TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > عجز الأمم المتحدة بمواجهة علاقات القوة العالمية

عجز الأمم المتحدة بمواجهة علاقات القوة العالمية

نشر في: 17 إبريل, 2023: 12:07 ص

بيير ديربيس*

ترجمة: عدوية الهلالي

تم استهداف روسيا في أقل من عام بقرارين في الأمم المتحدة، وتستعد حاليا لرئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمدة شهر، وهو وضع حساس يُحيي النقاش حول أسلوب إدارة هيئة الأمم المتحدة. فهل سيكون لدى المنظمة الدولية الوسائل لمعارضة روسيا؟

وتتناوب الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي على رئاسة هيئة حفظ السلام الدولية كل 15 شهرًا. لذلك كان تناوب روسيا على الرئاسة متوقعًا وحتميًا، وهو قانوني تمامًا من وجهة نظر القانون الدولي. ولكن بعض الجهات الدولية الفاعلة، وفي مقدمتها أوكرانيا، شجبت هذا التضارب. لأنه بالإضافة إلى القرارين اللذين صوتا ضد الكرملين في عام واحد، تمت محاكمة رئيس الدولة الروسي، فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية.

هل يمكننا الحديث عن تحييد الأمم المتحدة؟ من الناحية الفنية، ليس في الحقيقة. إن الصلاحيات التي تمنحها رئاسة مجلس الأمن محدودة من حيث الوقت والممارسة: إدارة جدول الأعمال، إلخ. نتيجة لذلك، سيكون التأثير على الصراع في أوكرانيا معدومًا حتى لو كان بإمكان موسكو أن تأمل في بعض الثمار الدبلوماسية: يمكن أن تكون الرئاسة فرصة للكرملين لاستعادة صورته.

وتبقى الحقيقة أن هذه الحلقة هي رمز لنقص المنظمة المزمن للسلطة والتأثير على المشهد الدبلوماسي العالمي. والأمر بالأمس كما هو الحال اليوم، فالأمم المتحدة غير قادرة على تنفيذ قراراتها وعمليات حفظ السلام بشكل مستقل.

إن التعددية التي دعت إليها الأمم المتحدة لم تستطع أبدًا أن تحل محل ميزان القوى العالمي. وخلال الحرب الباردة، كانت ديناميكيات الكتل هي التي تحكم في النزاعات. فخلال أزمة السويس في عام 1956، كانت الولايات المتحدة، وبدرجة أقل الاتحاد السوفيتي، هي التي اخضعت باريس ولندن، وليس نشر الخوذات الزرقاء.

وفي عام 1991، سمح تفكك الاتحاد السوفياتي للولايات المتحدة بادارة النظام الدولي. وتم حل النزاعات الرئيسية في التسعينيات، مثل حرب الخليج أو الحروب في يوغوسلافيا السابقة، من خلال عمل واشنطن. وفي مواجهة هذا الانقسام على المستوى الجيوسياسي، تلعب أوروبا دورًا ثانويًا. والأمم المتحدة ليست سوى أداة في سياق حفظ السلام.

وفي عام 2003، شنت واشنطن ولندن حرب الخليج الثانية دون تفويض من الأمم المتحدة. ويدل هذا الحدث على أن المؤسسة لا حول لها ولا قوة عندما لا تستفيد من دعم ضامنها التاريخي والقوة العسكرية العظمى الوحيدة في العالم. كما إن إعلان عام 2004 للأمين العام للمنظمة الدولية كوفي عنان، الذي يذكر أن هذه الحرب غير شرعية بالنسبة للأمم المتحدة لم يغير شيئًا.اما في عام 2011، فلم يكن التدخل في ليبيا، بتفويض من الأمم المتحدة، نتيجة إجماع حقيقي، بل نتيجة تفوق قوي للدول الغربية داخله. وفي الواقع، تواجه عملية الحامي الموحد معارضة مبدئية، لا تخلو من الغوغائية، من الصين والهند وروسيا والاتحاد الأفريقي وبدون أن يكون لديهم الوسائل لمعارضتها حقًا.

إن وسائل العمل، بالمعنى القسري، للأمم المتحدة محدودة. ليس فقط بسبب انخفاض مواردها، ولكن أيضًا لأن التبرعات مشروطة بقدرات وحتى موافقة الدول المانحة. ومن بين هؤلاء، استحوذت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن على أكثر من 50٪ من التمويل في عام 2021، بما في ذلك 27٪ من الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن هؤلاء المانحين الرئيسيين يحتفظون بالجزء الأكبر من القدرات العسكرية للكوكب، والولايات المتحدة في المقدمة بالتاكيد.

ومن هذا المنظور، فإن عمليات حفظ السلام ليس لها في نهاية المطاف سوى دور أداة تخضع علاوة على ذلك لتقلب الإجماع الدبلوماسي. علاوة على ذلك، فإن القدرة على العمل لعمليات حفظ السلام هذه غالبًا ما تخضع إلى حد كبير لوجود الجيوش الداعمة. وهكذا، في مالي، كانت قدرة مينوسما، وهي بعثة الامم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي، محدودة بالفعل في التصرف ويعود ذلك إلى حد كبير إلى وجود الجيش الفرنسي.

وإذا كان تأثير الأمم المتحدة على الحفاظ على السلام العالمي ضعيفًا، فإن المنظمة تحتفظ بالشرعية الدبلوماسية.. وفي الواقع، فقد كانت ولا تزال منصة، ومنتدى مهمًا للدول الفقيرة والناشئة، والتي تجبر الدول المتحاربة مثل روسيا على البقاء فاعلة هناك. ناهيك عن المزايا السياسية للمكان الدائم في مجلس الأمن.

ولايستبعد هذا الوضع احتمال تعدد الأقطاب في النظام الدولي في المستقبل القريب، بشرط استمرار التنافس التكنولوجي والعسكري مع الغرب. وفي هذه الحالة، سيتمكن عدد متزايد من البلدان من العمل ضد الضوء الأخضر من الأمم المتحدة. وهذه هي حالة روسيا والصين وجميع البلدان التي، على الرغم من إدراكها للمزايا الدبلوماسية التي توفرها الأمم المتحدة، ترفض عقيدة تأسيسها المتعددة الأطراف.

أما الجدل الحالي حول الرئاسة الروسية لمجلس الأمن فهو ظاهرة ثانوية لهذا الوضع، وموسكو تلعبها. ويمكن تفسيره على أنه إشارة ضعيفة للتحول في الأمم المتحدة. وقد تم تصميم الحمض النووي الأصلي للأمم المتحدة لجعلها الضامن للسلام العالمي ومصدر القانون الدولي في إطار نظام متعدد الأطراف في مايخص عقيدة الإلهام الغربي والأمريكي بشكل خاص. لكن الظهور التدريجي لعالم متعدد الأقطاب وإضعاف الهيمنة الغربية يعيد خلط الأوراق. فمن ضامن الحفاظ على السلام العالمي، تحولت الأمم المتحدة إلى هيئة دبلوماسية بسيطة ذات مكانة ونفوذ تكتفي فقط بترديد صدى ميزان القوى الدولي.

* خبير اقتصادي

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: متى يعتذر العراقيون لنور زهير؟

 علي حسين إذن، وبوضوحٍ شديدٍ، ومن غير لفٍّ أو دوران، لا تنتظروا إصلاحات ديمقراطية ولا حلاً للأزمات السياسية التي ما أن تنتهي واحدة حتى تحاصرنا واحدة جديدة ، ولا تطمئنوا لأن الإعلام يزعج...
علي حسين

قناطر: السَّرّاجي: القرية والنهر والجسر

طالب عبد العزيز " ثمة قليل من الاغريق في سان بطرسبورغ "جوزيف برودسكيكثيراً ما أسأل نفسي: أيمكن أنْ يكون الشاعر مؤرخاً، أو كاتباً لسيرة مدينته؟ فأجيبُ: أنْ نعمْ. ولعلي الى الثانية أقربَ، فأنا ممسوس...
طالب عبد العزيز

في طبيعة المجتمع المدني في الدولة الديمقراطية ومهامه

د. فالح الحمـراني تطرح قضية تفعيل المجتمع المدني في العراق اليوم نفسها بصورة حادة، لا سيما على خلفية تقصير المؤسسات المنتخبة وأجهزة الدولة في أداء دورها المطلوب حتى في إطار القوانين المتعارف عليها في...
د. فالح الحمراني

الاقتصاد الهندي من التخلف إلى القوة الاقتصادية

موهيت أناند ترجمة: عدوية الهلالي منذ أن بدأت الإصلاحات الاقتصادية في عام 1991، عندما تخلت عن نموذجها الاقتصادي الحمائي والاشتراكي، أصبحت الهند ثالث أكبر اقتصاد (بعد الصين والولايات المتحدة) من حيث الناتج المحلي الإجمالي.،...
موهيت أناند
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram