محمد صادق جراديمثل الفساد بأنواعه تحدياً خطيراً في وجه أي محاولة للتنمية في البلدان التي تعيش فترة انتقالية حيث تشهد الساحة العراقية بعد التحول الديمقراطي صراعات متعددة في الأفكار والقيم والمفاهيم فكلما أردنا تطبيق مفاهيم جديدة اصطدمنا بالموروث السابق الذي ترسخ في ذاكرة وأخلاقيات البعض وتحول إلى عرف ثابت من الصعب تغييره .
ومثال على ذلك إننا عندما نحاول تطبيق مفاهيم وقيم النزاهة والشفافية في المجتمع العراقي نصطدم بتفشي الفساد بكل أنواعه المالي والإداري والسياسي وصعوبة القضاء عليه، كونه من موروثات النظام السابق الذي ساعد على تفشيه من خلال تدني المستوى المعيشي للموظف والمواطن بصورة عامة الأمر الذي سوّل له أن يتقبل المال الحرام بعذر الاضطرار فكان من أول الأسباب لانتشار ظاهرة الفساد بالإضافة إلى انعدام ثقافة النزاهة وغياب الوازع الديني والأخلاقي في تلك المرحلة.واليوم وبعد التغيير الذي طرأ على المشهد العراقي علينا أن نتحمل مسؤولية القضاء على الفساد الذي يعد خطرا كبيرا على التجربة العراقية والذي يتسبب بهدر المال العام والقضاء على كل الطموحات بالنهوض والتنمية الاقتصادية وعرقلة الإنجازات التي تحققها الدولة، والتعريف الذي يراه البعض مناسبا للفساد الإداري هو في إنه سلوكيات منحرفة لا أخلاقية يمارسها بعض الموظفين داخل الجهاز الإداري أو خارجه وتؤدي إلى حرف ذلك الجهاز عن أهدافه المرسومة لصالح أهداف شخصية وسواء كان ذلك بأسلوب فردي أو جماعي نظمي.وقد بدأت تظهر إلى الواجهة الكثير من الإجراءات والتدابير المناسبة بمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة والتصدي لمحاربتها حتى باتت هذه الآفة التي تصعب محاصرتها تحتل المرتبة الثانية بعد خطر الإرهاب . و من اجل ذلك كان من الضروري وجود جهات رقابية مثل هيئة النزاهة، وضرورة منحها الصلاحيات الواسعة كي تتمكن من محاولة إيقاف نشاطات الفساد من خلال عملها على محاربة المفسدين وكشف نشاطاتهم.. ولو أردنا أن نجد تعريفاً مناسباً للنزاهة لغة فهي البعد عن السوء، كما جاء في معجم الصحاح للجوهري، والتنزه هو أن يرفع المرء نفسه عن الشيء تكرما كما ذكر الأزهري في تهذيب اللغة. ومن هذا التعريف نكتشف إن هيئة النزاهة لا تقتصر على كونها جهة رقابية مهمتها كشف المقصرين ومحاسبتهم وحسب بل هي مؤسسة أخلاقية يقع على عاتقها تثقيف المجتمع بأخلاقيات النزاهة التي تؤكد حرمة المال العام واحترام القوانين والتوعية بمخاطر الفساد، وتؤكد نبذ ثقافة الفساد وتعزيز جهود محاربته والحد من أخطاره عبر توعيته بمختلف السبل، ولابد من الإشارة هنا إلى إن عمل هذه الهيئة بحاجة إلى تضافر الجهود والتعاون من قبل المواطن أولا ومن قبل المنظمات والجهات ذات العلاقة فلا بد من دور لمنظمات المجتمع المدني في نشر المفاهيم الجديدة وغرس القيم والأخلاق بين أفراد المجتمع وتوعيته بضرورة التعاون في القضاء على الفساد بأنواعه من خلال عقد الندوات والاجتماعات وفتح ورش عمل لهذا الغرض .وكذلك لا بد من دور مهم للإعلام الوطني الحر في محاربة المفسدين من خلال وسائله المتنوعة ولا ننسى دور المؤسسة التربوية في إعداد جيل مؤمن بمبادئ النزاهة والشفافية وكل القيم التي من شانها ان تقف في وجه الفساد والمفسدين ولكي نحصل على هذا الجيل لابد من إعداد المعلم إعدادا صحيحا وإيجاد مناهج دراسية، تتناسب مع احتياجات المرحلة التي نمر بها .ومن اجل عراق مزدهر ومن اجل بناء الإنسان العراقي علينا أن نعمل جميعا على مناصرة النزاهة في حربها على الفساد والمفسدين كي نضمن مستقبلاً زاهراً لأبنائنا وللأجيال القادمة في عراقنا الجديد.
النزاهة وإيقاف نزيف المال العام
نشر في: 5 أغسطس, 2010: 05:43 م