TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > الجغرافيا بين متغيرات القوة والسيطرة

الجغرافيا بين متغيرات القوة والسيطرة

نشر في: 8 مايو, 2023: 10:58 م

رزاق عداي

لعنة الجغرافيا مفهوم جرى تداوله مؤخراَ على نطاق واسع خصوصاَ بعد الحرب الروسية -الاوكرانية ، اذ بات يرد في دائرة ما يصطلح عليه ب ( الجيوبوليتيكيا ) ، فالجغرافية الطبيعية او السياسية هما في حالة تغير مستمر ، فحتى الجغرافية ( الطبيعية ) ، بمحيطاتها وبحارها وجبالها وسهولها ، ليست ثابتة ، ولم تكن يوماَ ثابتة ، بل لعلها كانت تابعة دوماَ للسياسة وليس العكس ،

ومن النادر ان تعثر على خريطة العالم على دولة بلا مشاكل مع جيرانها في مجال الحدود ، برية كانت او بحرية او حتى نهرية .

وربما تبدو الصورة للخرائط السياسية للعالم شبه ماْلوفة بسكانها على هذه الخرائط ،لدرجة انها لا تثير التساؤل عن اصلها وطبيعة وضعها ، ولاشك يعتبر وضع الخرائط وفقاَ لمصالح واهواء راسميها ، فبعد الحرب العالمية الثانية تشكلت خريطة جديدة بعد الخريطة الاولى التي رسمت حدود الكثير من دول الشرق الاوسط بموجب اتفاقية ( سايكس - بيكو ) الشهيرة في الحرب الاولى ، فبعد الحروب الكبيرة لابد ان تتغير الخرائط وتتزحزح الحدود .

لقد كانت نهاية الحرب الباردة هي الاخرى حدثاَ ضخما فرض تداعياته الكبيرة غير حدوداَ قديمة واوجد اخرى ، وما الحرب المحتدمة اليوم في اوكرانيا الاواحدة من مخرجات لعنة الجغرافية التي ظلت هامدة تحت الرماد لثلاث عقود مضت لتنفجر مدوية ، ولا ندري بعد ما الخطوط التي سوف تستقر عليها مقاربات الحدود بين الدول المتاخمة لنيران هذه الحرب .

اما وسط التطورات الحالية قي سوريا والعراق واليمن وليبيا ، وفي ظل وضع لم يعد المجتمع الدولي قادراَ على الاستجابة بشكل فعال للنزعات الدولية ، ناهيك عن تراجع الامم المتحدة في فض النزاعات الاقليمية المنوط بها في حفظ السلام وتهديد السلم الاجتماعي العالمي ، لم تكن لها دور في وقف نزيف الدم على الخريطة السياسية في هذه المنطقة على الاقل ،’ فمستقبل حدود هذه البلدان يظل مفتوحاَ على احتمالات مجهولة ، فكون ان الحروب الحديثة لا تنتهي في غالب الاحيان بترسيم الحدود او وحدة اراضي الدول ، لذلك يصعب ايجاد حلول وسط تتاْرجح بين الانتصار والهزيمة ، ربما هذا ما حصل في نهاية الحرب بين العراق وايران في سنوات الثمانينات والتي لم تنه في اعقابها مشكلة الحدود المائية بين البلدين والتي نصت عليها اتفاقية الجزائر لسنة 1975 .. .

ان الاهداف الاستعمارية في مطلع القرن القرن العشرين لم تكن تبحث في تلك التقسيمات السياسية الا عن مصالحها المباشرة ، ولكن سرعان ما تحولت هذه الحدود الى اْمر واقع تولدت عنه ممارسات وعادات وتقاليد واعراف سياسية ومجتمعية وشعبية ادت الى تمتع كل الكيانات بخوصيات لم يعد التراجع عنها بالامر السهل ، لاسيما اذا كان هذا التراجع يتم بالقوة والعنف ولمصلحة مشاريع ايديولوجية واطماع اقليمية للدول الغربية ، وعندما يتم التلاعب بالجغرافية في فترات السيطرة والقوة ،لم يكن المقصود من ذلك تسهيل اجراءات التجارة والملاحة وقياس الوقت فقط ، انما يحمل الامر بعدا سياسيا تصبح فية الدول العظمى كمراكز تقاس به الدول شرقاَ وغرباَ ، ففي عام 1884 م عقد مؤتمر (( ميريديان )) في بريطانيا لتحديد خط الطول (جرينيش ) كحد فاصل بين شرق الارض وغربها ، ومن الطرائف التاريخية في هذا الصدد ان الخليفة الماْمون ، دعى علماء جغرفيا وفلكيين في زمنه لوضع خريطة للعالم ،اسفرت عن خريطة تقع بغداد عاصمة الدولة العباسية في مركزها تماماَ ، تبدو فيها اوربا صغيرة جدا ، ولا وجود لامريكا واستراليا فيها ، وهذا يؤكد ان القوة السياسية هي من ترسم خرائط العالم حتى المتخيل منه .. .

يبدو ان مستقبل الشرق الاوسط والذي هو مهد الحضارات والاديان القديمة ، والاعراق المتنوعة ، وهذا تنوع مثير في مفردات لغة الحضارة ، ولكنه قد يتحول الى نار تحت رماد الخرائط السياسية في كل بلدان الشرق الاوسط الملتهب الى كوارث وصراعات ، ولعنة الجغرافيا .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

وراء القصد.. ولا تيفو.. عن حمودي الحارثي

شعراء الأُسر الدينية.. انتصروا للمرأة

العمودالثامن: فاصل ونواصل

العمودالثامن: ذهب نور وجاء زيد

العمودالثامن: حين يقول لنا نور زهير "خلوها بيناتنه"!!

العمودالثامن: لماذا يكرهون السعادة؟

 علي حسين الحزن والكآبة والتعوّد على طقوسهما، موضوع كتاب صدر قبل سنوات بعنوان "ضدّ السعادة"، حشد فيه مؤلفه إيريك جي. ويلسون جميع الشواهد التي ينبغي أن تردعنا عن الإحساس بأي معنى للتفاؤل، فالمؤلف...
علي حسين

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

محمد الربيعي (الحلقة 3)التجربة الكوريةتجربة كوريا الجنوبية في التعليم تعتبر واحدة من أنجح التجارب العالمية فقد استطاعت أن تحقق قفزة نوعية في مسارها التنموي، فحوّلت نفسها من دولة فقيرة إلى قوة اقتصادية عظمى في...
د. محمد الربيعي

مركزية الوهم العربي: بين الشعور بالتفوق ونظريات المؤامرة

قحطان الفرج الله مفهوم "المركزية" الذي يقوم على نزعة الشعور الجارف بتفوق الأنا (سواء كانت غربية أو إسلامية) وصفاء هويتها ونقاء أصلها. بحسب الدكتور عبد الله ابراهيم الناقد والمفكر العراقي، الذي قدم تحليلًا معمقًا...
قحطان الفرج الله

تفاسير فظيعة في تفخيذ الرضيعة

حسين سميسم وجد الفقهاء أن موقفهم ضعيف في تشريع سن الزواج، نظرا لضعف الروايات التي اعتمدوا عليها، اضافة الى خلو القرآن من نص صريح يوضح ذلك، فذهبوا إلى التفسير بحثا عن ضالتهم، ووجدوا في...
حسين سميسم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram