د. قاسم حسين صالح
الحلقة الرابعة والأخيرة
المشروع
توطئة
تضمن هذا الملف في حلقاته الثلاث تشخيص الأسباب، كشرط علمي في المعالجة، التي اوصلت العراق الى ان يحتل المرتبة الثانية بين الدول الأكثر فسادا في العالم وفقا لتقرير المؤشر العالمي للفساد لمنظمة الشفافية الدولية العالمية عام 2009،
وتوثيقا لحجم الفساد وأبعاده في العراق من مصادر موثوقة، وتلخيصا موجزا لتجربة سنغافورة في مكافحة الفساد..وصولا الى مشروع علمي يمكّن متخذ القرار من تحديد طريقة تعامل ناجحة مع ظاهرة خطيرة ومعقدة..تمت صياغته في الحلقة الرابعة والأخيرة هذه.منوهين ثانية الى ان اشرس المعارك التي تواجه العراق الآن هي معركته مع الفساد، وهي مخيفة! بدليل ان رئيس الوزراء الأسبق السيد نوري المالكي اعترف علنا بأنه لا يستطيع مكافحة الفساد لأنه لو كشف ملفاته لأنقلب عاليها سافلها. وحين تلاه رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي وعد بأصرار بانه سيضرب الفساد بيد من حديد (حتى لو يقتلوني) ثم اعترف علنا في(27 /11/ 2017) بأنه غير قادر، لأن الفساد(مافيا.. يملكون المال، فضائيات، قدرات، يستطيعون ان يثبتوا انهم الحريصون على المجتمع، وهم الذي يحاربون الفساد، ولكنهم آباء الفساد وزعماء الفساد). تلاه
رئيس هيئة النزاهة السيد حيدر حنون بتصريح في (3 /5 / 2023) بان الفاسدين(قادة، وجنود، ومشجعين يدافعون عنهم، وانهم يتسابقون على سرقة أموال الدولة)،ليؤكدوا حقيقة ان الفاسدين اصبحوا دولة داخل دولة.. تخيف أي رئيس وزراء يحاول التحرش بهم، وآخرهم السيد مصطفى الكاظمي، الذي حصلت في زمانه سرقة القرن التي بلغت مليارات الدولارات،وتكتم عن كشف الحقيقة كاملة..ما يعني ان محاربة الفساد تحتاج الى متخذ قرار شجاع وحازم وذكي واستثنائي يعتمد مشروعا علميا، وهذا ما يتمناه العراقيون للسيد محمد شياع السوداني.
اجراءات مقترحة لتطبيق المشروع
ـ تشريع قانون خاص بمكافحة الفساد والوقاية منه، يتضمن عقوبات مشددة، يشارك في صياغته قضاة مستقلون يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة.
ـ اصلاح النظام القضائي بما يولّد الثقة عند العراقيين بانه قد اتخذ الاجراء العملي لمكافحة الفساد،تبدأ بتعديل المادة 136 من قانون المحاكمات الجزائية التي منحت الوزير صلاحية ايقاف الاجراءات القضائية بحق من يشغل منصبا ادنى من الوزير،والتي تعني عدم امكانية استدعاء وكيل الوزير او المدير العام حتى لو كانت عليه قضية فساد مالي. اذ وصف تقرير دولي مؤلف من (82) صفحة النظام القضائي العراقي بأنه " ضعيف ومرعب وعرضة للضغط السياسي"،ويحدد بالارقام حالات الفساد في الوزارات بينها، أن "من بين 169 شكوى في وزارة الدفاع،أحيلت ثمان منها فقط إلى المحكمة ولم تتم إدانة إلا شخص واحد فقط،وأنه من مجموع 154 حالة فساد تم التحقيق فيها بوزارة النفط أحيلت 19 قضية فقط إلى المحاكم،تم اتهام اثنين فقط في حين تمتع خمسة آخرون بالحصانة الممنوحة لهم " ما أكسب الوزارة سمعة كونها أكثر الوزارات فساداً ".
ـ إنشاء مكتب تحقيقات خاص بعمليات الفساد من شخصيات كفوءة ومستقلة سياسيا تابع لرئيس مجلس الوزراء، يتمتع بصلاحيات مطلقة باستدعاء أي مسؤول او شخصية سياسية او شخصية عامة عليها شبهة او تهمة فساد، والتحقيق معه واتخاذ القرار المناسب بحقه باحالته الى المحاكم المختصة لتحديد العقوبة المناسبة، والزامه باعادة ما اخذه من مال حرام، او الأفراج عنه.
ونذكّر هنا بتقرير سري امريكي في 29 أيلول (2007)وجّه انتقادات شديدة إلى إجراءات مكافحة الفساد في الوزارات والمؤسسات العراقية الرسمية، محذراً من أن العراق غير قادر حالياً على تعزيز قوانين مكافحة الفساد،مضيفا أن مكتب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي "يتعامل بعدائية" مع فكرة تأسيس وكالة مستقلة للتحقيق في الفساد الإداري برغم انه يصف الحرب على الفساد بأنها الحرب الثانية في العراق.
ـ الزام المحاكم المختصة بأن لا تزيد مدة التحقيقات وتحديد العقوبات على الفاسدين أياً كانت مناصبهم عن عام واحد كحد اقصى،لأن طول فترة التقاضى تمنح الفرصة لكبار الفاسدين بالتحايل والتأثير على القضاء،وتشيع بين المواطنين ان الحال لا يختلف عن سابقه.
ـ اعتماد مبدأ (من أين لك هذا) بالزام المسئولين الكشف عن ممتلكاتهم واموالهم هم وأسرهم، في داخل العراق وخارجه.
ـ التعاون والتنسيق مع الجهات الدولية المختصة بعمليات الفساد في الكشف عن العراقيين الذين يمتلكون ارصدة في المصارف والبنوك الدولية، مسجلة باسمائهم او اسماء ابنائهم او اقاربهم او باسماء اشخاص اجانب،فبحسب تقرير لمحقق امريكي فانه تم تهريب ثلاثين مليار دولارا خارج العراق،توزعت بين شراء جزر وفنادق ومطاعم ومعارض سيارات ومكاتب تحويل العملة وملاهي ليلية..وشراء 150 عقارا في ثلاث دول اوربية سجلت باسماء أقارب الفاسدين،بينهم ثلاثة فاسدين،وزير شيعي وشقيقاه،هرّبوا 820 مليون دولارا..وان افرادا نهبوا من المال العام ما يعادل ميزانيات ست دول عربية مجتمعة!
ـ توجيه هيئة مكافحة الفساد باستخدام وسائل تقنية حديثة بما فيها جهاز كشف الكذب، لضمان فاعلية ادائها، والتاكيد على مراقبتها لطريقة معيشة الموظفين ما اذا كانت تناسب دخلهم، ومساءلة من كان يمتلك مالا او عقارا او سيارات تثير الشبهات.
ـ اعتماد هيئة مكافحة الفساد استراتيجية تضمن الوقاية من الفساد تشمل الجوانب الأرشادية والضبط الأداري الوقائي واللامركزية في التنفيذ، ومواصلة تحشيد الرأي العام سيكولوجيا ضد الفساد والفاسدين.
ـ تشكيل لجنة من مستشارين سيكولوجيين وتربويين وقضاة واعلاميين مستقلين سياسيا،تكون مهمتها فضح الفساد والفاسدين أخلاقيا باعتماد استراتيجية تستقطب رجال دين وخبراء اقتصاديين تستهدف توجيه الرأى العام نحو المشاركة في مكافحة الفساد،واحياء الشعور بالمواطنة و الشعور بالذمّة التي تعني العهد والكفالة حين يكون الشخص مسؤولا عن الرعية.
ختاما
هناك اسلوبان متبعان في مكافحة الفساد، الأول يبدأ بالقمة نزولا الى القاعدة، اي من الحيتان الى الذيول،والثاني..بعكسه، من الذيول الى الحيتان. الأول طبقته ماليزيا وصارت انموذجا في مكافحة الفساد والوقاية منه. والثاني، طبق في عدد من الدول.. وفشل.
ومع ان المرجعية في النجف طالبت من سنين بضرب الحيتان، وان انتفاضة تشرين طالبت ايضا بمحاكمة كبار الفاسدين، فان هذه الطريقة لن تنجح في العراق بوضعه السياسي الحالي، كما ان البدء بضرب الذيول صعودا ليست فعالة ولن تنجح ايضا. وعلى العراق ان يبتكر طريقة ثالثة تبدأ بالطبقة الوسطى من الفاسدين المتمثلة بالمدراء العامين ومن بمستواهم، ولكن ليس باقالتهم كما فعل السيد محمد شياع السوداني باقالة خمسين مديرا عاما في مايس 2023 التي لا تدخل في مكافحة الفساد..وان نجاح العراق يكون بتبني هذا المشروع وانضاجه ليقدم انموذجا جديدا في مكافحة الفساد والوقاية.
اننا نحن الاكاديميين والمفكرين نكون، بتقديمنا هذا المشروع،قد ابرأنا ذمتنا امام التاريخ والاجيال، وان الحاكم الذي يعمل فعلا على مكافحة افسد حكومات العراق من يوم اصبح دولة،سيدخل التاريخ من أوسع ابوابه.
5 / 5/ 2023