سلمان النقاشأفرزت العملية السياسية التي تلت التغيير التاريخي العراقي قبولا بأدوات الديمقراطية كسبيل متفق عليه لتعديل المسار التاريخي لحركة المجتمع، بغض النظر عن فعالية هذه الأدوات الجديدة على الواقع السياسي العراقي، ولم يأت هذا القبول بسبب الإيمان الكامل بمبادئ الديمقراطية او كحالة ثورية واعية كما تشير اليه معظم نظريات العمل في أدبيات الأحزاب والحركات السياسية
والتي كانت مطلبا رئيسيا لها حيث تضمنتها جميع مقررات مؤتمراتها المشتركة قبل النظام (مؤتمر لندن ومؤتمر صلاح الدين) بل هو الخيار الأوحد المتاح أمامها لشغل المساحة المناسبة لكل منها على أرضية القاعدة السياسية الجديدة التي باتت تستوعب الجميع، ولأول مرة في التاريخ العراقي الحديث تكون الكلمة الفصل للجماهير عمليا في تحديد ملامح الصورة الجديدة للنظام السياسي، وأصبح للمواطن دور ثمين يتمثل في صوته الذي سيدليه في صناديق الاقتراع. وهكذا تم رسم خارطة طريق للبناء الديمقراطي من الناحية الشكلية بالارتكاز على المشروع الغربي (الشرق الأوسط الكبير).لكن الديمقراطية الوافدة وفق حسابات ستراتيجية وسياسية للقوة العظمى حسب هذا المشروع الذي يهدف الى القضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه وإقامة أنظمة ديمقراطية تؤسس لمجتمعات مزدهرة اقتصاديا ومتحررة ثقافيا في المنطقة، التقت ولأول مرة مع خطط ونشاط القوى السياسية ذات التاريخ المعادي للامبريالية والاستعمار وما الى ذلك من شعارات فترة الحرب الباردة ورسمت خارطة طريق معدة سلفا على شكل مراحل، بدءاً بإسقاط النظام الشمولي بواسطة الآلة العسكرية الأمريكية المفوضة من مجلس الأمن الدولي.وتطبيقا لبنود الفصل السابع لميثاق الامم المتحدة مشفوعة بقرار 1483 على اعتبار القوات الأجنبية العاملة في العراق قوات احتلال وعليها صيانة وحماية الشعب العراقي والتهيئة لتسليمه الى قيادة عراقية مؤقتة حددت في 30/حزيران /2004 حسب القرار 1546 الصادر من المجلس نفسه، وتنظيم قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي يحدد مرحلة الحكومة المؤقتة التي تهيئ لانتخابات الجمعية الوطنية التأسيسية في 30/1/2005 التي سوف تنشئ حكومة انتقالية تشرف على تنظيم لجنة لكتابة دستور دائم في العراق يحدد الشكل النهائي لإدارة المجتمع العراقي الحديث وتنظيم استفتاء شعبي عام للتصويت عليه، وفي حالة قبوله يصار الى انتخابات عامة في 15/12/2005 لانتخاب مجلس نواب عراقي دائم وحكومة دائمة.وتم إلزام الجانب العراقي بهذه التوقيتات بدقة متناهية ومررت هذه المراحل كما خطط لها بنجاح ضمن عملية نشر الديمقراطية التي تبنتها واشنطن حتى لو طالب الشارع العراقي بالإسلاميين لإدارة أحوالهم، فان أدوات الديمقراطية في الحكم سوف تدفعهم الى الاعتدال وهذا يتطلب وقتا ريثما تستوعب الجماهير أهمية هذه الأدوات لحياتهم ومستقبلهم، فخرج ما لا يقل عن 60% من العراقيين المسجلين في قوائم الانتخابات لانتخاب الجمعية الوطنية وبمقاطعة فئة اجتماعية محددة عدلت من رأيها لاحقا للمشاركة في كتابة الدستور والانتخابات العامة الثانية لانها أدركت بان هذا الطريق هو الوحيد لإثبات وجودها السياسي، وبين هذه المراحل كان هناك حراك آخر يدفع باتجاه إفشال هذه الخطة متكئا على ثوابت ومرتكزات اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية تشكل تناقضا حادا مع المشروع الديمقراطي، ومن اهمها وفي مقدمتها المواجهة العالمية مع الإرهاب الذي يمثله تنظيم القاعدة الذي تمترس في حاضنات عراقية تعرضت الى صدمة مروعة فأيقظ سكونها ووجومها بتفجيره مقر الأمم المتحدة والسفارة الأردنية واغتيال عز الدين سليم رئيس مجلس الحكم، واضعا فئة من المجتمع هدفا (عملاء) يجب تصفيتهم تمهيدا لقيام الدولة الكونية الإسلامية المنطلقة من ارض المواجهة مع العدو الأول (أمريكا) التي أسقطت صدام ليشتد التناقض حينما أصبحت دول الجوار لاعبا رئيسيا بمجمل الوضع العراقي وتبلورت منظمات وفرق وجيوش مدعومة بميزانيات مالية مفتوحة والدخول في معارك عسكرية مستمرة مع القوات المسلحة العراقية والقوات متعددة الجنسيات إضافة لعصابات منظمة ومحترفة تأتمر بأجندات سياسة محلية وإقليمية ودولية، وفي لقاء مع هوشيار زيباري وزير الخارجية مع مجلة نيويورك تايمز الأمريكية كشف عن وجود ما تسمى (المؤامرة الجدية) التي بدأت قبل تشكيل حكومة المالكي عندما قام رؤساء أجهزة المخابرات في دول ما تسمى بـ(مجموعة الستة زائد اثنين التي تضم الكويت والسعودية والإمارات ومصر والأردن وتركيا، فضلاً عن الولايات المتحدة وبريطانيا) بتشجيع العرب السنة على المشاركة في الانتخابات العامة لاحتواء إيران، وقد وضع هؤلاء جميع إمكاناتهم المالية والاستخبارية لتحقيق هذا الهدف وبواسطة العملية السياسية نفسها توغلت هذه التنظيمات داخل المؤسسات الرسمية مخترقة جميع خططها الأمنية والتنموية جاعلة من الجهاز التنفيذي مكبلا وعاجزا ومتجها بقوة نحو الفشل في بناء دولة حقيقية تحمي المواطن وتصون الثروات.هي ذي اذن المساحة التي أتيحت للسيد المالكي المنتخب وفق الآلية الديمقراطية المتفق عليها من جميع الأطراف والمطالب بتطبيق برنامجه السياسي الذي تلاه على مسامع مجلس النواب، وهي ذي الوزارة التي شكلها مستهلكة من عمرها سنوات أربعاً بعد مخاض عسير وهؤلاء شركاؤه في العملية السياسية أعضاء مجلس
أزمـة حكـم لا أزمة حكومـة
نشر في: 5 أغسطس, 2010: 05:46 م