ترجمة: رنيم العامري
ماذا يحدث عندما يُرزق والدان صالحان بأطفال طالحين؟ هل يعني هذا أنهما في الواقع ليسا والدَين صالحَين كما تصوّرا نفسيهما؟ من خلال هذه الأسئلة خلقت المخرجة البريطانية لين رامزي Lynne Ramsay حكاية عدمية تدور حول الذنب والرعب.
عملت المخرجة بمشاركة روري كينّير Rory Kinnear على تحويل الرواية الحاصلة على عدة جوائز إلى فيلم حمل عنوانها نفسه وهو we need to talk about kevin والرواية من تأليف الكاتبة ليونيل شرايفر Lionel Shriver، وعنوان الرواية - الفيلم هو عنوان ساخرٌ صار جزءاً من اللغة، وتدور الرواية حول امرأة يقوم ابنها المراهق واسمه كيفن باقتراف مذبحة على طريقة مذبحة كولومباين.
يثير هذا الفيلم موضوعاً لطالما استعصى على أفلام أخرى تدور حول نفس الثيمة، مثل فيلم الفيل Elephant لمخرجه ومؤلفه جوس فان سانت Gus Van Sant وأيضاً الفيلم الوثائقي Bowling for Columbine بولينغ من أجل كولومباين، لمخرجه مايكل مور Michael Moore، وهو موضوع العواقب. لا يمكن محاكمة كيفن كشخص بالغ، إذن، من سيتلقى اللوم على هياج الصبي السيكوباثي في نهاية المطاف؟ الأم بالطبع، ومَن غيرها.
تلعب الممثلة تيلدا سوينتون Tilda Swinton دور إيفا، المرأة ذات الروح الحرّة في الماضي والتي كانت تسكن المدينة، وقد وجدت نفسها مضطرة إلى الانتقال إلى الضواحي بسبب زوجها فرانكلين الذي يلعب دوره جون ك رايلي John C Reilly وإصراره على أن المدينة ليست مكاناً صالحاً لتربية الأطفال. عندهما طفلان: كيفن وهو صبي بغيض وسليط اللسان يلعب دوره إزرا ميلر Ezra Miller، وأخته الصغرى اللطيفة الجميلة سيليا. إن نجاح إيفا ككاتبة رحالة يعني أن بوسعها تحمّل كلفة بيت جميل، مع ذلك فنحن نبدأ بالقصة حيث تعيش حياتها وحيدة في منزل صغير خرب أشبه بكوخ، وتبتلع حبوب الأدوية وتشرب الكحول. بسبب جريمة كيفن البشعة تصحو إيفا كل يوم لتجد سيارتها وشرفتها مصبوغتين بالدهان الأحمر ولا يمكنها مغادرة المنزل من دون أن يصرخ أحد ما في وجهها أو يعتدي عليها بالضرب. لذا عليها أن تقضي بقية حياتها وهي تحاول عبثاً أن تدفع ثمن جريمة لم ترتكبها ولا تفهمها. إنها في مركز الأحداث وعلى الهوامش في نفس الوقت.
لذا تحاول إيفا أن تراجع حياتها لمحاولة معرفة هل كان السبب الذي دفع ابنها لارتكاب هذه الجريمة وهل كان ذلك سراً معيناً أو سوء تقدير منها أو فشلها كأُمّ.
تصوّر الممثلة شخصية إيفا على أنها شبح يُطارد ماضيه ويطارده بالمثل. إنها امرأة هزيلة جوفاء العينين ومذهولة، عيناها شبه عمياوين، كما لو أنها لا ترى غير الذكريات. وربما لم يكن الأمر أنها هي من خلقت كيفن، بل كيفن هو الذي خلقها. هوية إيفا الوحيدة الآن هي هوية امرأة أنجبت الرعب. عندما يتشاجر والدا كيفن ذات ليلة وتعلو أصواتهما، يقولان له بمودة أنه لا يفهم "سياق" شجارهما، فيجيب كيفن بسخرية: "أنا السياق".
يتضح الأمر منذ البداية، إنها أسوأ حالة اكتئاب ما بعد الولادة في التاريخ، وربما كانت الختامية العنيفة هي العَرض المرضي النهائي. منذ البداية يتضح أن إيفا لم تحب طفلها وكذلك طفلها لا يحبها. إنها عاجزة عن جعله يتوقف عن البكاء، وفي أقصى درجات اليأس والأرق تقول له ذات مرة بسخرية لتهدأ منه: "كانت ماما سعيدة قبل أن يأتي كيفن". وربما أن أفلاماً كهذا وفيلم Baby لنفس المخرجة هي ما تعبّر عن مخاوف أو حتى حقائق محظورة حول كون المرء والداً.
بينما يكبر كيفن، يبدأ بكراهية أخته وهو عازم على إزعاج وإرباك إيفا التي كانت يوماً ما امرأة ناجحة وواثقة من نفسها. فيتعمد أن يبدو بطيئاً في الكلام، وبطيئاً في تعلّمه على استعمال الحمام. وقد نجح في دفع إيفا إلى ما هو أبعد من قدرتها على التحمل، ومن ثم يضمن، بمكر شيطاني، خنوعها المحمّل بالذنب من خلال تستره على ردة فعلها العنيفة. وأخيراً عندما يصبح مراهقاً، يرسم خطة أنتي-أوديبية لمصادقة والده وتدمير والدته.
الكثير من الأطفال يسيئون التصرف، فهل أخطأت إيفا؟ هل كانت القصص التي تحكيها له قبل النوم عن روبن هود هي التي حثت كيفن لأن يهتمّ بالرماية؟ أم هل أنها أخطأت عندما أغاظت كيفن بشكل خطير بسبب إعجابه الواضح بصورتها الكبيرة في نافذة المكتبة؟ أم هل استنشق كيفن الهواء الملوث بغضبها، وانفصالها الفسيولوجي عن الأمومة نفسها؟
وماذا تفعل امرأة مستقلة وعاملة عندما ينتهي بها المطاف مع صبي سيّئ الخلق، بالتحديد ذلك النوع من الذكور المتعجرفين من الذين قضت حياتها في محاولة إخضاعهم وتجاوزهم؟ ما كان يمثله فيلم American Psycho بالنسبة للنزعة الاستهلاكية هو ما يمثله فيلم We Need to Talk About Kevin بالنسبة للتحيز الجنسي والنسوية. في النهاية، يبقى الجمهور مع سؤال بلا إجابة: ما الذي دفع كيفن لارتكاب جريمته؟ هل هي طبيعته أم نشأته؟ فالأم توفّرهما كلاهما. كيفن من لحمها ودمها، وربما سيكون مصيرها البيولوجي الرهيب هو عدم قدرتها على الحكم عليه.
المصدر: مقال لبيتر برادشو Peter Bradshaw في صحيفة الغارديان بتاريخ 20 أكتوبر 2011.