اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > برهان شاوي: التناص مع (دانتي) ليس تناصاً شكلياً وأنما تناص في الجوهر

برهان شاوي: التناص مع (دانتي) ليس تناصاً شكلياً وأنما تناص في الجوهر

نشر في: 1 مايو, 2023: 08:56 م

يرى أن السياسة هي التي حددت مصائر العراقيين وشردت الملايين، وأخفت مصائر الآلاف

حاوره: علاء المفرجي

- 2 -

بُرهان شاوي مجول، المولود في الكوت عام 1955، غادر العراق عام 1979 بعد اعتقاله،

متوجها الى بيروت بعد أن شهدت تلك الفترة حملة قمعية ضد اليسار العراقي والأحزاب التقدمية. نال دكتوراه في التاريخ الحديث – موسكو – 2010- دكتوراه إعلام (جامعة موسكو- كلية اللغات- 1997)، والماجستير فنون جميلة (المعهد العالي للسينما لعموم الاتحاد السوفيتي-موسكو-1985)

عمل في الصحافة العراقية المكتوبة منذ العام 1971، كما عمل في الصحافة اللبنانية 1979-1980، وعمل اثناء اقامته في اوربا بشكل حر في التلفزيون الألماني والهولندي وعمل برامج وأفلام وتدريس السيناريو في المانيا مابين 1986-1997، كما عمل رئيسا للقسم الثقافي في جريدة الاتحاد الظبيانية ما بين العام 1997-2002، وفي تلفزيون أبوظبي ما بين العام 2002-2003. كما عمل استاذا زائرا في كلية الإعلام والمعلومات والعلاقات العامة – جامعة عجمان – فرع ابوظبي مابين 2002 - 2003.. وعمل محررا في موقع القنطرة التابع للتلفزيون الألماني، عند استقراره في المانيا.

وتقلد بعد 2003 منصب مدير عام لقناة الحرية الفضائية منذ كانون الاول من العام 2005 ولغاية 2009. ومنصب المدير تنفيذي لهيئة الإعلام والاتصالات في العراق من العام 2009 ولغاية 2011، وعميدأ لكلية الاعلام في جامعة ابن رشد في هولندا.

وصدرت له مؤلفات عديدة منها: المدخل إلى نظريات الإعلام والاتصال الجماهيري 2003، الدعاية والآتصال الجماهيري عبر التاريخ 2011، وهـم الحرية - محاولة للإقتراب من مفهوم حرية الفكر والإرادة، سحر السينما.

كما صدرت له في مجال الترجمة عدد من الترجمات في الأدب، وسبعة مجموعات شعرية، وصدت له روايات: الجحيم المقدس - كُتبت في العام 1987 ونشرت الكترونيا 2003 وورقيا في العام 2006 ط1 وفي العام 2007 ط 2، و2012 طبعة عربية، مشرحة بغداد 2011، متاهة آدم 2011، متاهة حواء 2012، متاهة قابيل 2013.

 هل كنت تفكر بالكوميديا الإلهية وقت كتابة المتاهة؟

- وللحقيقة والتاريخ أقول، لم أفكر حين بدأت بكتابة (متاهة آدم) إنني سأتوجه لمشروع روائي ملحمي يتناص مع (الكوميديا الإلهية) لدانتي. لكني واصلت كتابة (متاهة حواء) ليس لنية مسبقة وأنما بنية استكمل السرد في (متاهة آدم) تتحدث عن الكاتب (آدم البغدادي) الذي يكتب رواية (السقوط إلى الأعلى) عن الكاتب (آدم التائه) وزوجته (حواء المؤمن)، وهذا بدوره يكتب رواية (المرأة المجهولة) عن الكاتب (آدم المطرود) وحبيبته (حواء الصايغ) وزوجها (آدم الولهان).

تنتهي الرواية بعد أحداث درامية بطلاق آدم التائه لزوجته حواء المؤمن بعدما يجدها تمارس الجنس مع جاره اللاجيء (آدم اللبناني). لكني أشفقت على (حواء المؤمن) لأن من يقرأ (متاهة آدم) سوف لا يتقبل سلوكها ولا ينصفها، لاسيما وأنا أعرفها في الواقع، ولكي أكون أمينا للشخصية، قررت كتابة (متاهة حواء) لأتتبع مصيرها.

حين انتهيت من (متاهة حواء) وجدت أنني قدمت صورة كاملة عن (حواء المؤمن) وتتبعت مصيرها إلى أن تحولت إلى شفيعة. كان تناصا لا إراديا مع شخصية (رابعة العدوية)، لكني انتبهت إنني اشبعت شخصية (حواء المؤمن) سردا، لكني أبقيت (آدم التائه) محصورا في (متاهة آدم) وبدايات (متاهة حواء) فتتبعت رحلته إلى (ميونخ) في متاهتي الثالثة (متاهة قابيل) التي امتدت إلى المتاهة الرابعة (متاهة الأشباح). ولكي أكون أمينا للشخصيات ولأحداث الرواية سافرت أربع مرات إلى لندن ومثلها إلى باريس وإيطاليا، حيث تجري الأحداث.

لكن علاقة (حواء المؤمن وآدم التائه) اغلقتها بأربع متاهات. وواصلت مع شخصيات جديدة من المتاهات نفسها أيضا، حينما بدأت أكتب (متاهة إبليس)عن شخصية جديدة ظهرت في (متاهة قابيل) وأقصد (حواء ذوالنورين) التي سافرت بجواز مزور إلى فلورنسا.

تتبعتها شخصيا، وسافرت إلى إيطاليا بل إلى فلورنسا بالتحديد، وكنت ذات يوم قرب (متحف دانتي)، وهو البيت الذي ولد فيه الشاعر العبقري (دانتي أليغيري)، أقسم، وكأن ستارة أزيحت عن نافذة مطلة على أفق رحب. تذكرت جحيم دانتي و(الكوميديا الإلهية). وشعرت بأنني أقدم الجحيم البشري.

بحثت عنه نسخ الكوميديا بكل ترجماتها العربية والألمانية. وبدأت أخطط للتناص مع (جحيم) دانتي. وانتبهت إلى أن (الجحيم) عند دانتي تتألف من تسع طبقات، فوازيتها بتناص معاكس بتسع روايات. عند دانتي (الجحيم) تنزل إلى الأسفل حيث في الطبقة التاسعة يقبع (لوتسفيري - الشيطان)، بينما في المتاهات يتعالى المعمار ليبدأ من آدم وحواء وقابيل وإبليس ليصعد إلى الأرواح المنسية والعميان والأنبياء وصولا إلى العدم العظيم.

لكن بعد أن انتهيت من متاهات (الجحيم)، توجهت إلى القسم الثاني من (الكوميديا الإلهية) الذي يدعى (المطهر). وهو تسع طبقات أيضا.

كتبتُ ونشرت إلى الآن ثلاث روايات تحت عنوان موحد هو " فندق باب السماء"، وهي: (مملكة الموتى الأحياء) و (مطهر الخطايا المقدسة) و(قداس جنائزي لزهرة اللوتس المقدسة)، والان اعتكف على الرواية الرابعة والتي اخترت لها عنوانا أوليا هو (كوبرا معبد الخطيئة). علما أن (المطهر) سيكون تسع روايات أيضا.

 هل خططت مسبقا لهذا العمل أم تراه رغبة في الاستمرار بعد أن استقبل القراء للمتاهة الأولى "متاهة آدم" بشكل حسن؟

- لقد وضحت كيفية كتابة (المتاهات) في جواب السؤال السابق. وفيما يخص استقبال " متاهة آدم" فحين صدرت وصلتني عشرات، بل سيل من الرسائل التي تشتمني، وتتهمني بعشرات الاتهامات، من ضمنها كوني مريض نفسيا، ومجنون، وفاسق، وخادش للحياء، وأحاول أن أفسد الشباب لمصلحة جهات غامضة أقبض منها بالدولار، ومنهم أكد على ضرورة الحجر علي في مصح عقلي، وأني عدو الدين والقيم الاجتماعية الإسلامية، لسبب بسيط هو أني كشفت المستور، وفككت طبيعة المشاعر النفسية والجنسية التي تجتاح الشخصيات، وهي، في معظمها، شخصيات شرق أوسطية.

ومن جهة أخرى كانت المتاهة الأولى (متاهة آدم)، عند البعض فاتحة لعلاقة أدبية وصداقة دفعت بهم لمتابعة سلسلة (المتاهات) لاحقا، والحصول عليها بطرق محتلفة، بل صاروا يطلبوها مني على شكل كتاب ألكتروني. بل إن بعض الشخصيات التي حضرت في المتاهات واختفت/ يتصلون ويطلبون مني إعادتهم للمتاهات، مع قصصهم وتجاربهم الجديدة!!

المتاهات والتناص مع (جحيم) دانتي

 ما أوجه تناص هذه الملحمة مع (الكوميديا الإلهية) وخاصة في الجحيم؟

- التناص مع (دانتي) ليس تناصا شكليا وأنما تناص في الجوهر. فـ (جحيم) دانتي يكتظ بحسب طبقاته من الخطاة والآثمين. وقد بنى (دانتي) ملحمته وفق النظرة الأخلاقية المسيحية التي قدمها (توما ألكويني). أنا شخصيا من مريدي سيغموند فرويد واليسار الفرويدي في التحليل النفسي، لذا وجدت إن كل سكان سكنة الجحيم هم ضحايا (الرغبة) و(الشهوة) بكل تجلياتها. الشهوة الجنسية، الزنا، اللواط، حب المال، النفاق، الهيمنة والتسلط على الآخرين، و و.

وهذا يتطابق مع الرؤية (الفرويدية) من ناحية تأثير الرغبة والشهوات، ودورها في تشكيل الفضاء النفسي للبشر. كما أن شخصيات (المتاهات) ليست من العالم الآخر وأنما من هذا العالم الدنيوي ويعيشون في الجحيم الأرضي. سواء كان كبتا جنسيا، أو استبدادًا سياسيا ودينيا.

أما (المطهر)، فهو مكان الذين حكم عليهم بالمكوث في جحيم الانتظار وليس في الجحيم الأبدي، كما منطقة (الأعراف) في الرؤية الإسلامية، وعليهم التطهر من آثامهم قبل الانتقال إلى (الفردوس).

اختلفت في متاهاتي الجديدة مع (دانتي)، فمثلا هو وضع (فرنشيسكا دي ريميني) مع حبيبها (باولو)، في الجحيم. انا وضعتهما في (المطهر) لاختلاف فهمي عن دانتي الذي وضعهما في (الجحيم)، فهو اعتبر إنها زنت وأني فسرت الأمر وفق مناهج الفقه بأن زواجها كان باطلًا، لأن عقد زواجها بني على الخديعة، فزوحها ليس هو الشخص الذي وعدوها به كزوج لها. وكذا وضعت في (المطهر) شخصيات من الأدب الأغريقي (أوديب) و (كليمنتسرا)، و(فيدر). وسأخرج (ابن رشد) من (اللمبو) وهي الطبقة الأعلى من (الجحيم) لأنه وضعه في الجحيم.

مشرحة بغداد

 تفاصيل الواقع العراقي هي التي هيمنت على مواضيع رواياتك، فأنت مثلا في تستهل رواية "مشرحة بغداد" بعرض فيلم من خلال قرص مدمج يتناول بيت مسؤول حكومي تجري فيه عملية ذبح حقيقي لشاب أبان الحرب الطائفية، ما تعليقك؟

- هذا صحيح جدا. فقد حاولت في "المتاهات" وفي " مشرحة بغداد" أن أروي تاريخ العنف السياسي في العراق خلال أربعة عقود، منذ استلام صدام حسين للسلطة وإلى الآن. وأحيانا، أتوغل أبعد من ذلك إلى الانقلاب الفاشي العام 1963. لكن بشكل أوضح تناولت فترة الثمانينات والتسعينات وما رافق إسقاط النظام الدكتاتوري عبر اِحتلال العراق من قبل الأميركان. معظم شخصياتي عراقية، لكن جغرافية الأحداث تتوسع لتشمل الشرق الأوسط وأوربا.

أنا أروي تاريخ الخراب العراقي، وأكشف المستور عن استبداد السلطات وسحقها للإنسان، سحق كرامته وإنسانيته، وتحويله إلى كائن مشوه الشخصية، حيواني الغرائز، عبدًا ذليلا يتقبل العبودية ويتصالح معها. وحتى في الجزء الثاني من (مشرحة بغداد) وفي روايات (المطهر) تحدثت عما جرى لبعض منتفضي تشرين وما جرى لشباب الكورد الفيليين في سجن (نكرة السلمان)، وما جرى في سجون البعث، وتفاصيل الرعب في يومات الكابوس العراقي الطويل. لكن بشيء من التعميم بحيث هناك بعض المتابعين من الأخوة في البلدان العربية كتبوا لي بأنني أكاد أتحدث عن بلدانهم أيضا، فالاستبداد الشرقي يتقارب في همجيته.

 هل نستطيع القول إنك وبفعل ما عشت من مطاردات واعتقالات تكتب الرواية السياسية أم انك ترى فاعلية السياسة في كل مفاصل التاريخ التي نعيشها؟

- أنا أكتب الرواية المعرفية، والتي صنفتها الروائية القديرة والمترجمة الفذة الصديقة (لطفية الدليمي) في مقال مقارن لها مع روائي أميركي بأني أكتب (الرواية الموسوعية).

السياسة هي التي حددت مصائر العراقيين وشردت الملايين، وأخفت مصائر الآلاف، ورسمت قدر هذا الشعب بشكل مرعب، وبالتالي لا يمكن غض النظر عنها، فقدر معظم الشخصيات الروائية، وحتى الواقعية، مرتبط بالسياسة.

حاولت الكشف عن همجية الأنظمة المستبدة، سلطة وأحزاب طائفية وعقائدية متطرفة وتجمعات فردية خارجة عن القانون العام، عبر تجسديها في شخصيات روائية.

صحيح أنا عشتُ فترة من المطاردات والاختفاء القسري، والتنقل بين المحافظات العراقية متخفيا، لاسيما بعد خروجي من المعتقل، ثم الهروب من العراق مشيًا على الأقدام إلى سوريه، ومنها إلى بيروت، لأذهب بعدها إلى براغ وكوبنهاكن، لمقابلة منظمة العفو الدولية، ثم العودة إلى بيروت، ومغادرتها مرة أخرى إلى موسكو، لكن ذاكرتي لم تمسح تفاصيل أيام الرعب التي عشتها وعاشها مئات الألوف من المعارضين في العراق. لكن، في رأيي، إن معنى الحياة ومحنة الوجود لا تتجلى في السياسة فقط، إذا لم أقل أنها قد تسوق الفكر الانفعالي، أحيانا، إلى مفهوم العبث واللامبالاة.

والحقيقة أنا في مشاهدي الروائية السياسية، أقدم مرثية للخراب العراقي، وأحنو بمحبة وحنان محتويا المصير المأساوي الذي عاشه أبناء شعبي، بكل مكوناته، وأطيافه.

وبلا شك، يشكل العنف السياسي أحد أقطاب التابو المحرم الذي حاولت اختراقه في أعمالي الروائية إلى جانب الجنس وما يرافقه من عقد نفسية، كما حاولت تفكيك المقدس الذي يقود إلى العنف أحيانا.

المتاهات الجديدة..

 كنت شاهدا خلال فترة الملاحقات من قبل النظام السابق، وأيضا هروبنا سوية الى بيروت، لكنك عشت تجربة مرة في تلك الفترة عندما تم اعتقالك، هل مارست هذه الفترة صداها فيما كتبت؟

- بالتأكيد، وقائع تلك الفترة محفورة في الذاكرة، وقد مدتني بتفاصيل كثيرة للكتابة عن أهوال الاستبداد، بما في ذلك تفاصيل مرحلة بيروت وجمهورية الفاكهاني ومقهى أم نبيل وأحوال العراقيين إبان تلك الفترة. لكن معظم تفاصيل عالم السجون والتعذيب حصلت عليها ليس عبر التجربة الشخصية وحدها، وأنما من خلال حديثي مع ضحايا التعذيب من المعتقلين، ضحايا العنف السياسي للسلطات، سواء إبان سلطة النظام الدكتاتوري أو ما بعد الاحتلال. وتجد ذلك في جميع المتاهات تقريبا.

ففي السطور الأولى من (متاهة آدم) يصحو (آدم البغدادي)، الكاتب الافتراضي الأول للمتاهات، على صوت اِنفجار سيارة ملغمة في منطقة الصالحيةـ وسيارة أخرى في شارع قريب فيطل من النافذة ليرى الناس المتجمعين. وكذا فترة اختفائي وتنقلي بين المحافظات، إذ منحت تفاصيل هذه التجربة لأحد شخصياتي الروائية، حيث يتنقل ما بين بغداد، البصرة، السماوة، ويختفي في منطقة السلمان ويصبح راعيا للأغنام، وهذا موجود في روايتي (متاهة الأشباح)، وكذا في روايتي (مملكة الموتى الأحياء)، وهي الرواية الأولى من روايات (المطهر) التي تحت اسم (فندق باب السماء)، إذ هناك شخصية طبيب تم تعينه في سجن (نقرة السلمان)، وقد أعدم لأنه أبدى تعاطفا مع ضحايا التجارب الجرثومية والكيماوية التي كانت تجرى على الشباب من الكورد الفيليين الذين تم تسفير وتهجير أهاليهم إلى إيران بحجة تبعيتهم الإيرانية، وكيف كان يسحب دمهم كي يرسل إلى جبهات القتال أبان الحرب العراقية الإيرانية. وأعتقد لو كُتبت مئات الروايات وسُطرت الشهادات الوثائقية عن عنف واستبداد وقساوة النظام الدكتاتوري لما أوفينا تسجيل الرعب الذي كان مهيمنا على العراق، علما إن امتداد العنف الطائفي بعد سقوط النظام لم يكن أقل رعبا.

التجربة الإعلامية

 مارست الصحافة والاعلام والشعر والرواية والترجمة.. الى أي مدى كان هذه اقنعة لوجه واحد، ام تراها اختصاصات أسهمت في التعبير عن كل انشغالاتك وهمومك إن صحت العبارة؟

- لا أعتقد إنها أقنعة، وأنما هي أوجه متعددة للمرآة. فبالتأكيد هي، كما قلت، إختصاصات أسهمت في التعبير عن انشغالاتي وهمومي وعبّر عن وعيّ الشخصي لوسائل التعبير المناسبة لكل حالة وتوتر وانفعال وتقبل فكي وجمالي مررت به، فلكل صنف من هاتيك الأصناف التعبيرية لها قواعدها وأساليبها، بل ودوافعها، حتى وإن كان الشخص هو ذاته من يمارس التعبير من خلالها. وبالتأكيد هي ليست أقنعة لوجه واحد، وأنما تجليات الذات في صنوف إبداعية متعددة.

بعض تخصصاتي تدخل ضمن مهنتي، فأنا من ناحية أخرى أكاديمي، ولدي كتب في الإعلام تدّرس ببعض الجامعات العربية، فمثلا كتابي (الاتصال الجماهيري والدعاية عبر التاريخ - المجلد الأول: تاريخ الخضارات القديمة) دخل ضمن المنهج في إحدى الكليات بالجامعة اللبنانية، كما تُعد كتبي الأخرى ضمن المراجع في كليات الإعلام. ولدي بعض الكتب في السينما أيضا، لكن هنا أود الإشارة، بأنني لا أعد نفسي مترجما محترفا، مع أني ترجمت ما يقارب العشرة كتب، عن الروسية والألمانية، وأنما أنا هاوي ترجمة، بمعنى لا أترجم إلا ما يستهويني وأود ترجمته، ليس بطلب من جهة، ولا من أجل الحصول على مكافأة.

 هل ترى أن النقد انصف تجربة مهمة كتجربة برهان شاوي.. وما الذي تقوله عن فاعلية الحركة النقدية في العراق؟

- من دون تواضع مصطنع، لا يعنيني هذا الأمر كثيرًا، لأنه خارج إرادتي. فهو يخص النقاد والباحثين واختياراتهم. وإذا ما نظرنا إلى المشهد الثقافي، الأدبي والنقدي العراقي، لرأيناه فاقدًا للعافية الأدبية، فمظاهر الشللية، والإخوانيات، وتبادل المنافع الأدبية وغير الأدبية، وعدم الأمانة الأخلاقية، والانحيازات العقائدية والسياسية، تهيمن عليه. مشهد مشوه، يسعدني إنني بعيد عنه، أعيش عزلتي الصاخبة.

لم يرتق النقد الأدبي عندنا، بشكل عام، إلى مستوى أن يوجه مسارات الأدب، أو يساهم في رعاية جنس أدبي محدد، ولم يظهر لدينا الناقد - الظاهرة، ففي الأدب الروسي في القرن التاسع عشر ظهر بلينسكي، ودوبرلوبوف، وتشرنيشيفسكي الذين ساهموا في احتضان الرواية الروسية وتوجيهها في مساراتها التي شاهدناها في روايات دوستويفسكي، وتولستوي، تورغينيف، تشيخوف، ألكسندر كوبرين، سالتيكوف شيدرين، غونتشاروف، وغيرهم. ليس لدينا، حاليا، مثل هذه الظواهر النقدية.

في السبعينات كان لدينا: علي جواد الظاهر، عبدالإله أحمد، شجاع العاني وغيرهم، وعربيا: إحسان عباس، وأدورد خراط، مثلا وليس حصرًا، وبالتأكيد لا أتحدث عن الواقع النقدي بالمطلق، فهناك، حاليا، نقاد يبحثون ويقدمون الدراسات النقدية المهمة، في الشعر والرواية والتنظير لهما، لكن النقد الاستهلاكي هو المسيطر على المشهد.

ويمكن القول، إنني، ربما، واحد من أكثر الروائيين العراقيين بحثا في الجامعات العربية والأجنبية، فإلى الآن كتبت عن "المتاهات" وأعمالي الروائية الأخرى ك" مشرحة بغداد" و" فندق مفيستو" ما يقارب (30) رسالة ماجستير وأطروحة دكتوراه. وهناك من ألف كتبا عن تجربتي الروائية مثل البروفيسور المغربي عبد الجليل غزالة الذي ألف كتابا عن تجربة "المتاهات" بعنوان " الحجاج السردية والتحليل النفسي في رواية (المتاهة) لبرهان شاوي، وكذلك الناقد العراقي صباح هرمز الذي أصدر كتابات بعنوان " كسر تابوهات الثالوث المحرم (الجنس والدين والعنف السياسي) في روايات بُرهان شاوي".

ومع أن الجامعات العراقية بدأت تتقبل رسائل الماجستير وأطاريع الدكتوراه عن أعمالي الروائية بل وبعضها توجه إلى تجربتي الشعرية، لكن أيضا هناك من العمادات من يمنع تناول أعمالي بحجة كونها خادشة للحاء ومشاكسة للمقدس ومعارضة سياسيا.

وبصراحة، أنا أعيش عزلتي الأدبية، ولا وقت لدي للعلاقات الاجتماعية والتجمعات، واسترضاء النقاد كي يكتبوا عني، بل اكتفي أحيانا بالقراءات الانطباعية للقراء والمثقفين والمثقفات. وللإنصاف، أجد لديهم آراء في غاية الأهمية، لم أفكر بها خلال الكتابة. لا وقت لدي أضيعة في علاقات أدبية متعبة، بل أحتاج للوقت كي أنجز مشروعي الروائي، فلكي أتم المتاهات الجديدة التي تتناص مع (المطهر) لدانتي عليّ أن أكتب ست روايات كي تكتمل السلسلة، ف(المطهر) عند دانتي تسع طبقات أيضا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram