TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > إعادة بناء وتعزيز السيادة الوطنية العراقية على المحك

إعادة بناء وتعزيز السيادة الوطنية العراقية على المحك

نشر في: 6 مايو, 2023: 09:26 م

د. أحمد عبد الرزاق شكارة

في الوقت الذي تسعى فيه حكومة السيد محمد شياع السوداني إلى إعادة بناء وتعزيز السيادة الوطنية العراقية من خلال جهودها إلى بناء جبهة داخلية متماسكة نسبيا تجمع مختلف شرائح الشعب العراقي وفقا لإطار مستدام يؤكد الهوية الوطنية العراقية على حساب الانتماءات الثانوية إتساقا مع جهود عراقية وطنية للانفتاح على المحيطين الاقليمي والدولي

نرى أن موضوعة السيادة الوطنية العراقية لازالت على المحك؟ تساؤل مشروع نابع من ضرورة ترجمة وعكس مفهوم السيادة في إطارها النظري على واقع سياسي عراقي تنتابه تحديات داخلية، إقليمية ودولية لابد من التعامل معها او مواجهتها من خلال تفعيل حقيقي لإرادة سياسية وطنية هدفها حماية تراب الوطن من أية مطامع او مطامح داخلية، إقليمية ودولية.

السيادة وفقا لتعريف قاموس بلاك للقانون Black’s Law Dictionary تعني القوة العليا، المطلقة والتي لايمكن التحكم بها وتمارسها دولة مستقلة. علما بإن للتعريف جوانب أخرى مهمة ترتبط اساسا بقدرة الدولة على عدم الخضوع لأية إرادة خارجية مسألة بالضرورة ستمكنها من تشريع القوانين تنفيذها وتطبيقها في حقول حياتية متنوعة الابعاد كجمع الضرائب والمنح المالية بل والذهاب إلى مراحل حرجة مفاتيحها إعلان الحرب أو صناعة السلام. علما بإن مفهوم السيادة يغطي مساحات شاملة حيوية تؤكد عدم تجزأة السيادة حيث تعتمد على مدى توافرإمكانات أوقدرات الدولة الشاملة مع استخدام آليات مناسبة تسهم في تشكل او صياغة شراكات من خلإل معاهدات وأتفاقات للتحالف المجدي والمثمر على أنواعها أمنيا – تجاريا – اقتصاديا – ثقافيا وعلميا - تقنيا ومعرفيا وغيرها. سياق يأخذنا لإهمية التأكيد على ثلاث عناصر رئيسة متداخلة للسيادة في ظل المفاهيم التالية: السياسي الدولي، القانوني والواقعي. يبدو أن العراق منذ ماقبل مرحلة 2003 ومابعدها ركز نظامه السياسي على مفاهيم السيادة السياسية والقانونية أكثر منها الواقعية - الجيوسياسية التي تعنى بطبيعة علائق القوة بمفهومها الجيوسياسي الواسع التي تقدم للدولة مساحة واسعة نسبيا من الاستقلالية والمرونة في التعامل المتبادل وفقا لتوازنات القوة وفقا لمعادلة المكاسب المتكافئة للمصالح مع إعطاء اولوية للمصالح الحيوية للعراق. بمعنى اكثر وضوحا أن ما مر بالعراق عبر مراحل زمنية متعددة من تأريخه السياسي المعاصر حاول من خلال أنظمته السياسية - ملكية أم جمهورية- الدفاع عن السيادة العراقية في كل المحافل الدولية وعلى رأسها في الامم المتحدة سياسيا إعلاميا وقانونيا وهوأمر مطلوب واساسي ولكن على ذات النسق كان يفترض أن تنعكس ابعاد وملامح قوة الدولة في إطار علاقات فاعلة ومؤثرة للعراق مع مختلف دول العالم على الصعيد الجيوسياسي ضمن دائرة تعاملات وتوازنات القوة في المحيطين الاقليمي والدولي في ظل إطار جيوسياسي - اقتصادي يضمن للعراق مصالحه الوطنية من موقع القوة.

إلا أن الاشكال الجيوسياسي في إطاره ومضمونه الواقعي جيوسياسيا واقتصاديا بقي بأنتظار تغير موازين القوة التي تمكن البلاد من إعلاء دورها كي تسهم إسهاما فاعلا في توازنات القوة. الانتظار والحوار شيء والتفاعل والمبادرة شيء أخر اساسي، إذ لم تحسن حكومات العراق المتعاقبة استثماره لصالح بلادنا وهو أمر مؤسف حقا لم يخلق حالة تراكمية من الجودة في أداء الشؤون الخارجية استنادا لدبلوماسية مؤثرة وفاعلة. صحيح أن ما وفره العراق من مساحة مهمة لإحداث توافق ايراني - سعودي لعبت دورا حيويا استفادت منه الصين ثاني دولة في مقاييس القوة العالمي لإحداث تقارب ايراني - سعودي إلا أن دائرة التحرك الدبلوماسي العراقي كان يمكن ان تكون اكثر فاعلية وتاثيرا لو أن معايير وعناصر قوة الدولة العراقية بمختلف مضامينها الداخلية والخارجية وظفت بصورة تعكس قوة الدولة الحقيقية تحفظ لبلادنا هويتنا الوطنية ومصالحها الامنية، الاقتصادية وثرواتنا المائية والاقتصادية والبشرية بمختلف ابعادها واشكالها. أي أن أي ضعف في ميزان القوى للعراق إنعكس سلبا على مسألة إنفاذ السيادة الوطنية العراقية على كامل تراب العراق وهي مسألة لابد من تجاوزها كي تكون اولا جميع مناطق العراق تحت هيمنة واختصاص الدولة الاقليمي من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب مع توافر الرادع الامني لكل التهديدات المحتملة او القائمة.

لاشك أن مطالب العراق السيادية الوطنية الحقة في المحيط الخارجي إقليميا أم دوليا تستند جوهريا إلى مدى رصانة وقوة النظام السياسي العراقي الداخلي أمنيا واقتصاديا وأجتماعيا وثقافيا مع شدة تماسكه وطنيا وبخاصة مدى قربه من نبض الشارع العراقي الذي لن يقبل بالضيم او خرق لكرامته أو اي إخفاق في الحفاظ على مصالحه الوطنية من جهة أو اي نوع من التبعية لإية جهة داخلية أم خارجية تحتكر السلطة لنفسها على حساب الانتباه لأولوية تطبيق الاجندة الوطنية المعرفة جليا بالبرامج والمناهج الوزارية الرصينة من منطلق بناء وتعزيز العناصر الاساسية للسيادة الوطنية بعيدا عن كل ما يمت بالمحاصصة الحزبية - الدينية - الطائفية - القومية والمجتمعية - الجهوية، القبلية والعرقية. أي أن قوة دور العراق في المحيطين الاقليمي والدولي لابد أن تنجز في إطار التفاعل الايجابي للسياستين الداخلية والخارجية بصورة مستدامة مسألة ولاشك ستنعكس بالضرورة إيجابا على دبلوماسية منتجة ومبدعة للعراق في المحيطين الاقليمي والدولي. إن ما أدلى به دولة رئيس الوزراء العراقي السيد محمد شياع السوداني لإمر حيوي لابد من متابعته حثيثا من قبل الاجهزة المختصة بالدولة وصولا لنتائج مشرفة على صعيد تقديم أداء فاعل مميز في مختلف مجالات" حكومة الخدمة " وعلى رأس هذه الاولويات الاستجابة السريعة والجادة لحاجات ومطالب الشعب في الحصول على حياة نوعية كريمة لجميع المواطنين. سياق يؤكد أولوية مكافحة الفساد بأعتبارها الوجه المقابل للحرب الناجحة في مواجهة الارهاب مايستوجب إعداد أستراتيجية متكاملة لمواجهتها بكل حزم ضمن إطار من الالتزام بعاملي الشفافية للمعلومات الدقيقة بظاهرة الفساد بكل ابعادها وتداعياتها مع المحاسبة القانونية الجادة لسوء الاداء السياسي والاداري. من هنا أكد السيد السوداني ضرورة "عدم التهاون مع أي خلل قد يتسبب باستغلال أموال الشعب " بإعتبار أن الفساد وفقا لوصفه الدقيق تمثل المعركة الكبرى للدولة. مسألة ينتظر نتائجها شعبنا بفروغ الصبر بهدف رفع الاعباء والتكاليف الحياتية عن كاهل الفئات الفقيرة والمحرومة مع إهتمام مستدام بالارتقاء بنوعية حياة المواطنين جميعا.

ضمن هذا التصور فإن مراجعة بعض فقرات دستور 15 تشرين الاول 2005 بعيدا عن دولة المكونات ستؤكد وصف الدستور الدائم مؤسسا لدولة المواطنة. مسيرة ستمكن البلاد من إعلاء شأن الضمانات الدستورية التي تحفظ للعراق وشعبه الابي الاصيل حقوقه وحرياته السيادية الامر الذي سينعكس إيجابا على نجاح العراق في ان يلعب دورا جيوسياسيا فاعلا في المحيطين الاقليمي والدولي لإن عملية التفاعل والتكامل بين السياسيتين الداخلية والخارجية مسألة اساسية في بناء وتعزيز السيادة الوطنية. إنطلاقا من ذلك، فإن نجاح العراق في الحفاظ على ترابه الوطني وموارده المائية والاستثمار الافضل لطاقته التقليدية (النفط والغاز الطبيعي وغيرها) سيدفع بالعراق نحو أنطلاق مفاوضات إقتصادية جدية مع دول العالم الامر سيسهم في صياغة اتفاقات تحفظ مصالح العراق المتبادلة مع دول الجوار وغيرها سواءا أكان الامر متعلقا بملفات ألطاقة، المياه او البيئة او نظرا لكون العراق عقدة جيوسياسية حرجة من خلال أهمية المتابعة الدقيقة مثلا: لأنجاز ميناء الفاو الكبير كونه معبرا حيويا للاتصالات والتجارة مابين الشرق والغرب أوالجنوب والشمال. تصور أكده مشروع " القناة الجافة أو طريق التنمية Development Road الذي يربط الميناء بإوروبا عبر تركيا "..

منظور أخر تم تداوله في وسائل التواصل الاجتماعي وله علاقة بتلبية مطالب السيادة الوطنية عرف بالدور النشط لحكومة السوداني على الصعيدين الاقليمي والدولي من خلال اعتماد ما عرف بالدبلوماسية المنتجة Productive Diplomacy. مفهوم كهذا له علاقة مباشرة بالدبلوماسية الاقتصادية ومن ضمنها دبلوماسية الطاقة ودبلوماسية المياه والبيئة الخضراء التي إن نجح العراق في تطبيقها ستعمد إلى تنويع مصادر الطاقة والدخل نظرا لكون العراق دولة تحتضن إحتياطات مهمة جدا من الموارد المعدنية المتنوعة والضخمة الكامنة أو غير المنتجة (الكبريت، الفوسفات والسيلكا) في حين أن المنتج المستثمر عبر التاريخ الاقتصادي لازال النفط الذي شكل اقتصادا آحاديا ريعيا والى حدود معينة تمحور ايضا حول إنتاج الغاز الطبيعي الذي وعبر زمن طويل نسبيا تم حرقه منتجا خسائر مالية واقتصادية كبرى وضع كهذا لابد معه أن يتغير مثلا هذا الواقع البائس والمرير من خلال الاعتماد على تفعيل حقيقي للدبلوماسية المنتجة بصورة توفر علائق للمصالح المتبادلة بين دول العالم (مكاسب مقابل مكاسب) مع إعطاء اولوية للمصلحة الوطنية. بعبارة بسيطة يمكن للعراق بما يمتلكه من ثروات طبيعية وبشرية متخصصة أن يتجاوز مايعرف بالاقتصاد الاحادي الريعي والانتقال إلى الاقتصاد متنوع الموارد والطاقة المتجددة ما يوفر عوائد مالية واقتصادية أي نقلة نوعية لأقتصاد صناعي متقدم يتكيف مع أعلى مستويات التطور التقني وصولا لمراحل حيوية للانتاج وللكسب المشروع وليس مجرد الاستهلاك من خلال إعتماد رؤى ضيقة الآفق أوآليات بيروقراطية جامدة اوصلت البلاد لمراحل التخلف بعيدا عن التنمية الانسانية المستدامة. إن لغة الشراكات الدولية لتي تعتمدها حكومة السيد السوداني يمكن إذا ما خطط لها جيدا وتم التنفيذ والاشراف والمتابعة الجادة الدؤوب لكل تفاصيلها بضمنها أنعاش وتحديث القطاع الخاص لأستقطاب ممنهج لأعداد كبيرة من الطاقات المجمدة من خلال استراتيجيات او سياسات فاعلة تستوعب الكفاءات العراقية المتخصصة والتي رائدها الاول خدمة الوطن.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

شراكة الاقتصاد الكلي والوحدة الوطنية

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram