اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مرساة: طِرِن طَرّونَه (من أدب الفُكاهة والمزاح)

مرساة: طِرِن طَرّونَه (من أدب الفُكاهة والمزاح)

نشر في: 18 إبريل, 2023: 11:39 م

 حيدر المحسن

هناك مفردات عراقيّة غالية على القلب فلا وجود لها مرادف فصيح في المعنى أو الشّكل، وفقدانها سوف يؤدي فراغا وعتمة في القلب حتما، لأنها تُعطي المعنى المُراد بلا زيادة ولا شرح طويل، ومن هذه كلمة “طِرِن”. فما هو معناها، وقد خلت المعاجم وغوغل من أيّ ذِكر لها؟

المعروف لدى العلماء أن اللّغة أصلها اللّسان والقلب، وقيل إن المرء مخبوء تحت لسانه، ويقع القلب تحت اللّسان في البدن، أي أن مصدر الكلام هو القلب فحسب. وأشاء اليوم مخالفة أهل العلم والتّحليل والنّقد، وأقول إننا نتكلّم بكلّ أبداننا، بما فيها من شَعر وأظفار، وكلّ ما تلفظه أبداننا هو من ألفاظنا، فهناك من النّاس القريبين منا تتكلّم معه العينُ منّا، أو دمعها، وهناك من يحادثك ولا تشاء أن تردّ عليه سوى بقدمك، فإن توجّهتَ إليه بالكلام سرتَ معه في طريقه، وأقلّ ما تفعله هو أن تدير له وجهك، ويفهم هو عندها، والزّمان يفهم معك، مرادك...

من المفردات التي لا تجدها في القاموس هي (الطِرِن)، ويمكننا تعريفه بأنّه الشّخص الفضّ عن قصد وإصرار، والذي يظنّ الجهلَ عِلما وثقافة وفنّا وحكمة، ويظلّ منتفخا بجهله، ويكبر... ويكبر... ويصيرُ بعيرا، يصعد التّلّ ولا ينزل منه أبدا.

إنّ آفةَ العقلِ هي الطرونة، وأوّل ما يدلّ عليها سوءُ الخُلق واللّسان والخشونة في الطّبع (البهيميّة). وثاني علاماتها فراغُ العقل، وهذه قطرة من بحر علم أبي عثمان الجاحظ: “جلستُ قربَ الجاهل نصف ساعة فأحسستُ بفراغ عقله في عقلي”. أما الطرن فإن دقيقة واحدة كافية لتشخيصه إذا اجتمعتَ معه، أو أنك لا تحتاج إلى هذه الدقيقة، يكفي أن تنظر إلى حجم رأسه، وسوف تعرفه في التّوّ، فهو كبير كأنّه لبغل واثنين وثلاثة، وربّما أكثر من ذلك بكثير، ويصاحبه دائما عقلٌ كأنّه لوزغة.

علامة أخرى للطرونة تكمن في العينين، فهما ضيقتان وتنطقان بالحدّة من أجل أن يكون المصاب بهذا الداء بعيدا عن الرّؤية والتفكير، فهو أعمى وغبي، وإنْ جاءك بشهادة عليا في الطبّ أو الهندسة أو التعليم فاقرأ على من يتلقّى منه العلمَ السلام، فكيف لبغلٍ أن يطبّبَ أو يهندسَ أو يعلّم؟ البغلُ يعرفُ أن يكدفَ ويرفسَ ويعضّ بأسنانه ويجرح، فما الذي يفعله الطرن غير أن يهذي ويخرف بما لا يعرف، ويسرف بما يخرف...

الخِبِل

مفردةٌ أخرى لا يحتويها القاموس هي الخِبِل، وهذا يعيش في منطقة وسطى بين الجنون والعقل، وله شبه بالطرن كذلك، رغم الفرق البيّن بين الاثنين. يأتينا الطرن بسوء الخلق كلّ يوم بمقدار، بحيث يعتقد المرء أن لديه الكثير منه، فلا أمل بالخلاص، ويأتينا الخِبِل بسوء الخَلق دفعة واحدة، ويتأكد المرء عندها أن لديه الكثير منه، فلا أمل بالخلاص. هذا القرب الطريف بين الحالتين يجعلنا نخمّن وجود أسّ مشترك بينهما.

يتباهى الطرن – وكذلك الخِبِل - بما لديه من غباء مستحكم، وبما يقوم به من باطل في حقّ نفسه والآخرين، ويكابر في الأمر، فتراه يفخر بما هو فيه من حال، ويجاهد كي يرث الطرونة إلى أولاده وأحفاده وهلمّ جرا، والسبب يعود إلى أن ما هو صائر فيه وسادر جاءه عن طريق الوراثة من أجداده، فهو طرن ابن طرن ابن طرن... إلى سابع ظهر، أو مثلما يُقال باللهجة العراقيّة إلى آخر دنكه، بالكاف العجميّة، وتعجب وأنت تتّبع اللقب إلى الأسلاف البعيدين، وتجد أخانا في الله يفخر باسم هذه الدنكه، فيصيغ منها لقبا يريد أن يتمسّك به إلى الأبد، وهذا اللقب هو طرّونه، فهو طرن ابن طرّونه، وأين مكان هذا بين أهل الفنّ والعلم والحكمة والأخلاق الذي يزاحمهم في مجالسهم ويريد أن ينشغل الجميع بالنقص الذي عنده والعوز في أمور تخصّ الفِكر والقلب والضّمير؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الشرطة المجتمعية: معدل الجريمة انخفض بالعراق بنسبة 40%

طبيب الرئيس الأمريكي يكشف الوضع الصحي لبايدن

القبض على اثنين من تجار المخدرات في ميسان

رسميًا.. مانشستر سيتي يعلن ضم سافينيو

(المدى) تنشر جدول الامتحانات المهنية العامة 

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram