TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > المُغيبون في العراق.. إخفاءً قَسرياً آخر

المُغيبون في العراق.. إخفاءً قَسرياً آخر

نشر في: 9 إبريل, 2023: 10:53 م

د. حيدر الجوراني

رُبما من المُفارقة أن يكون العراق عضواً و طرفاً في إتفاقية الأمم المتحدة للإخفاء القسري، في حين أنه الدولة التي أقلقت المُجتمع الدَولي لإرتفاع معدلات الظاهرة فيه. هكذا وَصف تقرير لجنة الأمم المتحدة للإخفاء القسري في تقريرها الأخير الذي أعلنته في الثالث من نيسان عام 2023 والذي جاء بعد زيارتها إلى العراق في تشرين الثاني عام 2022.

التقرير مُطول و فيه تفاصيل كثيرة، لكنني قبل أن أُسلط الضوء على بعض ما جاء فيه من الجدير أذكر أنه يُعد وثيقة أُممية صريحة لما جاء فيه. و هنا، يقف من يقرأ التقريرعلى مُقاربة مهمة تَكمنُ في تَمرحل ظاهرة الإخفاء القسري عبر الأحقاب الزمنية السياسية التي توالت على العراق. و أن ما بعد 2003 لغاية كتابة التقرير لا تختلف عن حقبة 1968 لغاية تغيير النظام.

يَصف التقرير ظاهرة الإخفاء القسري في مراحل تصَنف زَمنياً كالآتي، الأولى حقبة النظام السابق لغاية عام 2003، والثانية حقبة دخول القوات المحتلة لغاية دخول داعش، و الثالثة مرحلة دخول داعش وسيطرته لحين مرحلة التحرير، وأخيرا مرحلة الإحتجاجات في العراق.

يُشدد التقرير على التَذكير بإن العراق كدولة طرف في الإتفاقية الدولية هي من تتحمل مسؤولية ظاهرة الإخفاء القسري، و يشير التقرير أن المؤشرات التقديرية للإخفاء طوال الحقب التي صنفها آنفاً بين 250 الف إلى مليون عراقي هم ضحايا الإخفاء القسري منذ 1986 لغاية كتابة التقرير.

و ما يثير القلق في التقرير هو أن على العراق إقرار قانون الإخفاء القسري كجريمة مُستقلة وضد الإنسانية، إذ لا يوجد نص يُجرم فعل الإخفاء القسري في العراق لحد الآن، كما أن اللجنة في تقريرها أوضحت إلى خطأ جسيم في تداخل المفاهيم لوَصف الظاهرة و ضحاياها.

أن التداخل المفاهيمي بين مفردتي " مُغيبين " و " المختفين قَسرياً " هو في وصف الظاهرة أمر خطير و أشارت إليه اللجنة في تقريرها إلى أن مفهوم مغيبين يبقى مفهوماً سطحياً و لا يُشَخص الضحايا وفقاً للتعريف القانوني و الحقوقي في الإتفاقية كَتوصيف للظاهرة بوَصفهم " مختفون قسرياً ".

المثير للإستغراب إن التقرير يذكر بإن الحكومة تَعزو تأخر إقرار قانون الإخفاء القسري إلى المؤسسة التشريعية، في حين أن القوى السياسية تحالفت في تشكيل الحكومات و هي بالكاد الكتلة الأكبر كحلفاء تحت قبة البرلمان.

إين يَكمن الإستغراب؟

ببساطة، لا يُمكن إقرار قانون الإخفاء القسري و إنهاء الإفلات من العقاب للجناة من دون تَحييده عن الإستخدامات السياسية، و إن الخطاب السياسي العائم أفرغ المفهوم الحقوقي و القانوني من محتواه و المُتداول دَولياً وبالتالي أصبح المَخفُونَ قسرياً عُرضةً للإخفاء القَسري حتى بوصفهم " مُغيبون ".

يتحمل صناع القرار السياسي و المنادون بهذه المظلومية سياسياً مسؤولية أخلاقية وقانونية، و إن إنزحياهم بالمفهوم و تأخر إقرار قانون الإخفاء القسري يُعد جريمة مُضافة ضد الإنسانية بمجرد العودة إلى تعريف الإخفاء القسري في تقرير لجنة الأمم المُتحدة.

كما أن الرأي العام سيشارك في ذات التضليل إن لم يوقف ذلكَ الإنزياح المفاهيمي من الإخفاء القسري إلى المغيبيبن ضمن صناعته للرأي والإعلام. و عليه أن يُلزم الفواعل السياسية في عدم إخضاع تشريع قانون الإخفاء القسري للتفاهمات السياسية والرقص على أنغام آهات الضحايا.

الإخفاء القسري شَمٍلَ جميع العراقيين دونَ إستثناء، و من المُلفت للنظر أن التقرير ألزمَ الدولة العراقية كطرف في الإتفاقية بتأسيس هيئة مستقلة للتحقيق و مكافحة ظاهرة الإخفاء القسري في العراق. فهل ستستيقظ القوى السياسية من هذا التضليل؟ و هل ستُسرع في تشريع قانون الإخفاء القَسري و تشكيل هيئة الإخفاء القسري على غِرار هيئتي المساءلة والعدالة و النزاهة بعيداً عن محاصصتهم المقيتة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram