TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الأمة.. المجتمع المحلي المفقود

الأمة.. المجتمع المحلي المفقود

نشر في: 1 مايو, 2023: 08:51 م

محمد يونس محمد

هذا التاريخ الطويل دولة البشرية ما الذي فعلته من اجل الإنسان, او ما نقصد به الجوهر البشري, فنحن نعتبر الإنسان ليس هو البشر او الشخصية, بل تلك الفطرة السليمة,

او ذلك المعنى الجدير, الذي تستجيب له البشرية بمودة واحساس واحترام, ونرى ثمة فارق كبير ما بين أن ندعو البشر شخص او كائن بشري, وما بين أن ندعوه كإنسان, فمن يستثمر الفطرة السليمة هو الشعور الإنساني, ومن يستثمر الفطرة الملوثة الغريزة البشرية, ونحن هنا في اطار فلسفتنا نطلق تلك الفكرة, والمنظور الاساس لهزيمة البشرية طيلة ذلك التاريخ الطويل هو اعتمادها على الغريزة وعدم اهتمامها بالمفهوم الإنساني, والمجتمعات الاولى التي تأسست نمت فيها الغريزة اكثر بكثير من المفهوم الإنساني, وسنواجه علم الاجتماع, والذي قد يرى المفهوم الإنساني لا يشمل كيان المجتمع العام, وهذا ما يتعارض مع الفلسفة الاسلامية, والتي تهتم ببناء مجتمع انسان وليس ببشري, ولابد من تفسير الامر موضوعيا, لا نحتاج التوسع كثيرا, لكن نركز على مفاهيم اساس, من مثل السلطة – الدولة المجتمع – ولنقف على علاقة الإنسان بتلك المفاهيم الثلاثة, والسلطة في تفسيرنا خصم لمفهوم الإنسان, فالسلطة القوة, ونحن نؤمن بتلك القوة اذا كانت لصالح الدولة والمجتمع, لكن اغلب المؤشرات تؤكد السلطة تدعم نفسها بتلك القوة, وتجعلها تمتد اكثر في حالة الخوف من الخصوم, والسلطة تجند كل الطاقات في الدولة والمجتمع لصالحها, ولا تقوم بالعكس لصالح الدولة والمجتمع.

التفريق ما بين الدولة والنظام السياسي مهم جدا, وحسب المفهوم والمبدأ العلمي للدولة لابد أن هي تهيمن على النظام السياسي وليس العكس, لكن كل التقديرات وعلى وجه الخصوص الايديولوجية تعارض هذه الفكرة وترفض تداولها, لذا عاشت الدولة في ظل الصولجان في القرون الوسطى, والمجتمع تحت ظل ذلك الصولجان, وفي تأسيس الدولة الحديثة استغلت الايديولوجيات الدولة والمجتمع عبر مفهوم الديموقراطية والانتخاب الحر, فدفعت المجتمعات الخسارة مضاعفة عن ذي قبل من عهود ساد بها الصولجان, حيث نمت روح الصراع بشكل بشع, وما كان من المفاهيم الايديولوجية الكبرى مثل الرأسمالية والاشتراكية, الا بث السم في العسل كما يقال, كانت الخسارة فادحة بعد تصاعد نفس الصراع, وصارت الرأسمالية تجذب البشرية من جهة, والاشتراكية تقوم بالجذب من الجهة الاخرى, وتفاقمت انفاس العداء من جهة الى اخرى, وتوسعت رقعة ودوافع الاغتيال السياسي الى اقصى الحدود, بل انتعشت الحروب السياسية, فضحايا الحرب العالمية الثانية, كان ما يزيد على اربعين مليون, وتلك الخسارة الفادحة لم تشكل من نسب عالية في الاهتمام عند الجهة التي تظن بأنها انتصرت بالحرب, وكذلك الجهة المهزومة لم تكن ايضا تمتلك التفكير بالخسارة عبر المفهوم الإنساني, وقد انحدرت الظروف الاقتصادية اللعينة في المانيا الى اقسى ما يمكن, وكأن تلك الحرب هي نوع من العقاب للشعوب, فالساسة اندحروا وخلف بدلا عنهم ساسة اخر, ولذلك اسمينا المجتمع السياسي بالمجتمع الطارئ, كون ذلك المجتمع رهين صدفة مواتية, ومن بعدها من ثم يتصاعد ايقاعه ويرسم لنفسه اهمية.

يهتم افلاطون بالنمو الذي يصيب كيان الدولة, وينمي فيها الاداء الجاد المشترك, وطبعا لا يزاح هنا العقل الخلاق, بل يبقى المحور الجوهري لتوسيع افاق الدولة في اكثر من جانب, وذلك الاهتمام والسعي لخلق علاقة توافقية ما بين الفرد والدولة, بالرغم من المفردتين عند افلاطون لهما معنى واحد, وتلك العلاقة صراحة لا تحتاج فرد بالمعنى الحرفي يتعاضد مع الدولة ويزيد من مقدرتها في التوازي مع الند والذي هو النظام السياسي, بل تحتاج الدولة الى وجود المجتمع المحلي يتعاضد معها, ويعرف جاك ماريتان المجتمع المحلي على أنه امة, ونحن نرى تلك الأمة تحتاج الى ادوات تلاءم تماما, وهي غالبا ما تكون مفقودة في المجتمعات العربية خصوصا, ففي المجتمعات العربية هناك ازاحة لمفهوم الأمة واستبداله بمفهوم زائف على مستوى الواقع وهو – القومية -, والقومية هي ستار الشعوبية السياسية, فالدول العربية يجمعها عوامل مشتركة واضحة, لكن النظام السياسي في كل دولة فرض القوانين الصارمة, والمثال المعيب جدا هو دولة المغرب, التي لا تمنح العراقيين تأشيرة الدخول, وهناك تعقيد بشع في بعض الدول التي تجتمع بلغة ودين وتاريخ مزيف ايضا, والدين بمفهومه الطائفي يحكم جميع البلدان العربية, وهو معيار التعامل الاساس في منح التأشيرة, ونحن لسنا ازاء ذلك الاثر النفسي السياسي المتطرف, بقدر ما نشير الى انعدام مفهوم الأمة الى حد ما في التفسير العام والخاص ايضا, وهذا ما يجعل مواجهة الدولة مع النظام السياسي عصيبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram