طالب عبد العزيز
عند كلِّ نازلةٍ يلجأ العراقيُّ الى هاتفه والبحث في سلسلة معارفه عن أقوى صديق للخلاص من المأزق الذي وقع فيه، وما أكثر المآزق تلك. وكلما استعصى أمرٌ عليه بحث واتصل أكثر. إذ لا يخلو هاتفُ العراقي من أحد الأسماء الكبيرة(ضابط في الشرطة، ضابط في الجيش، محافظ، أو سكرتير مكتبه في القليل، عضو برلمان، وزير، مدير عام، شيخ عشيرة، زعيم مليشيا، ..
وصعوداً الى رئيس مجلس الوزراء) فتراه يكلم هذا وذاك، ويشرح لهذه وتلك، ويعدُ هذا وذاك بهدية ما، هو لا يطلب فرصة عمل،ولا يطرح قضية في الصالح العام، أو أيَّ شيء من هذا، ابداً، إنما يريد أن يدفع الضرر الذي لحق به، ليس إلا.
لا يفعل العراقي ذلك متجاوزاً وظالماً، هو يفعله حين يكون بريئاً ومظلوماً ايضاً، بل هو يقع تحت طائل ذلك مظلوماً أكثر مما هو ظالماً، فالظالم قويٌّ في بلادنا، والباطل قوي أيضاً، والمتجبّر أقوى، والمستقوون بالحزب المسلح والعشيرة القوية والنفوذ الطاغي كلهم أقوياء، محروسون بعلاقاتهم، ولا تطالهم السلطات، بل وينفذون من فقرات القانون، بأموالهم في اقل تقدير، وإلا فالمحامي الشاطر(ابو الشدات) والقاضي المرتشي والضاغط المتسلط وسواهم قادرون على جرِّ القانون من أذنيه الى قدم المحكوم به، ومن ثم ركله كأيِّ خرقة قذرة.
أيُّ البلاد هذه؟ وفي أيّ العصور الحجرية نحن؟ ولمصلحة من يكون ذلك؟ ولماذا يتوجب على العراقي التوسط والتوسل والتذلل لهذا وذاك، والاتصال بمن في تلفونه من أرقام المعارف، أو اللجوء لزيارة مقر الحزب هذا أو ذاك، ودفع الاموال ورش ماء الوجه على (يسوى والما يسوى) أكل ذلك من أجل حصوله على حقه المنصوص عليه بالقانون؟ أما إذا أخطأ وتلقفه (القانون) فالويل له، إن لم يكن يملك في هاتفه رقم أحدٍ من هؤلاء.
يقع ذلك كله وأزيد في البلاد التي تخرّبُ جهارا نهارا، ويُفسد فيها سراً وعلنا، وتركض بقدمي ابنائها الى كل بلاء ومصيبة، وتحكمها الاحزاب الفاشلة، ويتسيد فيها الوضيع على الشفيع، ويستوزر فيها مزوّرو الشهادات، وأصحاب العلل والمالات، ويترك فيها طالب العلم الحقيقي والمتقاعد المسكين والباحث عن فرصة عمل حائراً، دائخاً، مسطوراً لا يعرف وجهته. الموظف الصائم يدفع به الى الموظفة النعسانة، والمسؤول الطارئ يلقي به بين يدي المسؤول الغبي، ومنتهز الفرص يسلمه الى معقب المعاملات، والشرطي (الأمين جداً) الى المفوض والضابط (الامينان جدا جداً) فيظل يقطع من راتب ولي أمره الدنانير والدنانير ويستل من رصيد الاسرة الهالكة ما ادخرته لإكمال وثائقه، التي هي حقه.
ايتها الحكومة ، ويا سلطات البلاد الناهبة والمنهوبة من قبل ومن بعد، انتم لم تتغيروا عمّن سبقكم في ذهن المواطن المسكين، وأنتم أنتم منذ عشرين سنة، والموظف(الشريف) هو هو، والشرطي (العفيف) هو هو، واللص النظيف هو هو.. الرواتب العليا لكم، وحدكم وفرص العمل لكم وحدكم، والبلاد كلها ملك آبائكم وأجدادكم أنتم انتم، كلكم كما عرفناكم، وستظلون كما أنتم الى يوم يبعثون، وبمناسبة العيد قبحكم الله جميعاً .
جميع التعليقات 1
عدي باش
كل شعب ينال الحكومة التي يستحقها .. اللي من إيده الله يزيده