اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > عن رواية التخييل التاريخي ومعنى الغربة والمنفى:شاكر نوري: التاريخ مثلُ مِصباحٍ كَشّافٍ يدو ر حولَ الوُجودِ الإنسانِي

عن رواية التخييل التاريخي ومعنى الغربة والمنفى:شاكر نوري: التاريخ مثلُ مِصباحٍ كَشّافٍ يدو ر حولَ الوُجودِ الإنسانِي

نشر في: 18 إبريل, 2023: 12:45 ص

حوارــ علاء المفرجي

مِنْ مدينةِ مولدِه جَلّولاء-دِيالى، قصدَ شاكر نوري، مدينةَ أبيِه بَغداد ليَدرسَ في جامعتِها، وينالَ شهادةَ البَكالوريوسْ في الأدبِ الإنجليزيّ في 1972.

بعد ذلك، عادَ إلى مدينتِه، ليَعملَ أستاذًا للُّغة الإنجليزية في الثانويَّة لمُدَّة أربعِ سَنوات، ثم قرَّرَ الهِجرةَ إلى باريس في 1977 التي مكثَ فيها حتى 2004 حيثُ حصلَ على درجةِ الماجستير في الإعلام مِن المَدرسةِ العُليا للدِّراسات وشهادة "بي. تي. أس." في التَّصوير السينمائي مِنْ مَعهد لوي لوميير في 1979 والدُّكتوراه في السينما والمسرح من جامعة السوربون في 1983. عملَ مُراسلاً ثقافيًا لعدَدٍ من الصُّحفِ والمَجّلاتِ العِراقية والعِربية وعملَ في إذاعةِ مونتِكارلو وجامعة السوربون. يعملُ حاليًا في الصَّحافةِ والإعلام والتدريس الجامعي في دُبيْ.
نال الجوائز التالية: *جائزةَ ابن بطوطة لأدَبِ الرٍّحلات عن كتابٍه "بطاقةُ إقامةٍ في بُرجِ بابِل. يَوميَّات باريس" 2013. جائزة كتارا للرواية العربية عن روايته "خاتون بغداد" 2017. جائزة الصحافة العربية في دبي، الامارات العربية المتحدة، حقل الحوار الصحفي 2018.

صدرَ له: نافذة العنكبوت. رواية. المؤسسة العربية. بيروت 2000 نزوة الموتى. رواية. دار الفارابي. بيروت 2004، ديالاس بين يديه. رواية. دار الفارابي بيروت 2007، كلاب جلجامش. رواية. الدار العربية للعلوم. بيروت 2008، المنطقة الخضراء. رواية. دار ثقافة. أبوظبي ــ بيروت 2009، شامان. رواية. دار كتّاب. دبي. الامارات. 2011، مجانين بوكا.رواية. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. بيروت2012، *جحيم الراهب.رواية. شركة المطبوعات للتوزيع والنشر. بيروت2014، خاتون بغداد. رواية. دار كتّاب دبي. ودار سطور للنشروالتوزيع. بغداد. 2017. طائر القشلة. رواية. دار المؤلف بيروت. 2019، * الرواية العمياء. شركة المطبوعات. بيروت 2020.

إضافة إلى كتب فكرية وترجمات عديدة.

 نبدأ من آخر رواياتك (الرواية العمياء)، اين تتقاطع وأين تلتقي، مع روايات أخرى دارت في الموضوع نفسه، "بلاد العميان" لهربرت جورج ويلز، و"العمى" لجوزيه ساراماغو، و"الموسيقي الأعمى" لـلروائي لفلاديمير كورولينكو.

- سؤال جميل، رواية " بلاد العميان" رائدة في مجال الكتابة عن العميان، حيث ربط هربرت ويلز بين العمى والخطئية، وهو كتب أسطورة أكثر مما كتب قصة أو رواية، يتحدث الروائي عن مجتمع عميان بكامله، ومن هنا ثمة اشتراك مع روايتي "الرواية العمياء" بأن الأحداث تدور في مجتمع عميان كما هو حال العميان في معهد تأهيل العميان في بغداد، هنا اجتمع العميان وشكلوا مجتمعًا كاملًا له قوانيه وقواعده في الحياة. بطل الرواية يكشف العمى ماديًا بينما بطل روايتي يكتشف العمى روحيًا. وساراماغو يقتبس فكرة العمى من رواية "بلد العميان" حيث العمى مرض يصيب سكان المدينة بكاملها، وشخصيات هذه الرواية لا تبقى في الذهن لأنها لا تحمل أسماءً وأجدها ذات مفاعيمية فلسفية أكثر مما عي رواية. الروايتان تتحدثان عن العمى كوباء، أما في روايتي فالعمى ليس وباءً، لأن العميان متكيفون مع هذا العمى، ومنسجمون مع بعضهم، وبينهم فنانون ومبدعون وموسيقيون، وحالهم حال المجتمع العراقي ينتشر بينهم الفساد أيضًا، لذا فالعميان ليسوا ملائكة. أما رواية "الموسيقي الأعمى" فهي تتحدث عن وراثة العمى منذ الصغر، لذلك تظهر عند البطل الحواس الأخرى بشكل أقوى لأنه فقد حاسة النظر، وهو أمر طبيعي. تشترك روايتي مع هذه الرواية بأنها مليئة بالحب والقوة والضعف. إذًا هناك تقاطعات ولقاءات بين روايتي والروايات التي ذكرتها في سؤالك، وهو أمر طبيعي، لكن الفكرة الأساسية لروايتي هي: كيف يتجسس المبصرون على مجتمع العميان. لا بد من القول أن الروايات التي تدور حول العميان ما تزال على عدد الأصابع وربما "الرواية العمياء" هي أول رواية عربية حول العميان.

 غادرت العراق منذ ما يقرب من خمسين عاما، متنقلا بين عدد من البلدان، ما الذي اضافت لخزينك السردي هذه الغربة؟

- المنفى الاختياري الذي قاد حياتي كان مثل القدر لأنني خرجت من العراق بسبب انعدام الحرية والهجمة العنيفة على الأفكار اليسارية في عام 1977، لأن مَنْ حكمونا كانوا من الحمقى وغير المأهلين لقيادة دولة. جعلني المنفى اكتشف بلدي أكثر فاكثر، صاحب الحضارات والثقافات والمعين الابداعي الذي لا ينضّب، كما أن الاطلاع على تجارب الآخرين والقراءة باللغات الأخرى، الانجليزية والفرنسية، ولقاء الأدباء الكبار جعلني أكتشف أن الخزين السردي في بلدي كبير وواسع ومتعدد. إنها الحالة التي اكتشف فيها أحد شخصيات روايتي "كلاب جلجامش" أثناء ارتحاله إلى الخارج بأن أرض الرافدين هي الكون، فوجد أن سفره لا معنى له، لذلك قرر العودة إلى بلده، والانطلاق في حياة جديدة. فالخزين السردي المتألق نابع من الخيال لا شيء قادر على مجاراة الخيال الابداعي. عن المنفى، كتب الرواي الايرلندي العظيم جيمس جويس ذات مرة بأنه ابتعد عن دبلن لكي يكتب عنها. وإذا سمح لي فغنني استعبر عبارته للتعبير عن الفكرة ذاتها. إنها المسافة التي تجعلنا نرى العالم بشكل أوضح، والمنفى من شأنه أن يجعلك تتعلق بالوطن أكثر فاكثر لأنك تشعر بالفقدان. إنني كمن ينظر في بئر، وبيده مصباح لكي يبدد الظلمة ليكتشف قاع هذا البئر، والعراق بئر لا قرار له في أعماق الأرض. وهو بأمس الحاجة إلى الروائيين وكما قلت ذات مرة، بأن كل متر مربع من أرض العراق بحاجة إلى رواية. وهذا ما يوقظ الخزين السردي عند الروائيين ويجعلهم في صدارة المشهد.

 نلاحظ في المشهد الروائي في العراق ضعف الاهتمام بالرواية التاريخية اليوم الذي قد يكون غياب مفهوم دقيق لمصطلح الرواية التاريخية وجوهره وتكوينه، ما مدى صحة ذلك؟

- لا بد من القول أن الروايات التاريخية هي الروايات العظيمة وأكثر الأنواع ثراءً في السرد، وضعف الرواية التاريخية أو بالأصح رواية التخييل التاريخي آتٍ من ضعف الوعي بأنه الوعاء القادر على التعبير عن أعماق مشاكلنا. وتأتي أهمية الرواية التاريخية أنها قادرة على التعبير عن أعقد المشاكل التي تواجه أية أمة. على سبيل المثال، لا يمكن حشد 500 شخصية إلا في الرواية التاريخية "الحرب والسلام" لتولستوي أو غيرها من الروايات لأنها العمق الحقيقي للرواية. ولنا أمثلة كثيرة في هذا المجال، كروايات: قصة مدينتين لتشارلز ديكينز، أنا، كلوديوس لروبرت جريفز، مذكرات هادريان لمارجريت يورسنار، اسم الوردة لأمبرتو إيكو، حرب نهاية العالم لماريو فارغاس يوسا، الحروب الصليبية كما رآها العرب لأمين معلوف، العطر: قصة قاتل لباتريك سوسكيند، حياة أميرة عثمانية في المنفى لكنيزي مراد، ورواية "المخطوط القرمزي" لأنطونيو غالا الذي كتب عن سقوط الأندلس من وجه نظر المندحر والمهزوم وليس من وجهة نظر المنتصر، وغيرها من الروايات. إن كتابة رواية التخييل التاريخي وليس الرواية التاريخية هو ما يحتاج إليه واقعنا، وليس الروايات على غرار ما كتبه جرجي زيدان، أو غيره من خلال الالتزام بالأحداث التاريخية بصورة حرفية. لأن على الروائي أن يتلاعب بالتاريخ من أجل إعادة صياغته أمام الأجيال، وإعطاء الحقيقة جوهرها المفقود لأن معظم التاريخ كُتب على هوى المنتصرين في الحروب.

 هل ما تعنيه أنت بـ (التخيل التاريخي)، هي في أن يقوم الروائي في ردم الهفوات وملء الفراغات التي تركها مؤرخو التاريخ؟ أم انها تتطلب وعياً عميقاً في كيفية استحضار التاريخ سردياً من خلال تفكيكه، كما تقول الناقدة نادية هناوي؟

- التخييل الروائي حلّ محل تعبير الرواية التاريخية، لأن الروائي يشتبك مع التاريخ والخيال من خلال السرد، فالتاريخ لا ينتهي بل هو حاضر في حياتنا الآنية، برموزه وأفكاره وتداعياته، كل شيء قائم على التاريخ حتى حياة الأشخاص. إن روايات التخييل التاريخي امتحان كبير لموهبة الروائي وقدراته السردية، فمن السهل أن يقع الروائي في الفخ التاريخي، وهنا ينتفي وجوده كروائي، لأنه ليس مؤرخًا ولن يترضي لنفسه أن يكون مؤرخًا. هناك خيط رفيع يسير عليه الروائي ما بين التوثيق التاريخي والخيال الابداعي إذا سقط في التوثيق لم يعد روائيًا.

تكتسب روايات التخييل التاريخي في أدبنا العربي المعاصر أهمية مضاعفة لأن سجل تاريخنا عبارة عن تاريخ الاستعمار، لذلك لا بد من تفكيك آليات هذا الاستعمار، وفضحه سرديًا، والقاء الضوء على الزويا الغامضة والمعتمة التي أرادها بعض المؤرخين، مدفوعين برؤية التزييف وتشويه الحقائق.

 في روايتك (خاتون بغداد) التي نلت فيها جائزة كتارا 2017، وأيضا رواية (مجانين بوكا)، و"المنطقة الخضراء" استثمرت التاريخ بشكل واضح، هل ترى أنك اعتمدت الوثائق لتجنب السقوط في افخاخ التاريخ؟

- الوثائق ضرورية لهذا النوع من الرواية، لكن ذلك لا يعني نسيان أننا بصدد كتابة رواية يجب أن تتحلى بالجماليات. أوضحت في روايتي "خاتون بغداد" عن الخطوط الأساسية التي سرت عليها في كتابة حياة مس غيرترود بيل، هذه السيدة التي امتزحت سيرة حياتها بسيرة بتاريخ العراق، لكنني خرجت من التاريخ، وأعدت كتابته من جديد، لأن الروائي لا يمكن أن يكون خادمًا للتاريخ، كما يقول ميلان كونديرا. كما أن مهمة الروائي هي بعث الحياة في التاريخ عندما يتثاءب ويستكين. رواية "خاتون بغداد" تتحدث عن مئة عام من تاريخ العراق، وللخروج من التاريخ استحدثت شخصيات خيالية وواقعية لتسرد لنا التفاصيل. إنها ليست رواية وثائقيَّة، رغم أن الحَبكةً تَدورُ حولَ الاستعمارَيْن البريطانِي والأمريكِي للعِراق ولكن عبرَ شخصيَّةِ مركزية هي مِسْ بيل، كما ابتدعتُ ستِّ شخصيَّاتٍ أُخرى افتُتِنوا بها وهُم: يُونس المخرج السينمائي، ونُعمان كاتبُ سيناريو، وهاشِم مُشغِّلُ آلةِ عَرْضٍ في سينما غرناطة، ومُنصور حارسُ مَقبرةِ الخاتون، وأبو سُقراط فَيلسوفُ بَغداد، وفيرناندو المُحقِّقُ الأُمَميُّ في احتراقِ مَكتبةِ بَغداد. عملتً ذلك من خلالِ المَزجِ بين التاريخ والعاطفةِ والخَيال والسِّيرة لأُسطورةٍ حيّةٍ وامرأةٍ إشكاليَّةٍ هي مِسْ غيرترود بيل بعد أن صنعت المُلوك في الشَّرق: الملكُ فَيصل الأوَّل والملكُ سُعود بنْ عَبد العزيز، ووَطدَتْ علاقتَها السياسيَّة مع كِبار القادةِ والسِّياسيّين أمثال السير بيرسي كوكِسْ وهنري دوبسْ والمِستر جون فيلبي وتشِرشِل ولورَنس العَرب. وكل ذلك من خلال التركيز على الحياة الدرامية لهذه السيدة الانجليزية التي كان لها الشأن الأكبر في رسم تاريخ العراق في بداية القرن الماضي.

 هل ترى إذن العودة الى الوثائق في الرواية التاريخية، يفقد العمل الصياغة الجمالية له، وإن كان على حساب المصداقية التاريخية؟

- يمكنني أن استشهد بقول أوكتافيو باث: "أن تكتب رواية هو أن تنشئ حقيقة مستقلة مكتفية بذاتها"، ومن هنا تنبع مصداقية الروائي لأن التاريخ يحتوي الكثير من المغالطات والتزييف والانحراف. وهذا ما كنتُ أطمح إلى تحقيقه في رواياتي ذات التخييل التاريخي: المنطقة الخضراء، ومجانين بوكا، وخاتون بغداد، وروايتي المقبلة الطاعون.. يا بغداد التي تتحدث عن الطاعون في زمن والي بغداد المتنور داود باشا في 1830. يمكنني القول أن هذه الروايات الأربع تطرح التاريخ القديم والحديث للعراق بطريقة سردية قائمة على جوهر الرواية وليس جوهر التاريخ. إن الوثيقة ضروية للروائي ولكنه لا ينبغس أن يتقيّد بها ويصبح أسيرًا لها على حساب جوهر الرواية: الخيال والجمال والخبكة والشخصيات.

 رغم الغربة التي تعيشها منذ أكثر من خمسين عاما بعيدًا عن وطنك، لكننا نرى أن أغلب أعمالك تنهل من الواقع العراقي بكل تفاصيله. ما تعليقك؟

- هذا صحيح، لم أخرج عن محيط العراق عبر 12 رواية كتبتها منذ عام 2000 حتى الوقت الحاضر، وفي جعبتي الكثير من الروايات تدور هي الأخرى عن العراق، لا أستطيع الخروج من هذا الكوكب الذي تحدق به المخاطر من كل مكان، فلعلي أتكيّف مع مسارات هذا الكوكب من أجل انقاذ ذاتي المنصهرة مع هذا التاريخ وأجد التوازن بينهما. تخيّل إنني متعلق بالعراق لدرجة أنني لم أتخل عن جواز سفره البائس.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram