اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > سينما > المصباح العاري.. يكشف ظمأ الروح ويفضح الحاجة الجسدية

المصباح العاري.. يكشف ظمأ الروح ويفضح الحاجة الجسدية

نشر في: 3 مايو, 2023: 09:31 م

عدنان حسين أحمد

تستوحي المخرجة المنغولية زولجاركل بيروفداش فيلمها الدرامي القصير الذي حمل عنوان "المصباح العاري" من حياتها الشخصية فقد اشتغل زوجها في اليابان لمدة عامين متتاليين كعامل بناء من دون أن يأتي في إجازة واحدة الأمر الذي أصابها بالإحباط الجنسي لكنه حياءها منعها من البوح بهذه المشاعر الداخلية خشية من وصمها بالدعارة أو العهر أو إصابتها بداء الشبق الجنسي الذي لا تستطيع كبتهُ أو السيطرة عليه الأمر الذي أثار فيها أسئلة عديدة من بينها:

لماذا لا تستطيع المرأة المنغولية قمع شهوتها الجنسية، وهل هو خطأ فادح أن تُعبِّر المرأة عن جوعها الجنسي أمام الملأ وتعلن عن حاجتها الجسدية؟ دعونا نعترف بأنّ زولجاركل هي امرأة شجاعة أو صريحة في أقل تقدير ولا تُعيرًا وزنًا كبيرًا لمنظومة القيم والثوابت الأخلاقية في المجتمع المنغولي الذي يصف المرأة التي تُقيم علاقة جنسية خارج المؤسسة الزوجية بإنها عاهرة وسيكون الطلاق هو نتيجة طبيعية لارتكابها هذا الخطأ الجسيم بينما إذا اقترف الزوج الخطأ نفسه فإن سمعته لا تتلطخ بالعُهر وعلى الزوجة أن تغفر له هذه "الزلّة" العابرة التي ارتكبها في لحظة طيش وتهوّر.

يتمحور هذا الفيلم الدرامي القصير الذي تبلغ مدته 18 دقيقة على ثيمتين أساسيتين وهما السفر إلى الخارج والعمل في بلد غني مثل كوريا الجنوبية، والحاجة الجنسية لإشباع رغبات الجسد لكن المخرجة، وهي نفسها كاتبة السيناريو، قد أبدلت اليابان بكوريا الجنوبية التي تضم عشرات الآلاف من العمال المنغوليين الذين يعملون في البناء والمهن الشاقة التي ينفر منها أبناء البلد ويتركونها للمهاجرين القادمين من البلدان الفقيرة. أمّا الثيمة الثانية فهي الحاجة الجسدية الطبيعية لأي امرأة وكيفية تلبيتها في حال غياب الزوج في رحلات عمل طويلة قد تستمر لعامين أو أكثر كما حدث لبطلة هذا الفيلم وشخصيته الرئيسة التي جسّدتها الفنانة المنغولية "نومين باتبَيار" التي سنتعرف عليها تباعًا فهي امرأة شابة ممتلئة نشاطًا وحيوية كما أنها تطفح بالأنوثة، ولديها طفلة صغيرة تلهو معها في أويقات فراغها مقلدة لها حركات بعض الحيوانات المألوفة والمحببة لدى ابنتها. تعمل الأم كاتبة قصص للأطفال ومترجمة، وتسكن في شقة مستأجرة تبدو خالية من الأثاث تقريبًا، ولعل هذا الفراغ المقصود هو إشارة إلى غياب الزوج الذي يترك فراغًا كبيرًا في حياة الزوجة التي تشعر بالوحدة والعزلة والضياع. تبدأ قصة الفيلم حينما ينعطب مصباح الحمّام وتبدّله أكثر من مرة لكنها تفشل في إصلاحه ويتوجب عليها أن تقضي حاجتها بلا إنارة. تتطور الأحداث حينما يُطل عليها المؤجِّر ويتجاذب معها أطراف الحديث مُخبرًا إيّاها بأنه قد جاء لأخذ مقاييس زجاجة النافذة المكسورة فنعرف أنه مهندس يعمل في منجم في الريف ولا يأتي إلى المدينة إلاّ في زيارات متباعدة زمنيًا. يعِدها المهندس الذي أدى دوره بحميمية عالية الفنان "تامير نارمانداخ" بأنه سيأتي بعد غد لسيتبدل الزجاجة المكسورة للنافذة، وهذه إشارة ثانية إلى عُريها الصارخ وكأنها تعيش في مكان مكشوف. تأخذ الأمور منحىً آخرَ في زيارته الثانية حيث يصلّح مصباح الحمّام، وما إن يشرع في تركيب الزجاجة الجديدة حتى يتصل بها زوجها بواسطة فيديو الهاتف النقّال ويكرر الأسئلة السابقة التي تتعلق بعملها اليومي المألوف الذي يقتصر على الكتابة والترجمة ثم يستفزها بفكرة صديقه الغبي الذي اقترح عليه أن يتزوج من امرأة كورية جميلة تُتيح له أن يعيش ويعمل في كوريا الجنوبية ويدخِّر الكثير من النقود. وفي خضم هذا النقاش المشاكس تمرر له جملة شديدة الدلالة والحساسية حينما تُخبره قائلة:"أنا أفتقدك يا حبيبي" التي تعبِّر فيها عن كبتها المزمن وحاجتها الجسدية الصريحة التي لا تستطيع أن تتكتم عليها طويلاً فيردد الجملة نفسها لأن الحرمان متبادَل بين الطرفين. ويطلب منها في المكالمة القادمة أن تكون ابنته حاضرة كي يدردش معها قليلاً. في مشهد لافت للانتباه نرى هذه المرأة الوحيدة تتحسس ثدييها في إشارة واضحة إلى ظمئها الجنسي وحاجتها المُعلنة إلى الرجل الغائب الذي ستستعيض عنه بالمؤجِر الذي جاءها على وفق الموعد المُتفق عليه حيث أصلح المصباح والنافذة قبل أن يرمم جسدها المعطوب. دعاها لتناول وجبة غداء لكنها لم تكن جائعة إلى طعام وإنما إلى شيء آخر امتدّ لسنتين متتاليتين. ليس مصادفة أن يسألها عن القصة التي تكتبها فلغة العيون تبوح بما يعتمل في صدريهما معًا وهي مقدمة طبيعية إلى لغة الأصابع والشفاه. جلس إلى جوارها على أرضية الغرفة وراح يستمع إليها وهي تشرح تفاصيل القصة التي تكتبها للأطفال عن زرافة وردية خجولة تشعر بالحرج من طريقتها في شرب الماء. فالسنجاب يأكل الجوز بطريقة رشيقة لا تتقنها الزرافة ولا يعرفها الفيل لكن الثلاثة أصدقاء ويحبون بعضهم بعضًا. يباغتها بقُبلة فتسأله: ماذا فعلت؟ فيرد عليها ببساطة غير معهودة:"إنها الحياة! ولِمَ قبّلتني؟ فيأتيها الجواب:"لأنكِ جميلة وطبيعية! تسأله إن كان متزوجًا فلم تتلقَ إجابة لكنها كمن يستفيق من صدمة قوية مذهلة تقول:"لا أستطيع أن أخون زوجي!". ومع ذلك تلج إلى فضاء النشوة والجسد الذي بدأ يتقد ويُضاء كالمصباح العاري الذي أصلحه قبل قليل ثم تطلب منه أن تحتضنه فيسقط هو الآخر في النشوة ويغيبان معًا وقبل أن يغادر المنزل الذي ترمم فيه كل شيء... المصباح، والنافذة، والجسد المعطوب قالت له مودعة إياه:"دعنا نُلقي اللوم على الربيع"!

جدير ذكره أنّ زولجاركل بيروفداش هي مخرجة أفلام منغولية درست صناعة الأفلام في اليابان. أنجزت العديد من الأفلام الروائية القصيرة من بينها "سلالم" الذي حاز مؤخرًا على الجائزة الأولى في مهرجان شيكاغو الدّوليّ لأفلام الأطفال، و "الحافلة الصفراء"، و "كم أتمنى البيات الشتوي؟"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

النجم غالب جواد لـ (المدى) : الست وهيبة جعلتني حذراً باختياراتي

أفضل عشرة أفلام هروب من السجن

معاهد متخصصة فـي بغداد تستقبل عشرات الطامحين لتعلم اللغة

متى تخاف المرأة من الرجل؟

مقالات ذات صلة

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!
سينما

حين تتستر الإيدلوجيا الثورية بقبعة راعي البقر!

يوسف أبو الفوزصدر للكاتب الروائي السوري، المبدع حنا مينا (1924- 2018)، الذي يعتبر كاتب الكفاح والتفاؤل الانسانيين، في بيروت، عن دار الآداب للنشر والتوزيع، عام 1978، كتاب بعنوان (ناظم حكمت: السجن… المرأة.. الحياة)، يورد...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram