TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رب الحكومة أم رب العالمين؟

رب الحكومة أم رب العالمين؟

نشر في: 20 نوفمبر, 2012: 08:00 م

لأن المعلومة غير متاحة في العراق يبقى الصحفي يدور حول نفسه خلال محاولاته الإجابة على أكثر الأسئلة إلحاحاً، وتزداد حيرته كلما اقتربت المعلومة من الخطوط الحمراء، وتزداد كلفة هذه الخطوط  كلما كانت المعلومات متعلقة بملفات الفساد، أو باحثة عن المتسترين عليها.
منذ أكثر من سنتين وأنا أبحث عن سر تأخر إنجاز المجسرات في بغداد، وعن صحة المعلمات التي تتحدث عن اخطاء فادحة بتصاميمها، وعن فساد في تنفيذها، ويعزز هذه المعلومات الزمن الذي استغرقه التنفيذ، فمجسر باب المعظم بدأ العمل به منذ سنوات، ومنذ سنوات والشوارع مسدودة والمرور معرقل، ولا أحد يستطيع أن يعرف الأسباب الحقيقة التي تجعل عاصمة العراق أشبه شيء بقرية من القرون الوسطى. وكنت في كل مرة أحصل على معلومات حول الموضوع تؤكد الخلل أو تشرحه، تأتي معلومات أخرى تنفيها، من مسؤول يحاول الدفاع عن نفسه، أو مستفيد يحاول حماية مصالحه. الأمر الذي يجعل المعلومات متضاربة، ومع عدم وجود قانون يكفل حق الحصول على المعلومة، لا نستطيع محاكمة المسؤولين بوثائق كافية تفضح الفاسد او المتسترين عليه.
على كل حال، سألت محافظ بغداد في لقاء تلفزيوني سابق، عن سر هذه المجسرات، فأكد لي أنها تعاني مشاكل كثيرة منها أن مخططاتها غير دقيقة وانها انشئت بدون أي تنسيق مع الجهات ذات العلاقة والاختصاص، خاصَّة مديرية المرور العامة التي هي الجهة الأحق بتحديد التقاطعات الأكثر حاجة إلى المجسرات لم يؤخذ رأيها بالموضوع، مؤكداً بأن عدم التنسيق مع مديرية المرور بحد ذاته يعد مؤشراً خطيراً، يؤكد الارتجال وعدم المسؤوية في التخطيط والتنيفيذ. لكن المعلومة التي زودني بها المحافظ فقدت قيمتها عندما أسرع أمين بغداد السابق إلى تكذيب المحافظ والتأكيد على وجود التنسيق مع المرور العامة. فأعادني تصريح الأمين إلى نقطة الصفر، إلى أن شاءت المصادفة أن التقي بمحافظ بغداد مرة أخرى فنقلت له تكذيب الأمين لتصريحه وطلبت منه تأكيد عدم وجود التنسيق بين أمانة بغداد بين مديرية المرور، قبل وخلال انشاء الأولى للمجسرات، فأعاد الرجل تصريحه السابق وأكد لي صحة معلومته السابقة التي استقاها من مدير المرور العامة، نفسه.
تصريح المحافظ الأخير أثارني، وأثار فضولي، إذ ليس من المعقول أن تدار الدولة بهذا المستوى من الارتجال، وبقي فضولي معلقاً على أمل الحصول على فرصة مناقشة الموضوع مع مسؤول معني به، وجاءت الفرصة مع وزير الاعمار والاسكان، الذي رفض التعليق على الموضوع باعتبار أن المجسرات في بغداد خارج صلاحيات الاعمار والاسكان، لكنني طلبت منه رأيه باعتباره مهندسا مختصا بالطرق والجسور. وعند ذاك وافق الرجل على التصريح معتبراً أن مجسر ساحة الواثق بحد ذاته كارثة في مجال الإنشاءات، وأن ليس هناك ما يستدعي إنشاء مجسر على تقاطع ثلاثي، هذا من جهة ومن جهة أخرى ليست هناك دراسة جدوى دقيقة سابقة على الإنشاء، وإذا كانت موجودة فالوزير يشكك بأنها احتوت على إحصاء لعدد العجلات التي تمر بالتقاطع لمعرفة حاجة هذا التقاطع لبناء مجسر، ثم استغرب أن يكون المجسر باتجاه واحد، واستغرب أيضاً أن التصميم لم يراعي حاجة سائق العجلة لمسافة تمكنه من تفادي النفق الذي ينتهي به مجسر ساحة الواثق. هذه المعلومات التي أكدت لي وجود خلل فاضح، شجعتني على مناقشة مجسر منطقة الشعب، فضحك الوزير وهو يقول بأن هذا المجسر لم يتم بناؤه على التقاطع الذي يفترض ان يكون عليه، وكان من الواجب أن يكون على تقاطع الصحة، لكنه بني على التقاطع السابق عليه، وهو تقاطع لا يحتاج لأي مجسر.
أمام مثل هذه الإجابات لم يكن أمامي إلا التساؤل مدهوشاً، عن مصير المسؤولين عن هدر المال العام، هل يعقل أن تمر مثل هذه الفضائح دون حساب؟ هذا ما سألت عنه وزير الاسكان، الذي علق عليه بتعليق غريب، حيث قال: "وصلت إلى حالة اقرر فيها أن أحمي إبلي وللبيت رب يحميه" في إشارة لموقف عبد المطلب جد النبي محمد، الذي حاول حماية ابله من هجوم ابرهة على مكة، ولما عوتب على حرصه على إبله وتركه حماية بيت الله، قال: للبيت رب يحميه.. تصريح السيد الوزير فاجأني، ولو كانت بديهيتي بالسرعة اللازمة لسألته عن الرب الذي يقصده هل هو رب الحكومة أم رب العالمين؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. احمد الزبيدي

    بعد ان قرات مقالك (رب الحكومة ام رب العالمين) تسائلت هل ان الوزير قالها رسمياً اوخلف الكواليس مما دفعني الى الذهاب الى موقع الحرة ومشاهدة اللقاء بعد ان كانت فاتتني المشاهدة حين عرض البرنامج على القناة. في البدئ لا اود الطعن في شخصية الوزير لانه من الوزراء

يحدث الآن

الحرس الثوري يستهدف مقر البث الميداني للقناة 14 في حيفا بصواريخ "سجيل 3"

خامنئي: العدو الصهيوني يلاقي جزاءه الآن

إسرائيل تغتال عالماً نووياً إيرانياً في طهران

غالانت: تدمير "فوردو" مستحيل لإسرائيل.. وأميركا وحدها تملك القدرة

ماكرون: عرض تفاوضي شامل لإيران يشمل دعمها لحلفائها في الشرق الأوسط

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

قناطر: الحرب التي تعنينا ولا تعنينا

العمود الثامن: البرلمان حين ينام !!

العمود الثامن: انتخبوا ائتلاف "لولانا" !!

العلاقات التجارية العراقية–التركية: بين توسّع التبادل وغياب التوازن

نموذج TADEO... مفتاح إصلاح التعليم الجامعي في العراق

العمود الثامن: الإلياذة العراقية

 علي حسين كان الرئيس الفرنسي الرحل فرنسوا ميتران يعشق قراءة الملحمة الإغريقية "الإلياذة" وقد أخبر ذات يوم رئيس الوزراء دبيير مورواو أن العالم لا يزال يعيش مفاجأة حصان طروادة. تروي لنا إلياذة هوميروس...
علي حسين

كلاكيت: تحولات السينما العراقية

 علاء المفرجي تاريخ السينما العراقية طويلٌ قياساً إلى مثيلاتها في باقي دول المنطقة، إذ إنّها لم تبدأ بالإنتاج إلاّ في منتصف أربعينيات القرن العشرين، والإنتاج الأول مُشتركٌ مع مصر. كما لم تستطع، منذ...
علاء المفرجي

تكريم ضروري، تكريم متأخر

علي بدر يقف فخري كريم، في تلك اللحظة، وهو يلقي نظرة على نصف قرن من المجازفة بالكلمة، فهو الآن شاب في الثمانين من عمره، يقف في القاعة التي احتضنت قمة الإعلام العربي في دورتها...
علي بدر

المحكمة الاتحادية العليا وموازنة 2025 -استقراء قانوني-

د. اسامة شهاب حمد الجعفري الموازنة العامة الاتحادية مسألة اجتماعية, مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمعيشة الجماهير, والتأخير في تشريعها يعني ازمة اجتماعية, ولطالما عانى المواطن العراقي من تلك الازمة دون وضع حد لتلك العادة السياسية....
د. اسامة شهاب حمد الجعفري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram