بغداد/ تميم الحسن
تفاجأ محمد الحلبوسي رئيس البرلمان بحملة الاعتقالات التي جرت قبل ايام في «عقارات الانبار» ما اعتبره الاخير تجاهلا له كشريك اساسي في الائتلاف الحاكم.
ويرفض رئيس الوزراء محمد السوداني منذ تسلمه الحكومة العام الماضي، كل طلبات الحلبوسي وهو ما فجر الازمة الاخيرة بين الطرفين، بحسب مصادر سُنية.
ووفق تلك المصادر ان قياديا شيعيا بارزا يقوم الان بمهمة الوساطة بين الطرفين، حيث ترى الرواية الشيعية ان “الحلبوسي يتمدد” على صلاحيات الحكومة.
يقول سياسي سَني في حديث لـ(المدى) ان “علاقة الحلبوسي مع حكومة السوداني تختلف عن حكومتي الكاظمي وعبد المهدي السابقتين، فالأخيرتين كانتا متعاونتين أكثر مع رئيس البرلمان”.
ويضيف السياسي الذي طلب عدم الاشارة الى اسمه: “منذ تسلم السوداني الحكومة قبل 5 اشهر وهو يرفض كل مطالب الحلبوسي.. رفض تسمية وزراء ووكلاء وزراء ورؤساء هيئات قدمهم رئيس البرلمان”.
وتابع قائلاً: “يتذرع السوداني بان هناك لجنة للتوازن بشأن الوظائف، وهي لجنة نسمع عنها ولا نراها منذ 15 سنة”.
وكان حزب الحلبوسي “تقدم” وهو جزء من تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر، قد حصل على 3 وزارات في حكومة السوداني الى جانب منصب رئيس البرلمان.
ويشير السياسي الذي كان قد خاض في السابق مفاوضات القوى السنية مع التحالفات الشيعية الى ان “الحلبوسي قد شعر بالغضب بعد قضية دائرة العقارات وبانه تم تجاهله في حملة الاعتقالات الاخيرة التي جرت في الانبار”.
ويضيف: “لم يتم ابلاغ رئيس البرلمان بالحملة الامنية رغم انه قيادي مهم في الانبار ومحافظ سابق واحد اركان ائتلاف ادارة الدولة الذي شكل الحكومة”.
وكانت الحملة الاخيرة قد اسفرت عن اعتقال مدير عقارات الانبار و5 من المسؤولين الاخرين على إثر اتهامات بتزوير 70 ألف عقار.
وعقب ذلك الحادث بدأت حملات على بعض المنصات الالكترونية للتلويح بان رئيس البرلمان على علاقة بقضية العقارات وبان المسؤولين هناك من حزبه “تقدم”.
أول القصة
بداية الخلاف بين الحلبوسي والسوداني كانت قد طفت على السطح نهاية العام الماضي، حين هدد الاول بمغادرة العملية السياسية.
وقال رئيس البرلمان في لقاء متلفز آنذاك إنه «لم نصل لتحقيق الاتفاق السياسي على جميع فئات الشعب، بما فيها الوضع السني وكل المكونات، فلا غاية بالاستمرار في العمل السياسي».
وكان الاتفاق السياسي الذي تشكلت على ضوئه حكومة السوداني، قد شمل 7 بنود تتعلق بالقوى السنية، أبرزها: العفو العام، المغيبون، وانهاء ملف المساءلة والعدالة.
وعن هذه المطالب يقول السياسي السَني: «تماطل الحكومة بهذه الملفات وهو ما دفع رئيس البرلمان لمنح نفسه اجازة الـ15 يوماً التي تزامنت مع وصول الموازنة الى البرلمان».
وكان الحلبوسي يعتقد بان الاجازة التي منحها لنفسه مؤخرا، سوف تعرقل المضي بالموازنة مقابل تنفيذ مطالبه.
لكن السياسي يقول: «لا يبدو الامر قد نجح والبرلمان قرر مناقشة مشروع الموازنة دون الالتفات الى الحلبوسي».
وشهد الاسبوع الماضي القراءة الاولى لمشروع الموازنة وسط مقاطعة عدد من النواب السنة الجلسة بحسب النائب عن الإطار التنسيقي كريم المحمداوي.
ويكشف السياسي السني عن «وساطة أحد القيادات الشيعية البارزة (تحفظ عن ذكر اسمه) بين الحلبوسي والسوداني».
وبحسب الترجيحات ان القيادي الذي يقوم بدور الوسيط هو زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم او زعيم منظمة بدر هادي العامري.
الحلبوسي بين جبهتين
خلاف رئيس البرلمان مع السوداني قد فتح على الاول جبهتين، فمن جهة يحارب الحلبوسي الإطار التنسيقي اضافة الى خلافاته مع خصومه السنة.
وبدأ هؤلاء «الاحزاب السنية»، والتي تطالب منذ العام الماضي بإبعاد الحلبوسي عن رئاسة البرلمان تتحدث مؤخرا، عن معركة غير متكافئة، وتحذيرات من عودة حزب البعث المحظور.
يقول سليم الجبوري رئيس البرلمان الاسبق، وهو من الفريق السني المعارض للحلبوسي في مقابلة تلفزيونية بان «هناك خطة بدعم دولي وموافقة أطراف شيعية على استبدال النخبة السنية الحالية بأخرى قريبة من توجهات البعث».
ويتماهى هذا الخطاب مع ما تقوله بعض الجهات الشيعية في إطار تبريرها رفض عودة السكان الى جرف الصخر، البلدة الواقعة في جنوب بغداد ويطالب السنة بإرجاع الاوضاع فيها الى ما قبل 2014، بان قبول رجوع السكان «يعني عودة البعث الى الجرف».
ويوم امس قال هادي العامري بحضور الحلبوسي في احتفالية بمناسبة ذكرى تأسيس منظمة بدر إنه «اقول للذين يحنون لنظام صدام ستأخذون حلمكم الى القبور.. تعسا لكم ولأفكاركم الضالة».
بالمقابل اكد الحلبوسي في الاحتفالية ذاتها امام رئيس الحكومة محمد السوداني على: «ضرورة تنفيذ ورقة الاتفاق السياسي والمضي بدعم الحكومة بتوفير كل المتطلبات التشريعية والقانونية».
وكان الحلبوسي قد نفى الاسبوع الماضي، عقب منح نفسه الاجازة، وجود خلافات بينه وبين رئيس الحكومة.
ويعتبر يزن الجبوري رئيس حزب وطن (نجل النائب السابق مشعان الجبوري المنشق عن الحلبوسي)، ان «اي خلاف بين السوداني والحلبوسي سيكون معركة غير متكافئة».
الجبوري اكد في مقابلة تلفزيونية ان «السوداني مدعوم من كل القوى الشيعية المشاركة في البرلمان على خلاف الاخير.. اذا حدث خلاف مع الشيعة فالحلبوسي لن يبقى في منصبه».
ويعتبر مسؤول في أحد المكاتب الحزبية ضمن الإطار التنسيقي ان رئيس البرلمان «يهرب من ازماته مع القوى السنية ويريد اختبار مدى قوة تأثيره في القرار السياسي».
المسؤول الذي طلب عدم ذكر اسمه أكد لـ(المدى) ان الحلبوسي «يتمدد على صلاحيات الحكومة ويتدخل في عمل المحافظين والمحافظات ورئيس الحكومة يرفض ذلك».
واشار المسؤول الى ان «السوداني ليس ضعيفا ولا يقع تحت وصاية أحد، كما انه يؤمن بالتفاهمات الطويلة وتصفير الازمات كما حدث في الاتفاق النفطي مع اربيل».
بالمقابل يصف المسؤول الحلبوسي بانه «يفتعل الازمات ضد السوداني وينقل مشاكله مع الاحزاب السنية وحتى حلفائه الى ساحة الصراع الحكومي».
وكان حزب تقدم قد شهد عدة انشقاقات فيما بدأ نواب يتحدثون عن تزوير في استقالة النائب السابق ليث الدليمي الذي اقاله الحلبوسي بطلب قديم من الاول.
محنة الوعود السُنية
من جهته يرى اثيل النجيفي محافظ نينوى الاسبق في حديث مع (المدى) ان مشكلة التسويف في الوعود التي تمنح للقوى السنية ناتج عن حالتين متلازمتين ارتبطتا بالعملية السياسية منذ بدايتها:
الاولى: اصرار القوى الشيعية على تنفيذ اجندتها ورؤيتها للحكم وادارة الدولة مهما كانت النتائج كارثية.
والثانية: عدم ثقة المجتمع السني وضعف مشاركته في الانتخابات ما يؤدي الى تمثيلهم من قبل شخصيات هزيلة لا تتمكن من مواجهة الاخطاء التي ترتكبها القوى الشيعية او تصمد وتسلط الضغط المناسب لتصحيح تلك الاخطاء.
في 2007 كان وزراء ما يعرف بجبهة التوافق قد انسحبوا من الحكومة اضافة الى 5 وزراء اخرين من القائمة العراقية التي كانت تضم سنة بسبب «رفض المطالب السنية».
وفي 2013 استقال وزير المالية الاسبق رافع العيساوي بسبب «تهميش السنة» بعد 3 أشهر من مقاطعة جلسات الحكومة.
ويقول النجيفي وهو شقيق رئيس جبهة الإنقاذ والتنمية اسامة النجيفي (رئيس البرلمان الاسبق): «الان القوى الشيعية عرفت بان الاسلوب الافضل للتعامل مع تلك القيادات الهزيلة التي ظهرت في المجتمع السني وهو اغراقها في الفساد ومن بعد ذلك التلويح لها بملفات الفساد عند مطالبتها بحقوق مجتمعها».
واضاف: «فما يحدث دائما هو فتح ابواب الفساد امام السياسيين السنة فمن يثبت منهم ويصمد ويرفض الفساد يستبعد عن مواقع المسؤولية ومن يتقبل الانزلاق في مهاوي الفساد تفتح امامه ابواب المسؤولية وبالتالي يبقى عاجزا عن المطالبة بالحقوق».
وتابع النجيفي: «هذه الدائرة المغلقة تزيد من يأس المجتمع السني بالعملية السياسية وهذا خطر يدركه عقلاء الشيعة ولكن الاغلبية من سياسيي الشيعة لا يكترثون لمثل هذه الاخطار بل يظنون ان بإمكانهم فرض نموذجهم في ادارة الدولة حتى النهاية».