بغداد/ تميم الحسن
تحولات سريعة جرت في الـ48 ساعة الاخيرة حيث تم الافراج عن مسودة «غير كاملة» لقانون العفو العام الذي فجر مؤخرا ازمة بين الحكومة ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.
وتأتي هذه التحولات بعد ارتباك الحكومة بسبب اتساع جبهة الرافضين لقانون الموازنة وانخراط الإطار التنسيقي في موجة الاعتراضات.
وبحسب بعض المعلومات ان هناك اتفاقا على شمول متهمين بالإرهاب بشروط معينة بالعفو العام، واعادة تعريف من هم «الارهابيين»؟.
وتنفي اللجنة القانونية في البرلمان مناقشة المسودة حتى الان، فيما تتحدث القوى الشيعية عن «خطوط حمراء» ضد بعض بنود القانون.
وتأمل القوى السنية التي تدافع عن تمرير القانون، ان يقضي المفرج عنهم ضمن العفو العام الجديد، عيد الفطر المقبل في منازلهم.
وهذا الامل ينسحب بالمقابل على اعادة النازحين لبعض المناطق «المهجورة» مثل جرف الصخر، ومعرفة مصير المغيبين.
قيادي سني تحدث لـ(المدى) أمس عن انه «في الساعات الماضية نجح الضغط على الحكومة والإطار التنسيقي، وقررت الاولى ارسال نسخة من مسودة كانت مخبأة».
وبحسب القيادي الذي اشترط عدم ذكر اسمه انه «جرى الاتفاق على شمول المتهمين بالإرهاب الذين لم يشتكِ عليهم أحد».
بالمقابل ان الاتفاق يتضمن وفق القيادي السني «اعادة تعريف الارهابي وهو الشخص الذي قام بأعمال عدائية ضد القوات الامنية (جيش او شرطة او باقي التشكيلات) وضد مواطنين».
وبحسب هذا التوصيف الاخير فانه سوف يزيل اللبس عن الذين وصفوا بـ»الارهاب» بسبب «الانتماء او التأييد» لجماعات ارهابية في وقت من الاوقات «دون ان يرتكبوا جرائم».
وتزعم القوى السنية ان هناك احكاما بين 10 و15 سنة صدرت ضد عدد كبير من المراهقين اعمارهم كانت في وقت الحكم بين (13 و15 سنة) بتهمة الانتماء الى «داعش».
وترى هذه القوى بان الوقت قد حان الان لإطلاق سراح هؤلاء المتهمين (المراهقين) عبر قانون العفو العام الجديد، خصوصا وان تقديرات الحكومة تتحدث عن وجود نحو 80 ألف معتقل في العراق.
وجاءت هذه التطورات عقب انباء كشفتها (المدى) في وقت سابق عن وساطة زعيم شيعي رجح بانه عمار الحكيم (زعيم الحكمة) او هادي العامري (زعيم بدر) بين محمد السوداني رئيس الحكومة ورئيس البرلمان.
وكانت الخصومة بين الطرفين قد تصاعدت عقب حادثة ما عرف بـ»عقارات الانبار» بعد ارسال بغداد بدون علم الحلبوسي (رئيس البرلمان) قوات الى المحافظة لاعتقال مسؤولين في الدائرة.
وكانت هيئة النزاهة قد كشفت عن وجود تزوير في 70 اضبارة تخص عقارات بالمحافظة، فيما شمل الاعتقال مدير العقارات اضافة الى 5 مسؤولين اخرين.
وحاولت منصات الكترونية قريبة من الإطار التنسيقي ومدونين ربط المعتقلين برئيس البرلمان، فيما أطلقت على الحادث اسم «سرقة القرن 2» في اشارة الى سرقة امانات الضريبة المعروفة.
ووفق القيادي السني القريب من حزب الحلبوسي (تقدم) ان النقاشات مستمرة حول «العفو العام» وهناك نقاط اساسية تتعلق برغبة القوى السنية بإعادة محاكمة الذين تم انتزاع اعترافاتهم بالقوة.
ويتابع القيادي السني: «المطالب تتعلق بتغيير لجان التحقيق السابقة، وان تكون التحقيقات لدى قضاة التحقيق وليس في مراكز الشرطة».
وكان ذات الكلام ردده مستشار رئيس الحكومة وزعيم الحزب الاسلامي رشيد العزاوي في مقابلة سابقة مع (المدى).
ونفى العزاوي وجود مسودة قانون عفو عام، وقال ان القوى السنية «متأكدة من وجود متهمين انتزعت اعترافاتهم بالقوة ولدينا مئات الوثائق على ذلك».
وأضاف: «لذلك طلبنا اعادة تحقيق مع هؤلاء المتهمين وفي اماكن اخرى غير الاماكن التي تم فيها اجراء التحقيقات السابقة».
ويعتقد في الاوساط السياسية ان ضغط الحلبوسي على تمرير الموازنة، رغم انه كاد يفقد هذه الميزة قبل ايام، قد استعادت قوتها بسبب اتساع جبهة المعترضين على بنود الموازنة.
وكان رئيس البرلمان، وبحسب قيادات حزبه، قد حاول ابرام صفقة تتضمن الموازنة مقابل «العفو العام»، وعلى إثر ذلك قرر منح نفسه اجازة 15 يوماً.
وبدأت القوى السنية والشيعية تعترض على موازنة لـ3 سنوات وحجم العجز المالي والديون، وهو ما أربك على ما يبدو حسابات الحكومة التي سارعت لإطلاق سراح نسخة «العفو العام».
ويأمل حزب تقدم الذي يتزعمه رئيس البرلمان، ان ينفذ «العفو العام» خلال الايام المتبقية من شهر رمضان الحالي (الباقي 11 يوما)، وان يعود المفرج عنهم الى منازلهم في العيد، فيما تبدو هذه الامنية متفائلة بشكل كبير حيث التقديرات تشير الى ان تنفيذ القانون يحتاج على الاقل شهرين.
وكانت الامنيات نفسها قد أطلقها زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر الاسبوع الماضي، بخصوص عودة النازحين الى جرف الصخر جنوب بغداد، وهو ما فجر موجة من الانتقادات ضد الاول.
ويعترف عدنان فيحان رئيس كتلة العصائب في البرلمان بوجود اتفاق بين الإطار التنسيقي والقوى السنية على اعادة السكان الى جرف الصخر.
لكنه يقول في مقابلة تلفزيونية ان عدم تنفيذ هذا البند من الاتفاق السياسي هو بسبب ان «الوقت غير ملائم»!.
ومنذ تحرير الجرف في 2014، كانت أكثر التبريرات لعدم اعادة السكان هو الخوف من رجوع الارهاب ويجب الحصول على موافقة المحافظات المحيطة بالبلدة.
وهذه التبريرات نفسها تساق احيانا ضد تمرير قانون العفو العام. يقول هاشم الكندي وهو مرشح سابق عن كتائب حزب الله ان «اغلب المطلق سراحهم بالعفو العام يعودون الى الارهاب».
الكندي في تصريحات عن العفو العام السابق في 2008، و2016 يؤكد ان «احصائيات الحكومة تؤكد ان 80% من المفرج عنهم عادوا الى ارتكاب جرائم واغلبها ارهابية».
لذلك يعتبر الكندي والنائب بهاء نوري المتحدث باسم دولة القانون في مقابلات سابقة حول العفو العام، ان الافضل هو «عفو خاص بدلا عن العام».
وينفي السَنة بالمقابل ما يتم الترويج له بأنهم يسعون الى «تبيض السجون» وإطلاق سراح «الملطخة ايديهم بدماء العراقيين».
يقول زياد الجنابي القيادي في تقدم وحضر مناقشات ورقة الاتفاق السياسي: «سيفقد قادة الإطار التنسيقي الدعم الشعبي والدولي إذا تنصلوا عن العفو العام وباقي بنود الاتفاق».
ويضيف الجنابي في لقاء تلفزيوني: «اوضاع ذوي المعتقلين سيئة جدا. البعض باعوا بيوتهم وسياراتهم لدفع اجور المحامين لإطلاق سراح ابنائهم».
وترى القوى السنية بانها قد اضاعت فرصة لتمرير «العفو العام» كانت ممكنة قبل اعتزال مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري السياسة.
والقانون كان يمكن ان يمرر في وقت التحالف الثلاثي الذي ضم حينها الصدر والسنة (تحالف السيادة) والكرد (الحزب الديمقراطي)، باشتراط تمرير الامن الغذائي (شرعه البرلمان العام الماضي بدعم من الصدر) مقابل «العفو العام».
وفي البرلمان يقول عارف الحمامي عضو اللجنة القانونية ان «نسخة العفو العام التي ظهرت هي قديمة من زمن الحكومة السابقة».
ويضيف الحمامي في حديث مع (المدى): «هذه النسخة كانت متأرجحة بين الحكومة والبرلمان ولم يكن هناك قرار بإطلاقها قبل الان».
ويؤكد النائب انه «حتى الان لم يجر اي نقاش داخل اللجنة القانونية حول قانون العفو العام».
وعن رأي الإطار التنسيقي ودولة القانون الذي ينتمي اليه الحمامي، يشير الى ان «العفو العام ضمن الاتفاق السياسي لكن هناك خطوط حمراء».
ويفصّل النائب تلك الخطوط التي لا يمكن للقوى الشيعية عبورها بشأن العفو العام بأنها «رفض شمول المتهمين بالإرهاب وبقضايا الفساد».
ويقول الحمامي ان النقاشات مازالت طويلة بشأن قانون العفو العام وهناك تفاصيل طويلة «والشيطان يكمن في التفاصيل».