اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > دمـــغـــــة الـمـــــدى

دمـــغـــــة الـمـــــدى

نشر في: 7 أغسطس, 2010: 06:31 م

 محمد خضير من آب إلى آب، يتسع (المدى) لمزاد الثقافة العراقية المزوّد ببضاعات شتى، ونصوص مدموغة، يأتي نصفها من شارع المتنبي (شارع الكتب والمجاميع الأدبية)، والنصف الآخر من أقاصي الشوارع الداخلية والمهجرية. ولم يفتر سوق (المدى) يوماً، أو يُمنع مزاده، يرده الغرباء والأصدقاء، فيلقون ترحيباً وقبولاً، ويُضافون ولا يُطردون. وقد صار هذا الخليط سمة (المدى) دون غيرها من الصحف،
فكأن عكاظاً والمربد دمغتان غائرتان في أعماق التقليد الثقافي تتحكمان بصدور السوق وأطرافه، وكأن الذكرى تلعب مع النسيان في الولائم المقامة في صحن الدار وما حواليها.  فإذا تعدّى الخليط حدود اللياقة وقوانين السوق، وجنحت مخيلته واشتد جنونها، اتسع سقف (المدى) وارتفعت أعمدته زيادة في حرية الفضاء، وانتشرت دمغاته (تاتواته) على الصدور والأطراف إمعاناً في الغرابة والشذوذ. ولعلّ أكثر هذه الدمغات جمالاً تلك التي تنقشها طبيعة الصيف اللاهبة في ضمير الأدب العراقي وجسده الخارج عن المألوف. ولعلّ أكثرها صرعاً وخفاء تلك التي تسم المجاميع الخارجة من جحيم المزاد إلى برودة الليل لاستلهام أسراره.    من نصفي جمهور المزاد تأتي النصوص والكتب المدموغة بدمغتها فترابط تحت أعمدة الشارع الداخلية، كما تأتي غيرها من النصف الثاني وقد دمغت بدمغة الطبيعة الصيفية. هذا هو آب العراقي يدمغ النصوص بدمغته الجماعية التي تترك المرء صريعاً على أبواب المزاد الثقافي والسياسي، أو يقذفها إلى أرجاء الطبيعة التي يطنّ فيها زنبور في يقطينة فارغة، ويتدلى عذق نخلة حتى موسم القطف والطواش. يأتي كل نص بدمغته تمييزا له من نصوص الخليط، وخلف هذه الدمغة الفارقة تختفي المجهولات وتنصب الدلالات شباكها ويراود النص قارئه حتى يصرعه بدمغته. لولا هذه الدمغة كيف لقارئ محليّ أن يستسيغ نصاً مهجرياً كقصص سميرة المانع؟ وتحت ضغط هذه الدمغة اللندنية (أو لمستها الشعرية البعيدة) استسلمنا طائعين لقصائد عواد ناصر وفاضل السلطاني وفوزي كريم وصلاح نيازي وعبد الكريم كاصد. ومثلها الدمغة الاسكندنافية التي قربت الجليد من النار في قصائد صلاح حسن. وهنا عندنا فتحت دمغة (كلواذا) مصاريع قصائد صادق الصائغ البغدادية، وجعلت الإقامة الضرورية لهذا الشاعر المتبرم بيننا تطول وتنبسط كطبيعة آب المسالمة. احتملنا مراجعات كاظم حبيب وسعد محمد رحيم وعلي الفواز المطولة بسبب تعرفنا دمغاتهم المستحصلة من تجربة المزاد اليساري الخاسرة. تعرفنا على هذه التجربة ونقدها في مقالة سهيل سامي نادر بعد انتخابات آذار التشريعية، وزودتنا المقالات الأخرى لهذا الكاتب بدمغته الظاهراتية التي حملت أوزار الآخرين على كتفيها. كانت مقالاته إضافة مؤلمة لرثاء مهجريين ومهجريات طواهم الموت في الغربة أمثال كاظم السماوي وسعود الناصري ورحمن الجابري وتحرير السماوي وسهام السلطاني وزكية خليفة. حُذفت دمغة محمود صبري التركيبية وحلت مكانها دمغة خالد السلطاني التفكيكية. عمارتنا تبعث من جديد في ضوء هذه الدمغة المتأملة في صيف شارع الرشيد وبناياته. الهجرة تقلص مداها المعماري بهذه الدمغة الجمالية العائدة إلى موطنها. اتسع مزاد (المدى) لمقابلات وتحليلات سينمائية وتشكيلية ومسرحية وموسيقية، رُفعت جميعها على أعمدة حررها كتّاب مرموقون عرفناهم بدمغاتهم الأسلوبية: فوزي كريم وشاكر لعيبي ولطفية الدليمي ومحمد سعيد الصكار ونجم والي. شاركنا (أنا ومحمود عبد الوهاب) في مزاد هذه الدمغات، ولو قُيّض لي أن أصف دمغتي لقلتُ إنها من اختراع الطبيعة الباصورية، التي يعجبني وفاؤها من صيف لصيف. كان اسم دمغتي هذه (ثقب السرطان) ولطالما زودني هذا الثقب بأحلام عمرها مئة عام في مزاد السردية العراقية.   ولا أريد أن أتناسى دمغة صاحب المزاد الأصلية، فخري كريم. يتوارى الرجل في الظل حاملاً بيده اللوغو التي خطها صادق الصائغ لجريدة (المدى). وما عدا هذه الطغراء السياسية والثقافية ، فأنا أجهل أشياء كثيرة عنه.  لو دفعت لنفسي بدمغتي إلى مزاد (المدى) لأخترتُ سيناريو (عين السرطان) المنشور في عمود (خارج العاصمة) ، ولو شاركتُ بدمغة شخص غيري في رأسمال المزاد لسارعتً باختيار قصيدة صادق الصائغ (أوجاع كلواذا) ، أكتفي بمطلعها إشارة إلى وجع المزاد الدلالي والبنائي :"هل تغادرها بعد هذيالسنين؟وكيف تغادرها،دائناً أم مدين؟"

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

طلب 25 مليونا لغلق قضية متهم بالمخدرات.. النزاهة تضبط منتحل صفة بـ"موقع حساس"

أسعار صرف الدولار في العراق

محاولات حكومية لانتشال الصناعة العراقية من الاستيراد.. هل ينجح الدعم المحلي؟

اكتشاف مقابر جماعية جديدة في الأنبار تفضح فظائع داعش بحق الأبرياء

فوائد "مذهلة" لممارسة اليوغا خلال الحمل

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram