ثائر صالح
الجزء الرابع
القمة
أصبح هايدن أهم موسيقي في أوروبا خلال عقد التسعينات، فقد توفي موتسارت في 1791 وبدأ بيتهوفن للتو خطواته الأولى ليرتفع نجمه لاحقاً في سماء فيينا عاصمة الموسيقى الأوروبية.
قام هايدن بزيارة ثانية إلى بريطانيا في بداية 1794 قدم فيها ستة سيمفونيات جديدة. هذه المرة عرضت عليه العائلة المالكة البريطانية الاستقرار هناك لكنه رفض العرض السخي متعللا بالتزاماته لدى الأمير أسترهازي، فيعود إلى فيينا في أوائل أيلول 1795.
عاد هايدن من لندن وفي جيبه ثروة تحقق له الاستقلال الاقتصادي عن أي مخدوم، وفي جعبته الجديد من الأفكار، سيما بعد سماعه أوراتوريات هندل التي قدمت هناك باستمرار. وكان قد تسلم من الملكة هدية ثمينة هي مخطوطة عمل هندل آلام المسيح وفق النص الألماني الذي كتبه الشاعر بارتولد هاينريش بروكس سنة 1712 (وقد استعمل نفس النص العديد من المؤلفين مثل جورج فيليب تلمان ويوهان فريدريش فاش وغوتفريد هاينريش شتُلتسل علاوة على هندل وكلهم من عظماء موسيقيي عصر الباروك المتأخر).
توفي الأمير أنتون في 1794 ليخلفه ابنه نيكولاوس الثاني (1765 - 1833) الذي قرر تكليف هايدن بإعادة تشكيل اوركسترا أسترهازي وفرقة الأوبرا. لم يكن الأمير الجديد يحب قصر أسترهازا، فكان يمضي الصيف في آيزنشتات والشتاء في قصره في فيينا. أهتم الأمير الجديد بالموسيقى الكنسية، بخلاف أسلافه، وتميز بذوقه المحافظ الذي يقرب من فن الباروك. لذلك لم يكتب هايدن سوى القليل من الأعمال الدنيوية، رباعيات وترية (مجموعة رقم 76 بتكليف من الكونت المجري أردودي) وكونشرتو وبعض السوناتات للبيانو، بينما كتب ستة قداديس للأمير، والأهم من ذلك كتب اوراتوريو الخليقة الذي استند نصه على عمل ميلتون "الفردوس المفقود" وأجزاء من العهد القديم. كتبت النص الشاعرة الانكليزية آنّ هنتر (1742 - 1823) التي كتبت كذلك نصوص 14 أغنية إنكليزية لحنها هايدن. قُدّم الأوراتوريو للمرة الأولى في نيسان 1798 بنجاح كبير، وهو بنسختين، إنكليزية وألمانية. تبعه بأوراتوريو الفصول الذي قدم في نيسان 1801، لكنه لم يلق نفس النجاح مثل الخليقة.
تغيرت أوروبا بعد الثورة الفرنسية بشكل كبير، فقد قامت حروب وتغيرت الخارطة السياسية وزالت دول ونشبت حرب التحالف الأول (1792 - 1797) بين إمبراطورية هابسبورغ والفرنسيين. كتب هايدن النشيد الوطني النمساوي في هذا المناخ الملتهب مستلهماً حماس الانكليز عند سماع النشيد البريطاني "ليحفظ الرب الملك / الملكة"، وقدم للمرة الأولى في 12 شباط 1797 في فيينا. استعمل هذا النشيد رسمياً حتى "ضم" النمسا إلى ألمانيا سنة 1938 (عُدّل النص بعد سنة 1918 عندما انهارت إمبراطورية هابسبورغ لتستقل الدول التي كانت تحت سيطرتها وتولد الجمهورية النمساوية). في نفس الوقت استعملت جمهورية فايمار ولاحقاً ألمانيا النازية نفس اللحن الذي كتبه هايدن لكن بنص مختلف واعتمدته نشيداً وطنياً استمر استعماله في جمهورية ألمانيا الاتحادية (الغربية) fu¨jyddv hgkw l娨hKحتى اليوم بعد توحيد ألمانيا.
في مثل هذه الأجواء قُبل هايدن على الفور رئيساً فخرياً مدى الحياة في جمعية الفنون الموسيقية في فيينا في كانون أول 1797، بعد أن اُهمل من قبل الجمعية لعقود بسبب بعده على الحياة الموسيقية في فيينا والبلاط الإمبراطوري.