، هو إحتواء الذخائر الحربية المصنعة من اليورانيوم "المنضب"، على نظائر أخرى شديدة الأشعاع، ليست طبيعية، وإنما تُنتج في المفاعلات الذرية، مثل النظير U-236، حيث عثر العالم دوراكوفيتش Asaf Durakovic((أمريكي من أصل كرواتي، وهو خبير دولي بالأشعاع والطب الذري)، على هذا النظير، إضافة لليورانيوم "المنضب"، في أجساد 62% من مرضى قدامى المحاربين، من الذين فحصهم. وعرض نتائج أبحاثه أمام "المؤتمر الأوروبي للطب النووي" الذي انعقد في باريس عام 2000.

والى جانب النظير U-236، الذي هو أخطر إشعاعياً من النظير U-234 بـ 10 أضعاف، أُضيفت للمركب المصنعة منه ذخائر اليورانيوم "المنضب" مواد أخرى شديدة الإشعاع، مثل البلوتونيوم Plutonium، والتيتانيوم titanium والموليبدينوم. molybdenum..

علماً بان خطورة قذائف اليورانيوم تزداد 100 الف مرّة اذا احتوت على البلوتونيوم ((Pu-239، وربما نشهد في المستقبل احداثا اكثر جسامة من قبل الدول التي تمتلك هذه الاسلحة وقد تزداد الامور تعقيداً اذا ما انتقلت مثل هذه الاسلحة الى أيدي إرهابيين وعصابات متطرفة.

تسمية كاذبة ومخادعة

بالرغم من إصرار البنتاغون وحلفاؤه وخبراؤهم في التستر على مخاطر أسلحة اليورانيوم المنضب، ومساعيهم الرامية الى التخفيف منها بشتى الوسائل، بما فيها التضليل والكذب، إلا أنهم لم يفلحوا طويلاً، بل سرعان ما تكشفت، رغم أنوفهم، الكثير من الحقائق التي كانوا يغطون عليها، ولعل أخطرها أضرارها البيولوجية على البشر وبقية الكائنات الحية..نتناولها لاحقاً.

إرتباطاً بالمخاطر التي يشكله إستخدام ذخائر اليورانيوم، فان التسمية Depleted ومرادفها العربي: "منضب" أو "مستنفذ"، أو" مضعف"، أو "ناضب"،أو "مخضب"، الخ، هي تسمية ليست فقط غير علمية، وغير دقيقة، وإنما هي كاذبة وخادعة ومضللة، أراد منها خبراء البنتاغون والمصانع العسكرية التغطية على خطورة هذا المعدن الخسيس Metal of dishonor - كما وصفه العلماء[7]، والإدعاء كذباً وزوراً بأن هذا النوع من اليورانيوم هو "غير " مضر بالصحة والبيئة!!، مانحين إياه توصيفات كاذبة لتمرير مزاعمهم بأنه "ضعيف" من حيث سميته الكيميائية، و" واطئ المستوى" من حيث إشعاعيته، بينما العلم والواقع يؤكدان بأن الشيء الوحيد الواطئ أو الضعيف فيه هو ثمنه، فهو رخيص بشكل بخس(يكلف الكيلوغرام الواحد منه دولارين فقط)،لا بل راح منتجوه يعطونه بدون مقابل ليتخلصوا من الكميات الزائدة منه.

وفند العلم الحديث كل ما زعموه، زكشف العكس تماماً، مبيناً ان اليورانيوم "المنضب" هو نفايات نووية خطيرة، والأسلحة المصنعة منه تحتوي على تركيبة من مواد شديدة الإشعاع وسامة كيمياوياً، كالنظائر المشعة:U-235 وU-234 الى جانب U-238، الموجودة في اليورانيوم الطبيعي، إضافة الى النظير U-236، الذي هو أخطر 10 أضعاف من الـنظير U-234، ولا يوجد في الطبيعة، بل يصنع.كما وتحتوي البلوتونيوم والتيتانيوم وغيرها من المواد شديدة الإشعاع..

عقب ما خلفه إستخدامها من كوارث بيئة وصحية وخيمة،وإنكشاف طبيعة ذخائر اليورانيوم التي إستخدمت في الحرب، وأضرارها البيولوجية، وإعتبر خبراء في القانون الدولي إستخدامها وما نجم عنه، جريمة حرب دولية، إنبرى خبراء البنتاغون والصناعة الحربية الغربية، وما زالوا، بالكذب والتضليل وشراء الضمائر، تنصلآ من مسؤولية جريمة إستخدامها وتبريراً لإنتاجها..

القسم الثالث نكرسه لفاعلية قذائف اليورانيوم "المنضب" من حيث التدمير والفتك..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram