طالب عبد العزيز
في النظم الديمقراطية والملكية والاستبدادية أيضاً عادة ما يتم تشكيل الوزارات على وفق مبدأ الاهلية والقدرة، في إدارة شؤون البلاد، وبما يُسهم في تطوير البلاد، والنهوض باقتصادياتها ومشاريعها التنموية، الامر الذي لم يحصل في دكتاتورية صدام السابقة، ولا في ديمقراطية العراق الامريكية اللاحقة، ولا نجانب حقيقة في قولنا بأن كلَّ ما حدث ويحدث هو نتاج السوء ذاك وهذا.
تشذُّ القاعدة أحياناً، فنرى وزيراً في مكانه الصحيح، ويصبح بذلك عين القلادة، وعايشنا وزراء قدموا ما أمكنهم، لكنَّ الشذوذ نادرٌ وقد ينعدم سنين طوالاً، فالارتجال والمحسوبية سمة في إدارة البلاد، ويطلعنا تقلّبُ الوزارات في العراق منذ أول حكومة بعد العام 2004 على أسوأ النماذج الوزارية، وتمنحنا المخرجات في نهاية كل دورة انتخابية أسوأ الاحوال، وما ذلك ببعيد عن كل مطلع ومراقب، وهكذا، تضيع فرص التنمية، وتنعدم خطط المستقبل، فيذهب المال، وتحترب البلاد، ويتدخل الاجنبي، فتصبح الخيانة من أعمال الجهاد، وتاسيس المصارف خارج العراق مشاريع تنمية واقتصاد سوق ووو.
حتى اليوم ما زالت تبنى فكرة الاستيزار على مقدار المال الذي يؤمنه الوزير للحزب، أو الكتلة التي اقترحته، ويتقدم الوصف هذا كل وصف، فيكبّل الوزير بقيد رئيس الحزب، وتشترط اللجنة الاقتصادية عليه مبلغاً، عن كل مشروع يقترحه، ويصادق عليه، وبذلك عمّرت المقار الحزبية، وتضاعفت أسلحة فريقها المسلح، وطال اسطول مركبات رئيسها، وأديمت القنوات التلفزيونية.. أما مستقبل البلاد والمشاريع والخدمات فهي في أدنى سلم التفكير. وكلنا اطلع على حيثيات اختيار الوزارات، والاتصالات الهاتفية، والزيارات الليلية والغمز واللمز والقدح والمدح وقلّما رأينا مرشحاً تقدَّم على مرشح آخر بناء على أهليته وكفاءته، فالامور هذه تدَّبر بليل.
لكن، قد يتفلتُ من طوق الحزب والكتلة مرشحٌ حقيقي، فيدخل الوزارة الرجل المناسب، ويخسر الحزب المال وتربح الوزارة الاعمال، وشاهدنا أسماء نبيلةً، دخلت بقدرتها، وخرجت بتحقق أعمالها، على الرغم من وجودها في وزاراتٍ هامشيةً، وبموازنات شحيحة، أولئك الذين تسنموا مناصبهم خارج حدود الزمن العراقي، المعروف بالسوء، فكانت استثناءً لقاعدة الحكم، التي بنيت على اساس المنفعة والاستحواذ، وقد يفيدنا هنا نموذجا وزارتي الثقافة والسياحة والموارد المائية، التي يتراجع عند كرسييهما صراعُ الكتل، فهما بتخصيصات ضعيفة أولا، وبلا مشاريع كبرى، ولا تشكلان أهمية سياسية ثانياً. لكنَّ أداء الوزراء فيهما كان مشرفاً، ويحقُّ لنا ذكر وزراء الثقافة (مفيد الجزائري وعبد الامير الحمداني، وفرياد راوندزي، وحسن ناظم) ووزيري الموارد المائية (حسن الجنابي، وعون ذياب عبد الله).
وبناء على الحكمة والاستثناء نرى مفارقة كبرى في آلية اختيار وزير لأحدى الوزارات العلمية الهامة ووزير الموارد المائية على سبيل المثال، فقد جاء الاول بمكالمة هاتفية آخر الليل، فيما جاء الثاني بناء على كونه الموظف الاقدم في الوزارة. الاول يحمل شهادة عليا من جامعة إسلامية، والثاني بشهادة البكالوريوس في علوم الهندسة المدنية من جامعة البصرة سنة 1968، ودبلوم عال في الهيدرولوجي عام 1974، وتدرج في السلم الوظيفي بالوزارة حتى اصبح وزيراً. في لقاء متلفز معه تحدث وبالارقام والسنوات والاسماء عن زيارته مع رئيس الوزراء الى تركيا، فكان مثار اعجاب الرئيس أوردغان والمسؤولين المائيين بانقرة، هذا الرجل(الاستثناء)واحدٌ من الاختيارات الصحيحة في حكومة السوداني، يعمل على وضع القواعد الاساسية لحقوق العراقي المائية مع تركيا وإيران، تلك التي اهملت طويلاً، فما أجملك من استثناء يا أبن الفاو.