اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > الشعر العراقي انفرد بظاهرة التجييل العقدي

الشعر العراقي انفرد بظاهرة التجييل العقدي

نشر في: 14 مايو, 2023: 11:08 م

علاء المفرجي

الأجيال موضوعة من موضوعات التاريخ الأدبي، ولكل أدب أجياله التي تحددها معايير زمنية وفنية، ولا يكاد يختلف مؤرخو الأجيال حول تلك المعايير 

كما لا إشكالية كبيرة في دراستها بوجود نظريات في المجايلة التاريخية، بيد أن تاريخ الأدب في العراق انفرد بخصوصية في مسألة رصد الأجيال الأدبية ومقايستها تتمثل في الأخذ بالعقدية(عشر سنوات) معيارا زمنيا واحداً أو وحيداً. وبدأت عند بعض شعراء الستينيات ثم انتقلت عدواها إلى شعراء العقود اللاحقة الذين أخذوا يقيسون على عقدية الستينيات، مرسخين الخطأ ومعتبرين إياه تقليدا. وهذا الموضوع هو ما عليه قامت أطروحة كتاب جديد للدكتورة نادية هناوي بعنوان(الوهم والحقيقة في تجييل الشعر العراقي) والصادر حديثا عن مؤسسة أبجد للترجمة والنشر. ومما اهتم به الكتاب الاجابة عن سؤال: كيف يمكن للشاعر أن يقيّم نتاجه بنفسه ويرسم خريطة لعشرات الشعراء من خلال تجربته الشخصية، ومن دون أدنى اعتبار للنظرية الادبية وأساليب المقايسة التاريخية؟)

وشخّصت المؤلفة أسباب هذه الظاهرة ومنها ما كان لبعض الشعراء من دور مهم في إشاعة العقدية باطلاق البيانات وكتابة الشهادات فضلا عن الظروف الاستثنائية التي شهدها العالم في ستينيات القرن الماضي وكذلك ما شهده العراق خلال هذه المرحلة من اضطراب وعنف وانقسامات حادة وخطيرة بسبب التجاذبات الحزبية والولاءات التي أدت بالتجييل إلى أن يكون مسألة فكرية وليست تاريخية. فتهيأت الساحة لاولئك الشعراء كي يعلنوا عن أنفسهم ومن جايلهم أو زامنهم في الوسط الأدبي أنهم جيل ستيني وبمرور الزمن شاعت المقولة وصارت الأجيال الأدبية موزعة بحسب عقود القرن العشرين مع أن الزمن العشري لا يكفي لجعل السابق أباً، ولا يشرعن للاحق أن يكون ابناً. فكان هذا واحدا من أوهام التجييل العقدي وبسببه ضاعت أسماء في دنيا الشعر او بالعكس دخلت أسماء صفحات التاريخ الشعري، وهي لم تقل في الشعر إلا نتفا أو قالت قليلا ثم هجرت الشعر أو أكثرت من الكتابات التي ليس فيها شعر أو ظلت تعتاش على قصيدة واحدة تعيدها وتكررها بلا تجديد أو ابتكار.

وترى المؤلفة أن خطورة التجييل العقدي تأتي من تحول الانبهار بالعشرية الزمنية إلى هوس في تصنيف الأجيال الشعرية بصورة جماعية من دون فرز أو تنقية القوي من الأسماء الشعرية عن بسيطها. ولقد بدأ الانبهار واضحا أيضا على دارسي الشعر العراقي في العقدين المنصرمين من القرن الحادي والعشرين. وافتتحت المؤلفة كتابها بمقولة للدكتور علي جواد الطاهر تصب في هذا الباب وفيها يقول:(ليس من الصحيح أن تكون العلاقة بين شعرائنا والشعراء السابقين عليهم والشعراء السابقين على السابقين علاقة صراع أجيال بالمعنى السيء للصراع وعلاقة ذاتية. ويبدو لي أن الستينيين أكثر الشعراء ولعاً بالصراع فهم الذين كانوا في العادة يتحرشون بالخمسينيين وهم الذين يرتاحون اليوم للتحرش بالسبعينيين.. ولي انطباع خلاصته أن السياب دخل عالم الشعر الجديد من دون صراع مع جيل سابق).

واشتمل الكتاب على أربعة فصول وتمهيد وخاتمة مع مقدمة حملت عنوان(خندقة من خلف الشعر) وفيها ناقشت المؤلفة كيف صار التجييل العقدي شائعا وطبيعيا في النقدية العراقية خلافا لنظيراتها العربيات. وتصدرت قضية التجييل العقدي الأولوية في النقد العراقي كقضية مطلوب دراستها وليس كظاهرة غير صحية لا بد من وضع حد لها وتصحيح مسار الأجيال الأدبية باجتراح الأدوات المناسبة التي ترتكن إلى معايير صحيحة في التجييل؛ وإلا (فان مغلوطية مقولة(الجيل العقدي) ـ التي هي اليوم عنوان أثير عند الكثيرين ـ سيستمر نجمها في الصعود ومع استمرارها تترسخ الأخطاء وكأنها حقائق ومعرفيات لا مجال للتشكيك فيها ودحضها.)

وتلا المقدمة تمهيد نظري في مفهومي التجييل والتحول وان في الجيل الشعري الواحد قد يشهد الشعر تحولا وقد لا يشهد أي تحول؛ فأمر التحولات متوقف على بنية الشعر كإلهام ووعي وحدس ومقاومة واستغوار وانفلات ومساقات ونظم.

ويستكمل الفصل الأول التنظير لظاهرة " التجييل العقدي " محددا ملابساتها من ناحية التفريق بين العمر الزمني والعمر الإبداعي ومن ناحية فئوية الشاعر المنظِّر وتجييل شعره بكتابة بيان او شهادة ومن ناحية غموض مقولات الحداثة، وبينت المؤلفة أن هذا الفهم للعقدية اتسع وشاع خصوصا على مستوى الأبحاث الأكاديمية والرسائل الجامعية حتى بدا فيها طبيعيا الاعتقاد أن التجييل العقدي ظاهرة أدبية حقيقية تستند إلى وجود عطاء إبداعي بمقاييس معتادة بينما هو في الحقيقة ليس كذلك لكونه مبتور السنين، مشوها ودعائيا بالصورة الخدّاعة التي يعكسها أمر هذا التمايز الجيلي المزعوم.

ويناقش الفصل الثاني نقائص التجييل العقدي ومنها القول بالقطيعة كشعار رفعه شعراء التجييل العقدي، ولكن درجة التركيز عليه تفاوتت من واحد إلى آخر ومنها التعاطف مع أدباء الخارج على حساب أدباء الداخل. اما الفصل الثالث فتتبع أوهام التجييل العقدي ومسالكه. وتناول الفصل الرابع دواحض المجايلة العقدية بشاعرين هما محمد مهدي الجواهري وحسب الشيخ جعفر الذي عُدَّ شاعرا ستينيا بما يضمن لمجايليه الاشتراك معه في التميز وبعمومية التوصيف الجماعي لـ(لجيل الستيني). وترى د. هناوي(هذه الحجة واهية لان الشاعر حسب الشيخ جعفر ليس وجها من وجوه (الستينيات) بل خارج إطارها لفرادة الصورة التي عكستها قصيدته، ولان اتجاهه الشعري مغاير كليا لتوجهات شعراء هذا العقد وثانيا لاستمرارية نهج الرواد في شعره وصلته الوثيقة بهم وثالثا لاتصاف شعره بمظاهر مخالفة لتلك التي اتصف بها اغلب شعراء الستينيات لاسيما المظاهر القروية التي عكستها قصيدته ورابعا توغله في التراث بينما كان اغلب شعراء الستينيات مقطوعي الصلة بالتراث إلا النزر اليسير منهم. والمحصلة أن حسب الشيخ جعفر لا ينتمي الى الجيلية العقدية الستينية أو الخمسينية بل هو كالشعراء الكبار خارج سياقات العقدية بوصفه صاحب مدرسة في الشعرية العربية.)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

بعد ثلاثة عقود .. عباس الكاظم يعود بمعرض «خطوات يقظة» في الدنمارك

مذكرات محمد شكري جميل .. حياة ارتهنت بالسينما

بيتر هاجدو والسرد الصيني

عدد مجلة "أوربا" الخاص عن الأندلس .. نسمة هواء نقي في محيط فاسد

رمل على الطريق

مقالات ذات صلة

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟
عام

الشعر.. هل سيجد له جمهورا بعد مائة عام؟

علاء المفرجي هل سيجد الشعر جمهورا له بعد مائة عام من الان؟؟… الشاعر الأميركي وليامز بيلي كولنز يقول: " نعم سيجد، لأن الشعر هو التاريخ الوحيد الذي نملكه عن القلب البشري" فالشعر يعيش بين...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram