TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الدين والتنمية المستدامة.. كيف ومتى يلتقيان؟

الدين والتنمية المستدامة.. كيف ومتى يلتقيان؟

نشر في: 12 إبريل, 2023: 10:55 م

ثامر الهيمص

جدل التنمية والتدين ما زال ساخنا في الساحة الثقافية, ليفرض نفسه على مصائر الشعوب باغلب دول الاطراف في العالم. فلا يوجد مثلا فقه للتنمية الوطنية بمفهومها الحديث. رغم ان الغرب او امريكا كانت البروتستانية والكالفنية شعارا واسلوبا للعمل لدرجة كبيرة بأسم روح الراسمالية.

فحتى وقت قريب كانت هذه الروح تطرح في الحملات الانتخابية, فقد قال ريغان اثناء حملته الانتخابية’ وهو يرفع الكتاب المقدس بيده معلنا ان به حلول كافة مشاكل العصر. كما الكثير من الاحزاب الاوروبية (العلمانية) تحمل اسم المسيحية ولها اغلبية كبيرة في الدول الغربية’ فهذا التفسير مشاع اذن بين اتباع الاديان جميعا’ وليس حكرا على المسلمين. (صلاح قنصوه / مجلة الدين والاقتصاد /ص78/ 1990). بذلك نكون لسنا بدعا’ ان يكون الدين رافعة تنموية وطنية, رغم ان الاديان عموما, عدا اليهودية عندما سيست صهيونيا’ ليس لها وطن.

اما المواطنة فهي منتج لمفهوم الوطنية وتجسيدا عمليا’ لتصبح تطبيقا عمليا لها, وتراثنا وديننا كانت الوطنية والمواطنة هي باكورة مأسسته في المدينة المنورة من خلال نص صحيفة المدينة, التي اوجدت المواطنة في مجتمع, يتكون فقط من قبائل واديان, فقد اشتملت الصحيفة على خطاب اتسم بالبعد الانساني ومال ميلا واضحا الى ترسيخ مفهوم المواطنة, كما ان النصوص كرست الى حد ما مفهوم الهوية والانتماء الى المدينة (يثرب). (رحيم ابو رغيف / اوطان واديان / مقاربات في جدل الدين والدوله / ص27/ 2020/ طبعة اولى).

هذا شرط قيام دولة الرسول (ص) الذي جسد القول بالعمل مستندا للاية الكريمة (بسم الله الرحمن الرحيم / كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون), وهذا الموقف العملي المؤسس هو امتداد طبيعي يأتي في سياق الدعوة الذي اسسه الرسول (ص) في مكة المكرمه وتجسيدا عمليا له. اذ كان عدد المسلمين الاوائل قليلون قياسا الى عدد سكان مكة, الذين كانوا عدة الاف, لكنه كان في الواقع قوة وكثرة, قوة لان المسلمين كانو كتلة واحدة, متحدة اسلموا عن ايمان وعقيدة وبذل الغني منهم كل ما ملكه في سبيل الله, وجعل نفسه في خدمة رسوله. كانوا كثرة, لانهم كانوا يد واحدة, لا يفرقها طمع ولا حسد, على حين كان اهل مكة زعماء متفرقين متنافسين متحاسدين ليست لهم كلمة واحدة ولا عقيدة واحدة يدينون بها. (جواد علي / تاريخ العرب في الاسلام / ص/220 //2009).

هذا تراثنا بنقائه المؤسس كان اللبنة التاريخية والروحانية للتأسيس الغني عن التعريف, وكان ولا زال درسه الاساس المؤسس هو المواطنة الحقة على ارض الوطنية العابرة للهويات الفرعية الداخلية. بدونهما لا يمكن تصور قيام دولة القانون والتنمية. ولهذا يمكن القول ان العلمانية كان ولا زال جذرها ديني الطابع لدرجة ان كثير من التنويرين لم يتخلوا عن اعتقادهم الاساس منزوع التطرف. من ديكارت الى جان جاك روسو وغيرهم من المؤسسين.

فالنجاح الذي صادف التجارب الناجعة يقترن فقط بالمصداقية عبر النتائج التي تنامت, بعد ان هجرت الدعوة المحمدية التنافس والفرقة المبنية على التغالب والتنافس المرتكز على هويات فرعية تخص كل طائفة بطائفتها, ولذلك كانت الوطنية ولا زالت هي القاعدة الذهبية. والمواطنة اداتها الوحيدة, كما جسدها الاسلام في المدينة, لتتحول مبادئها منارا داخليا وخارجيا عمليا ونظريا, وحسب قوله تعالى (كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لاتفعلو).

علنا لا نظيف شيئا اذا ما قيل ان القسم القانوني الذي يؤديه من يؤديه مخالف للنص القراني اعلاه اولا وليس اخيرا, ناهيك عما تقوم به احزاب المكونات الثلاث من اعلام يتقاطع على الاقل مع نتائج كل دورة انتخابية, وهذا يكفي تفسيرا لما ألت اليه الامور بعد العشرين ربيعا خلت. هذا من الناحية الشرعية ولا جدال او تسويغ يشرفه ان يذود عما سلف.

والاحتكام للدستور شاهد عل ما سلف على الاقل في ديباجته (لم يثننا التكفير والارهاب من ان نمضي قدما لبناء دولة القانون, ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من ان نسير معا لتعزيز الوحدة الوطنية وانتهاج سبل التداول السلمي للسلطة, وتبني اسلوب التوزيع العادل للثروة, ومنح تكافؤ الفرص للجميع. الا يكفي ان نقول اين نحن من الديباجة التي بمثابة مبادئ عامة للدستور؟

اما المتذرعون من ان الفلاح كعينة واسعة عميقة ومعبرة عن اغلب التوجهات الثقافية والاجتماعية’ فأنه اي الفلاح وتراجع دوره في العمل والانتاج يعود لسلبية متوارثة, نقول كلا كون الادارة الاقطاعية بكل سلبياتها كانت الاوفر انتاجا بعد ازاحة الاقطاع مباشرة, اذ لا زالت ذات الادارات الهشة. اي المجالس المحلية والتنظيمات الحزبية والنقابية – بدون وجود ملموس في حياة جماهير الفلاحين, انها اجهزة هشة وغير فعالة. يضاف الى كل ذلك تسلطية الحاكم وعدم جديته في بناء ديمقراطية حقيقية. (د. كمال المنوفي / الاسلام والتمية / دراسة ميدانية /ص80 /1985 ط اولى). هذا السبب الاساس الذي حال دون تطور الانتاج في الزراعة والصناعة سواء من خلال التحديث او التقليدي من الاساليب والادوات والمبادئ.

وقد كانت الارقام التالية كافية للتعبير عن سوء الاداء والفشل الذريع الممنهج. فقد كشف الامين العام لمجلس الوزراء عن المبالغ التي هربت الى خارج العراق خلال السنوات الماضية (اي السنوات قبل 2012) تقدر ب180 مليار دولار, موضحا ان 5% من التحولات الخارجية تتم بطرق قانونية. (مجلة حوار عدد ايار 2012 / ص/5). اما الان المشكلة الاكبر والتي يحاول البرلمان والحكومة التغطية عليها من خلال هذه الميزانية. هي مسألة الحسابات الختامية للموازنات السابقة من 2010 ولليوم, والتي تخفي ورائها فسادا ونهبا منتظما وبرعاية رسمية من قبل نفس المنظومة التي سودت هذه الموازنة ووافقت عليها. (عباس العلي / جريدة المدى ليوم /28/اذار / 2023).

بات الامر واضحا بأن اعادة انتاج اعلاه قد تكون الموازنة الثلاثية ملاذا امنا للانتاج المعاد مستقبلا. ؤالسؤال الاكبر الان اين يلتقي او يتعشق دين الحق مع التنمية المستدامة بعد التقاطع الاساسي بين تدينات وتطرفات مع المشروع الانمائي المستدام؟

بعد استعراض بسيط جدا لتاريخنا الاقتصادي بدأ من الحرب العراقية الايرانية الى اليوم, نرى اقتصاد حرب معجون بالحصار الاخير بعد حرب الكويت, لتتعملق ادوات ومناهج هذه المرحلة بعد وما سميت بالدولة العميقة بعد 2003 في ظل مستوردها الهجين سميناه ديمقراطية لبيرالية (للقشر) وكان الحصاد واضحا من اجهزة تلك الفترة بمفاهيمها وقوانينها واعرافها.

فيتعايش الاقتصاد العراقي بين (مفارقتين اقتصاديتين) هما نتاج الاقتصاد السياسي للحرب والحصار على مدى اكثر من ثلاثة عقود. فالاولى: هي ولادة نمط تجاري استهلاكي يلبي متطلبات اقتصاد الحرب او الحصار او كليهما عبر خلق سلسة وسطاء تجاريين اقليميين ألت الى امتصاص فوائض مالية مهمة في تحصيل سلع وخدمات يوفرها المنشأ الوسيط في الغالب, مما جعل ثمة تجذر تجاري ومصالح مشتركة وروابط قوية تقود السوق العراقية نحو اسواق الاقليم. والمفارقة الاخرى: هي المفارقة اللصيقة بعوائد النفط وارتباطها بسلوك الموازنة العامة التي تحولت من نمط استهلاكي حربي يختلط فيه الدم بالخبز عبر العقود الماضية الى نمط استهلاكي جديد يختلط فيه الخبزبتدهور الكفاية الاقتصادية ومصادرة التنمية الحقيقية للبلاد في اتجاهات غامضة ارتهن فيها الاقتصاد العراقي في نهاياته بالتجارة الاستهلاكية والتطورات الاقليمية كما يحصل في الوقت الحاضر وهو ارث لم تسطع البلاد مغادرته في معادلة الاقتصاد السيتسي للحرب والحصار. (د. مظهر محمد صالح /الاقتصاد الريعي المركزي ومأزق انفلات السوق /ص31/ 2013).

هنا فقط يلتقي الدين الحق ويتعشق مع التنمية المستدامة ليخرجا العراق من الاقتصاد الريعي ودولته العميقة العقيمة. باعادة الامور الى نصابها حيث يأخذ الاقتصاد الحقيقي دوره بزراعته وصناعته وخدماتهما باريحية بديلة عن تفرعن الاقتصاد الريعي الذي حصدناه منه عمليا ولحد الان حيث يصب اولا في خانتي الحروب والحصار ثم الفساد خاتمة العاقبة الذي تدور في فلكه موازنتناتنا السنوية والثلاثية.

فعلينا تحييد كهنة الدولة العميقة العقيمة’ ولكن ليس تحييد على الطريقة الاسرائيلية. بل عبر القانون والدستور والمصالحة الوطنية الحقيقية وديمقراطية غير مدجنة تخدم الدولة العقيمة العميقة... والعاقبة للمتقين فقط.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram